هناك حكمة صينية تنصح بما يلي: إذا رأيت شيئا يتصدع، فدع العوامل الداخلية تعطي فرصة للعوامل الخارجية، بمعنى أن عناصر الانهيار اذا انطلقت من داخل نسق أو نظام أو مؤسسة،ولو دولة لأسباب داخلية، فإن العوامل الخارجية يجب توظيفها بأقل قدر من جهة، وبأقل كلفة، وفي احسن لحظة زمنية وفرصة متاحة من جهة أخرى ، هذه الحكمة ستطبق مرة أخرى من طرف الديمقراطيين، أو من طرف إدارة بايدن، في كثير من دول العالم، وخاصة الشرق الأوسط و شمال افريقيا، وستكون حكومة بايدن مساهمة بالمحفزات فقط les catalyseurs. من هنا و بتركيز شديد يمكن القول أن الدول التي لا تتحقق فيها عناصر أساسية، تضمن التماسك للجبهة الداخلية، ستكون اسهل من أجل انطلاق تصدع داخلي، تنفد منه العوامل الخارجية وفي شكلالمحفزات، وقد رصدنا عشر عناصر محققة لهذه المناعة، ووقاية من هذه الاختراقات أو مخففة من اثارها، ويمكن إختصار هذه العناصر كالتالي : 1 الاشتغال بالمؤسسات : أن العمل بالمؤسسات يحقق احتراما دوليا، و يخفف بل يحمي من الارتجال والميزاجية، ويعطي هيبة للقرارات، و مصداقية لها، فحين تمحى أو تلغى المؤسسات أمام الأشخاص، تكثر الأخطاء، بل يبدو الاستبداد حاضرا، سواء أريد ذلك، ام كان مجرد خطأ في التقدير. 2 المناعة الديمقراطية : من مكاسب الديمقراطية للحماية من التصدع، اكتشاف عناصر القوة وتحقيق التوازنات، فاحترام آلية تدبير الخلاف، بل هي آلية لتدبير الصراع احيانا، يصعب معها شق الصف أو تحريض طرف ضد طرف. 3 تماسك الجبهة الداخلية: وهي في المحصلة ثمار النقطة الأولى والثانية، ولكن يتم اغناءها بعناصر الهوية والثقافة، و دروس وحكمة التاريخ، حيث هذه تلعب هذه العوامل و تساعد على الاصطفاف من جهة، و التراص من جهة، أو ما عبر عنه القرآن الكريم: بالبنيان المرصوص، 4 تجنب آلية الإقصاء: فهي من أسوأ الآليات لإضعاف الجبهة الداخلية، والاقصاء يوحي بشعور الاحتقار والتهميش، وقد يعطي احيانا مستويات من المواطنة، اي مواطن كن درجة اقل من الاخر، وهو شعور يولد الحقد والكراهية، و مقدمات نفسية لخلق الشعور بالتهميش، و عدم الاستفادة من شريحة من المجتمع لا تقل كفاءة أو وطنية، 5 حرية الإعلام: لا يناقش أحد أهمية الإعلام ودوره في تماسك الجبهة الداخلية، شريطة الا يخلط الأمر بين حرية التعبير والنقد و رصد السياسة وآثارها على الشأن العام، وبين اعلام يمثل طابور خامسا، أو يختصر دوره على إرجاع الصدى و تزيين كل شيئ. 6 دور المجتمع المدني: يزداد هذا الدور مع عامل الزمن، فالمجتمع المدني و المنظمات غير الحكومية، ليس مهمة فقط في التاطير او و المساعدة، وتقديم خدمات هنا أو هناك، وإنما أيضا في تطوير الرأي العام، وممارسة المراقبة، وتحقيق الديمقراطية التشاركية، 7 حكامة وفق معايير دولية: تعتبر الحكامة أمر يحمي من المزاجية، و يساعد على تحقيق افضل النتائج و ترشيد الإمكانات، بل التأثير في الجوهر على نظام الحكم، بحيث تصبح مجموعة من المؤشرات القابلة للقياس والتي تحضى بالتنفيذ والاحترام من الدول الرائدة على مستوى الممارسة الديمقراطية، والتجارب الفضلى في تدبير السياسات العمومية، جزء من الحياة السياسية للدولة والمؤسسات بحيث يقطع الطريق على اي مزايدة أو توظيف سياسي. 8 الشفافية واستقلالية القضاء: وهما شرطان أساسيان لخلق الثقة داخل مكونات المجتمع، وجلب الاستثمار الذي لم يعد يبحث عن فرص الربح فقط، ولاكن أيضا على افضل بيئة تقل فيها المخاطر، و ترتفع مؤشرات النجاح والاستمرارية، والاستقرار السياسي. 9 ارتقاء المؤسسات الأمنية: بقدر ما تزداد أهمية المؤسسات الأمنية في تحقيق شرط من شروط الدولة الناجحة، بحيث ان من سمات الدول الفاشلة فقدان عنصر الامن، بمعناه الواسع، بقدر ما أصبحت هذه المهمة معقدة ومركبة، ومؤطرة بالقانون وتحت عين مجموعة من التقارير الدولية و المؤسسات العاملة في مجال حقوق الانسان، لا يلغي ذاك أو ينفي وجود تقارير متحيزة أو مسيسة تحاكم النوايا أكثر من الحقائق والافعال، ولدى بقدر ما كانت هذه المؤسسات ناجحة في التواصل، و محترمة للقوانين والمساطر، مدعمة برأي عام وطني، لمهمتها ودورها من خلال العمل والميدان، الأمر الذي يسهل الدفاع عنها من اكبر جبهة عريضة داخلية. 10 التعامل بذكاء ونقصد به التعامل مع بعض المؤسسات و المنظمات غير الحكومية حيث تعتبر المدخل الأول والأساسي، فمجموعة من الملفات التي تستخرج في محطات تاريخية، وضمن أجندات، ليست كلها بريئة، خاصة وأنها تأخذ عناوين مغرية تتعلق بملفات حقوق الانسان، اوالأقليات العرقية او الحرية الدينية، فبختلط فيها الابتزاز بالموضوعية، والحقيقة بتصفية الحسابات السياسية، من هنا لو استعمل قدر من الذكاء، لكنا في غنى عن كثير من الأخطاء المجانية والتكلفة. ما أشرنا إليه تتشكل وتتهيئ في غياب تلك العناصر، ملفات تبدأ بالإدانة والمحاسبة السياسية، والحقوقية، لتتحول إلى سيناريوهات، وموجات وهزات داخلية، من السهل تدبير بدايتها غير انه من الصعب التكهن بنهايتها، من كلا الأطراف، سواء الذي يشتغل على تفعيل المحفز أو المستهدف به. الا اننا نتحمل جميعا مسؤولية حماية جبهتنا الداخلية من التصدي وقطع الطريق عن الموجة القادمة التي تبحث أو ستبحث عن محفزات، ومن الغباء الا نملك ار0ادة مستقبلنا وإرادة التغيير بحريتنا. استاذ التعليم العالي فاس*