تفاجأ العديد من العاملين في الحقل الصحفي الوطني، والمهتمين بمهنة المتاعب التي باتت تنوء حاليًا بهرطقات بعض المتطفلين عليها، بما اعتبروها “الوصاية الحقوقية” التي يحاول البعض فرضها على الصحافيين بشكل قد يفضي “لانتكاسة مهنية على مذبح الجهل بالمهنة وبأعرافها وأخلاقياتها ومدونات سلوكها”. ففي الوقت الذي يناضل فيه الصحافيون عبر العالم من أجل استقلالية العمل الصحفي، وينافح فيه إعلاميو المغرب من أجل تطبيق قانون الصحافة بعيدا عن العقوبات السالبة أو المقيدة للحرية، يخرج علينا، للأسف الشديد، غرباء عن المهنة ممن يقدمون أنفسهم “حقوقيين” في محاولة لإرجاع الصحافة لنقطة الصفر، وكأنه يغيظهم أن تكون مهنة الصحافة “مركزا قانونيا” يفرد للصحافيين إجراءات قانونية خاصة، ويمنح لهم حقوقًا فئوية متفردة مثل العديد من الفئات المجتمعية دون أن يشكل ذلك خرقًا للمقتضى الدستوري حول المساواة أمام القانون. مرجعية متضاربة ونضال من أجل اعتقال الصحافيين نشر المعطي منجب، بصفته مدونًا لا علاقة له مهنيًا بالصحافة، تحليلا شخصيًا لمسودة مشروع قانون الإنترنت ووسائط الاتصال المفتوحة، الذي أثار نقاشًا عموميًا محتدمًا في الآونة الأخيرة، وعوض أن يبقى هذا “المدون” في الجانب الحقوقي من القانون، أو يحصر نقاشه في التقعيد القانوني لمقتضياته، فإنه انبرى يناقش أحكاما تتصل بالعمل الصحفي بشكل ينم عن انحصار الرؤية المعرفية لمهنة المتاعب، وهو ما أفضى لنشر استنباطات مغلوطة لا تخدم نهائيًا أوضاع الصحفيين، بل إنها تمعن في ازدراء حرية الصحافة التي هي مكون أساسي من حرية الرأي والتعبير. فالمعني بالأمر زعم، بشكل تعوزه الدقة، في مقال منسوب له أن “المادة 22 من المشروع تجرم ترويج الأخبار الزائفة التي تلحق أضرارا بشخص ذاتي أو اعتباري وتعاقب مرتكبيها بالسجن النافذ”، والحال أن المادة 19 من مسودة المشروع المسربة هي من تتضمن هذه الأحكام الزجرية، بيد أن المادة 22 المستدل بها فهي تنصرف حسب شذرات القانون المنشورة للمحتوى الرقمي الذي يتضمن مقاطع العنف والجريمة. وليس هذا هو بيت القصيد، فما يثير حفيظة الصحافيين، هو كيف يعتبر هذا الشخص بأن “استثناء المحتوى الصحفي والتحريري من هذه الأحكام الزجرية” يشكل “خرقا واضحا للمساواة بين المواطنين التي يضمنها الدستور، وهو ثانيا يحمي صحافة التشهير المقربة من السلطة، كما أنه يشرعن دورية رئاسة النيابة العامة المنافية لروح القانون والصادرة سبتمبر/أيلول الماضي والتي تأمر وكلاء الملك بعدم متابعة الصحافيين بجرائم القذف والتشهير وإرجاع الأمر لها مع إعطائها الوقت الكافي للنظر في القضايا أي بتعبير آخر دفنها “ فهل يجهل المعطي منجب بأن هناك العديد من الحقوق الفئوية التي تجعل فئات مجتمعية تحظى بأحكام قانونية متفردة دون أن يشكل ذلك خرقًا لمبدأ المساواة أمام القانون، وله العبرة في ذلك على سبيل المثال لا الحصر في حقوق النساء والأشخاص في وضعية إعاقة وغيرهم؟ وهل يغيب أيضا عن ذهن المعطي منجب بأن هناك مقتضيات تشريعية تفرد أحكاما خاصة لبعض الخاضعين للقانون دون أن يشكل ذلك مساسا بالمساواة، مثل قواعد الاختصاص الاستثنائي والامتياز القضائي لبعض ذوي الصفة في القانون؟ لكن المثير للارتياب والامتعاض في الآن نفسه، هو أن يعتبر المعطي منجب “مذكرة النيابة العامة التي تفضل فيها الشكايات المباشرة بأنها غير قانونية”، وكأنه يناضل من أجل تحريك المتابعات الجنائية في حق الصحفيين من طرف ممثلي الادعاء بدل سلك قنوات الشكاية المباشرة أمام القضاء؟ فهل يدرك المعطي منجب بأن الصحافيين تلقفوا مذكرة محمد عبد النباوي بحبور عارم، لأنها وضعت حدا للمتابعات الجنائية الفورية، وألزمت المشتكين بالركون للمحكمة وسداد مصاريف الدعوى المدنية، بعدما كانوا في السابق يسددون مبلغا جزافيا زهيدا بسبب استفادتهم من آلية “الدعوى المدنية التابعة” وهم يجرون الصحافيين للمحاكم. أتمنى صادقا ألا يكون المعطي منجب يقصد عمدا المنافحة من أجل تلطيخ سجل الصحافيين بالمتابعات الجنائية، وأن التسرع في التحليل وعدم اتساع زاوية التفكير هما من أفضيا لذلك، لأنه إذا كان الأمر عكس ذلك، فإننا سنكون أمام شخص يبحث عمدًا عن متابعات جنائية متعددة للصحافيين لتقديم المغرب في صورة البلد الذي يزدري حرية الصحافة والصحافيين، خاصة وأن هناك ” زميلة وصديقة له” في “مراسلون بلا حدود” سوف تقوم بإتمام المهمة وفق الأجندات المسطرة مسبقًا. “محتوى الجريمة”.. مصدر أمني يدحض ويعقب لم يكن الصحافيون وحدهم من وجدوا في كلام المعطي منجب ” مظاهر العتمة والفراغ التي ينشط فيها الشيطان”، بل الأمنيون كذلك اعتبروا بأن مقال المعني بالأمر جاء مشوبا بالتحريف والتجاوز، وبأن صاحبه ينهل من “خيال دافق يشغل فيه الوهم والخلفيات الراسخة الحيز الأكبر أكثر مما تشغله الحقيقة والواقع”. ففي تعقيبه على كلام المعطي منجب المنشور في نفس المقال، قال مصدر أمني بأن النهج التواصلي للمديرية العامة للأمن الوطني يتطبع دائما بالشفافية والوضوح، ولم تقدم يوما مصالح الأمن رواية مخالفة لتزوير الوقائع أو لتوطيد “المقاومة المؤسسية”، للحؤول دون تطبيق القانون في حق موظفيها المخالفين، بل كانت دائمة سباقة للتواصل الشفاف والتفاعل الإيجابي مع انتظارات المواطنين من المرفق العام الشرطي. واستطرد المصدر الأمني تصريحه، بأن المعطي منجب حاول التدليس على الرأي العام بعدما تعمد نشر جوانب فقط من قضية “قتل شخصين بسبب استعمال مفتش شرطة لسلاحه الوظيفي بمدينة الدارالبيضاء”، ذلك أن مصالح الأمن الوطني لم تقدم وقتها رواية مزورة للوقائع، وإنما قالت في بلاغها المنشور في 7 يوليوز 2019 بأن” المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالدارالبيضاء فتحت بحثا قضائيا تحت إشراف النيابة العامة المختصة، وذلك لتحديد ظروف وملابسات استعمال موظف شرطة لسلاحه الوظيفي في تدخل أمني نتج عنه وفاة شخصين”. وبخصوص الوقائع الأولية للقضية، التي كانت تتحدث عن ” تدخل أمني لتوقيف أربعة أشخاص في حالة سكر، وهم فتاتان وشابان، يشتبه في تورطهم في أنشطة إجرامية وحيازة أحدهم لسلاح أبيض”، فإنها معطيات قدمها ستة شهود كانوا بمسرح الجريمة، وليست هي رواية الأمن كما يقدمها بشكل ملتبس المعطي منجب، وذلك قبل أن تكشف أبحاث وتحريات الشرطة القضائية بأنها تصريحات كاذبة وشهادات مزورة، وهو ما استدعى توقيف الشهود الستة وتقديمهم أمام العدالة بتاريخ 10 يوليوز 2019. وإمعانا في التوضيح، أردف المصدر الأمني بأن شريط الفيديو المنشور الذي يوثق لهذا الحادث لم يغير مسار البحث القضائي، ولم يغير موقف المديرية العامة للأمن الوطني من النازلة، بل هو جاء ليعزز فرضية من فرضيات البحث الجنائي ويعضدها كقرينة مادية، وقد تعامل معه المحققون الجنائيون على هذا الأساس، حيث تم اكتشاف زيف التصريحات التمهيدية للشهود الستة، وهو ما اقتضى توقيفهم والبحث مع الشرطي على أساس جريمة القتل العمد وليس استعمال السلاح الوظيفي في إطار حالة الدفاع الشرعي. وعلى صعيد آخر، أثار كلام المعطي منجب العديد من الملاحظات والمؤاخذات في وسائط التواصل الاجتماعي، حيث تم تسجيل تماثل وتطابق تامين، حد إعمال النقل وتعطيل العقل، بين كلامه وبين ملاحظات وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان المسربة حول مشروع القانون 22.20، بل إن هذا النقل بلغ حد تكرار نفس الأخطاء والتحاليل القانونية الموسومة أحيانًا بعدم الدقة وانتفاء المواءمة مع روح القانون. فالمعطي منجب أمعن في تكرار نفس ملاحظات وزير الدولة حول فرضية إخلال مشروع القانون الجديد بالمساواة أمام القانون، والحال أن الصحافة كرسالة ومهنة ليست هي التدوين الذي يمتهنه رواد الإعلام البديل، كما أنه (أي المعطي منجب) زعم بأن ناشر المحتوى الرقمي الذي وثق لجريمة الشرطي بالبيضاء يعتبر مجرمًا بنظر المشروع الجديد، وهو نفسه التصور الذي ذهبت إليه مسودة وزير الدولة المسربة مع بعض التصرف في الوقائع والمرئيات. وما يغيب عن ذهن أصحاب هذا الطرح البعيد عن الواقع، هو أن المادة 22 من مسودة المشروع لا تؤسس “لحماية رقمية لأعمال العنف التي قد يرتكبها الموظفون العموميون”، بل يفترض مبدئيا أنها تنصرف لزجر ناشري المحتوى العنيف الذي يمس بالإحساس بالأمن ويجعل المواطنين ضحايا حالة الخوف أكثر من حقيقة التهديد في حد ذاته. أكثر من ذلك، فالمشرع المغربي أفرد مقتضيات قانونية زجرية رادعة للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون عندما يرتكبون العنف أو التعذيب كما هو محدد في الفصول 231 و1-231 وما يليها من القانون الجنائي، وهي الجرائم التي تخضع للقواعد العامة للإثبات ولا تحتاج لمن يداري عليها بتجريم نشر محتوياتها الرقمية. يبقى التساؤل المطروح أخيرا: هل ينافح المعطي منجب من أجل مساواة رواد منصات التواصل الاجتماعي مع الصحافيين في الإطار القانوني، لكي يستفيد بدوره من الضمانات القانونية لمهنة الصحافة عندما يكتب تدويناته المنشورة في حائطه الفايسبوكي؟ وهل يحق للمعطي منجب، وهو البعيد عن مهنة الصحافة، أن يوزع “صكوك المهنية” على المنابر الصحفية؟ ويخضعها لنظام المحاصصة الطائفية: هذه صحافة تشهير وتلك صحافة موالاة؟