أصبحت ظاهرة التشهير و ما يرتبط بها من جرائم تمس الحياة الخاصة و الحق في الصورة من الظواهر الأكثر رواجا داخل المجتمع المغربي , لا سيما بعد الطفرة التكنولوجية التي حدثت في السنوات الأخيرة , و التي جعلت جميع المواطنين يستعملون الحواسيب و الهواتف الذكية المرتبطة بالانترنيت سواء في الأغراض الايجابية , أو في الأغراض السلبية كالمس بالحياة الخاصة للأفراد بحسن أو سوء نية . بل و أحيانا يتم ذلك في إطار منظم عن طريق عصابات الكترونية أو ما يسمى بالذباب الالكتروني الذي يستهدف شخصية عامة أو خاصة من خلال تشويه صورته داخل المجتمع و الخوض في تفاصيل حياته الخاصة و الحميمية . و لا يقتصر الأمر في ارتكاب هذا الفعل المجرم فقط على الأفراد العاديين , و لكنه يمارس بشكل كبير من طرف الصحافة لا سيما بعد ظهور العديد من المواقع الالكترونية التي أصبحت تدخل في إطار الصحافة الالكترونية التي نظمها قانون الصحافة الجديد و أصبح لها إطار قانوني يشرعن وجودها الواقعي , و للأسف فان عدد كبير من هذه المواقع الالكترونية تعتمد بشكل أساسي على التشهير و المس بالحياة الخاصة , و تجعله أساس عملها ” الصحافي”, و ذلك من اجل تحقيق ” البوز ” و زيادة عدد المتابعات التي تدر عليها موارد مالية إضافية. وسنتحدث عن التشهير في علاقته بالمجال القانوني والأخلاقياتي , و لاسيما بعد أن أصبح هناك إطار قانوني ينظم هذه الظاهرة و يجرمها صراحة , و أيضا بعد أن انشأ المغرب آلية ضبط ذاتي متمثلة في المجلس الوطني للصحافة الذي كان ملزما منذ إنشاءه بضرورة إعداد مدونة أخلاقيات مهنية و ذلك في ظرف ستة أشهر من التأسيس . و بالفعل تم انجاز المطلوب و صدرت مدونة الأخلاقيات التي لاقت الكثير من الانتقادات من الناحية الشكلية و الموضوعية . و حين نتحدث عن مدونة آداب المهنة أو مدونة الأخلاقيات فإننا لا نتحدث عن قانون ملزم ، و لكن مجرد مبادئ أخلاقية ليس له قوة الإلزام الذي للقاعدة القانونية التي تعتبر قواعد عامة و مجردة و ملزمة و تطبق تحت طائلة الإكراه من لدن السلطات العمومية ، بينما الضمير الداخلي للشخص هو الذي يتدخل في عملية ترسيخ المبادئ الأخلاقية للمهنة ، و لذلك هناك من ينطلق من مبدأ أن الأخلاق و الفضيلة لا تدون و إنما هي كامنة في النفس الداخلية للإنسان و تتحكم فيها مبادئه و تربيته و إيديولوجيته . و لان الأخلاقيات هي قواعد ليس لها قوة الإلزام القانوني ، فإنه من الضروري لكي تكتمل الصورة أن يتم تناول ظاهرة التشهير من الزاوية القانونية قبل الأخلاقية حتى نرى هل لدينا الإمكانيات اللازمة التشريعية القانونية و الأخلاقية الكفيلة بالقضاء على ظاهرة التشهير أو على الأقل التخفيف منها . و لكن , قبل تناول الإطار التشريعي و الاخلاقياتي لظاهرة أو جريمة التشهير يمكن القول بداية أن هذه الظاهرة انتشرت بشكل غير مسبوق مستغلة نقصان الوعي القانوني و الأخلاقي لدى الكثير من الصحافيين و المؤسسات الإعلامية ، و أيضا للتطور التقني و التكنولوجي الذي أصبح من أهم مميزات المجتمعات الحديثة , و الذي ساهم في تداول و نقل الأخبار بسرعة مفرطة ، ناهيك عن التفرقة بين الصحافي المهني و المواطن العادي أصبحت صعبة بعد أن أصبح هذا الأخير يمكن أن يقوم بنقل الخبر و تحليله و التأثير بواسطته على الرأي العام عبر تدويناته أو تعليقاته على حائطه الالكتروني ، و هو ما جعل هذا المجال يعيش الكثير من الفوضى التي أصبحت تفرض وضع الأسس القانونية و الأخلاقية في مرحلة أولى , وأيضا محاولة التعامل بجدية مع موضوع التفعيل حتى يتم القضاء على هذه المظاهر السلبية أو على الأقل التخفيف منها . * الإطار القانوني لجريمة التشهير : عالج المشرع المغربي في منظومته الجنائية الحماية المقررة للحياة الخاصة و من بينها جرائم السب و القذف و ما إلى ذلك من جرائم ذات الاعتبار الشخصي ، و عالجها في القانون الجنائي الذي صدر سنة 1962 و عرف عدة تعديلات و تتميمات , و أيضا قانون الصحافة الذي صدر حينئذ في إطار ظهير الحريات العامة سنة 1958 ، لكن التشهير لم يكن معروفا حينئذ في المنظومة الجنائية المغربية إلى أن تم تأطيره بمقتضى مدونة الصحافة و أيضا بمقتضى قانون محاربة العنف ضد المرأة الذي تمم منظومة القانون الجنائي . لكن مع ذلك ينبغي القول أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان سواء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان او العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية و السياسية ذكرت كلمة التشهير و اعتبرتها من الأفعال المشينة التي يجب أن يبتعد عنها المواطنين بصفة عامة و الصحافيين بصفة خاصة ، و المعلوم أن الاتفاقيات الدولية بعد التوقيع و المصادقة عليها تصبح جزء من القانون الوطني ، بل و تطبق بالأولوية على القانون الداخلي ، و القضاء الوطني ملزم بتطبيقه . و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن ظاهرة و جريمة التشهير هي مؤطرة من الناحية القانونية منذ عقود ، رغم أن أهميتها و خطورتها زادت في هذا الوقت بالنظر للتطور الحاصل في تقنيات التواصل و الاتصال . و قد خصص القانون رقم 13/103 المتعلق بالعنف ضد النساء الفصل 2. 447 عقوبة حبسية من سنة إلى واحدة إلى ثلاث سنوات و غرامة من 2000 إلى 20000 درهم كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية ، ببت أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته ، دون موافقته ، أو قام ببت أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم ، و أيضا في الفصل الثالث من مدونة الصحافة المتعلقة بالحياة الخاصة و الحق في الصورة أورد القانون عبارة التشهير في المادة 89 منه الذي اعتبر انه يعد تدخلا في الحياة الخاصة تعرض أي شخص يمكن التعرف عليه و ذلك عن طريق اختلاق ادعاءات أو إفشاء وقائع أو صور فوتوغرافية أو أفلام حميمية للأشخاص ، أو يتعلق بحياتهم الخاصة ما لم تكن لها علاقة بالحياة العامة أو تدبير الشأن العام ، و لكن شريطة عدم موافقة الشخص المعني . و عاقب بغرامة قد تصل إلى 50000 درهم و أحيانا إلى 100000 درهم . و بذلك فان المغرب أصبح له إطار قانوني واضح يجرم التشهير سواء في القانون الجنائي بالنسبة للعموم أو في قانون الصحافة بالنسبة للصحافيين و اشترط ثلاث شروط لكي يعاقب على ذلك و هي أن يكون نشر أقوال و أفعال أو صورة لشخص و أن يكون القصد هو المس بالحياة الخاصة ، و أن لا يكون الشخص موافقا على النشر ، و في حالة غياب شرط واحد من هذه الشروط فلا مجال للقول بوجود فعل التشهير الذي يعاقب مرتكبه . و لعل أهم شرط يثير بعض الأشكال في هذا المجال ارتباطا بعمل الصحافي هو شرط القصد بالمساس بالحياة الخاصة . و قد اعتبرت مدونة الصحافة اثناء تنظيمها للحياة الخاصة ، أن التجريم مرتبط بما إذا كان التدخل وثيق بالحياة العامة أو له علاقة بتدبير الشأن العام ، و هنا نستطيع أن نؤكد أن القانون بالفعل نجح في إقامة تفرقة واضحة بين الحياة العامة و الحياة الخاصة و اعتبر أن الحياة الثانية هي الوحيدة التي تعتبر شرطا من شروط التجريم ، و هو مفهوم متقدم لحماية الحقوق و الحريات الأساسية للصحافيين وفق ما جاءت به المواثيق الدولية و أيضا القضاء الدولي ، و لاسيما أحكام قرارات المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان التي كانت تعتبر ان الأشخاص العامة تتولى تدبير الشأن العام لا تستفيد من الحماية الخاصة بالأشخاص العاديين ، و بالتالي يبقى المجال مفتوحا للصحافة من اجل الدخول بشكل معمق لتفاصيل الحياة الخاصة للشخصيات العامة من دون أن يطالها أي تجريم . و هذا التوجه الجديد لقانون الصحافة المغربي ، ربما يقطع مع ممارسات غير صحيحة للقضاء المغربي الذي كان يتعامل بنقيض هذا المبدأ ، و كان يعاقب الصحافيين بعقوبات حبسية و مالية مشددة لمسهم بالحياة الخاصة للشخصيات العامة ، و لو أن لها علاقة بمسؤوليتهم العامة و بتدبيرهم للشأن العام الذي من حق الصحافي تناوله ، و من حق الرأي العام الاطلاع عليه. وإذا كان ما سبق يتعلق بالإطار القانوني الذي يوضح جريمة التشهير في القانون المغربي ، فإنه يمكن القول على انه هناك دور كبير يجب ان يلعبه الجانب المؤسساتي لاسيما الأمني و القضائي في الحد من هذه الظاهرة أو على الأقل التخفيف منها ، على ان هذا التدخل يجب أن يتم بفعالية و يراعي الضمانات الحقوقية و القانونية لفائدة الصحافيين ، و أن يبتعد عن الانتقائية في التعامل مع ملفات الصحفيين , لأن القانون في نهاية المطاف هو عبارة عن قواعد عامة ومجردة و ملزمة و تطبق على الجميع بنوع من المساواة في الحقوق و الواجبات . و لكن مع ذلك , فإنه مادام الأمر يتعلق بالحقوق الخاصة للأفراد ، فإنه ينبغي عدم السماح بالعبث و الإخلال تحت ذريعة حماية حرية الصحافة ، و لذلك فالتدخل المؤسساتي يجب أن يكون قويا و فعالا في مواجهة الاخلالات المهنية الواضحة و الفاضحة التي قد تكون سببا في تدمير الحياة الخاصة للعديد من الأشخاص و عائلاتهم، و لذلك يمكن التساؤل حول مدى إمكانية تمديد الغطاء التجريمي إلى كل من يتفاعل ايجابيا مع التشهير لاسيما الالكتروني بالنقر أو المشاركة، مثله في ذلك مثل جرائم امن الدولة و الجرائم الإرهابية التي تمت متابعة الكثير ممن قاموا بالنقر الايجابي على منشور أو خبر أو صورة أو شريط ذو مضامين إرهابية ، باعتبارهم ارتكبوا جريمة الإشادة بالجريمة الإرهابية . و لكن صراحة فانه بالنسبة للحياة الخاصة و ما ينتابها من حملات التشهير في بعض الأحيان ، فان التعامل بهذه الصرامة و التوسع فيه الكثير من التجني على حرية الرأي و التعبير بالنسبة لعامة الناس , و حرية الصحافة بالنسبة للصحافيين . ثم لعدم وجود جريمة تسمى بالإشادة بجريمة التشهير ، لا سيما أن المجال التجريمي ينبني على مبدأ الشرعية الذي يعني انه لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص , ما يفرضه هذا المبدأ من منه للقياس و التوسع في التفسير . و في علاقة دائمة بالإطار القانوني ، يمكن القول أن قانون الصحافة منح آليات قانونية للأشخاص المتضررين سواء كانوا شخصيات عامة أو خاصة ، و أن يقوموا برد الاعتبار لأنفسهم من خلال تقنية الرد و التصحيح قصد توضيح الأمور المتعلقة بالخبر أو الصورة أو الفيديو الذي مس بحياتهم الخاصة ، و جعل سمعتهم تتضرر جراء ذلك ، و هذه من بين الحلول القانونية التي يمكن اللجوء إليها لجعل الصحافة أكثر دقة و موضوعية و نزاهة و مهنية ، و يتم القضاء على ثقافة التزييف و الإشاعات التي تؤثر على الأفراد و على الأمن الاجتماعي داخل المجتمع. * الإطار الاخلاقياتي للتشهير : تعرف مهنة الصحافة بكونها مهنة نبيلة و نبلها و سموها ينبع من الأدوار التي تقوم بها داخل المجتمع لاسيما من خلال ممارسة رقابة صارمة على الشأن من اجل محاربة جميع مظاهر انعدام الشفافية من طرف الأشخاص و المؤسسات المكلفة بتدبير الشأن العام ، و ذلك في إطار المسؤولية الاجتماعية للصحافة و الإعلام التي تجعلها ملزمة أمام المواطن بنقل الخبر و تحليله بنوع من الشفافية والموضوعية والنزاهة و الدقة ، و كل ذلك في أفق تحقيق و ترسيخ دور الإعلام في التنمية المستدامة و ترسيخ الديمقراطية الحقة . و من أجل أن تقوم الصحافة بهذا الدور السامي لا بد لها من أن تنضبط لعدة مبادئ أخلاقية تؤطرها من اجل تحرير ممارستها و ضبطها والدفاع عنها عند الاقتضاء ضد كل من تسول له نفسه الانتقاص من امتياز الحرية الذي تتمتع به . و رغم أن هذه المبادئ الأخلاقية المكونة من حقوق وواجبات توازن بين الحرية و المسؤولية ، فان الأنظمة القانونية و المؤسساتية العالمية اختلفت في موضوع تدوين هذه الأخلاقيات في إطار مدونة آداب مهنة أو ميثاق أخلاقيات بين اتجاه انجلوساكسوني يرفض التقنين و يعتبر أن الفضيلة لا تقنن ، لان الأمر له ارتباط وثيق بالجانب الأخلاقي للصحافي ، و أن الأمر لا يحتاج إلى تقنيين أو مدونة إذا لم يكن الشخص له هذا الحس الذاتي . و بين اتجاه أخر لا يتبنى هذا الطرح بزعامة فرنسا التي تعتبر التقنين ووضع ميثاق أخلاقيات مسألة مهمة و أساسية من شأنها أن تكون أداة انضباط ذاتي ووسيلة للتحسيس بالمسؤوليات الملقاة على عاتق الصحفيين و أداة مرجعية من شأنها أن تضفي على الممارسة المهنية المزيد من التماسك ، إضافة إلى أنها قد تكون وسيلة داعمة ووسيلة للنهوض الاجتماعي ووسيلة لضمان الصالح العام . و يمكن التأكيد للأمانة أن النظام الانجلوساكسوني هو الأكثر فعالية و يؤكد ذلك المستوى المرموق للممارسة الصحفية و الإعلامية التي تتميز بالقوة و الدقة و الموضوعية ، و ذلك بشكل اكبر من دول التقنيين التي رغم وجود مدونات تبقى تعاني في هذا الجانب الاخلاقياتي ، و تعرف الممارسة المهنية لديها الكثير من مظاهر الخرق لهذه الأخلاقيات – و المغرب طبعا المعروف باصطفافه دائما مع الاتجاه اللاتيني و تأثره بالمدرسة الفرنسية ، حاول اللجوء إلى التقنيين في أكثر من مناسبة عن طريق هيئاته المهنية ، لاسيما عن طريق النقابة الوطنية للصحافة سنة 1993 لجنة آداب المهنة و اعتمدت ميثاق شرف ، ثم في سنة 2000 تم إنشاء هيئة وطنية مستقلة لأخلاقيات المهنة و حرية التعبير و تم إنشاء أيضا تنسيقية لمساندتها ، و توقفت هذه الإصلاحات لان الجميع كان على وعي بضرورة إصلاح مجال الصحافة في إطار كلي و شمولي ، و أيضا بإلزامية وجود مجلس وطني للصحافة ، و هو ما تحقق بعد صدور مدونة الصحافة سنة 2016 التي أنشأت هذا المجلس و كلفته ببلورة ميثاق أخلاقيات ، وفق مقتضيات المادة 28 من قانون المجلس الوطني للصحافة. و بالفعل اصدر المجلس الوطني للصحافة بشكل مستعجل ميثاق أخلاقيات الصحافة لأنه كان ملزم بذلك قانونا وفي ظرف ستة أشهر ، و قد تعرض هذا الميثاق للكثير من الانتقادات على المستوى الشكلي و الموضوعي ، لكن على الرغم من ذلك فانه إذا أردنا أن نكون موضوعيين ، فان هذا الميثاق الذي اختار المجلس أن يكون اقرب إلى إعلان ميونيخ من حيث تفصيل الحقوق و الواجبات الأخلاقية ، و ابتعد عن ميثاق الفيدرالية الدولية للصحفيين الذي تميز بالاقتضاب والاختصار , يتضمن عدد كبير من الايجابيات التي ينبغي عدم إنكارها . ويمكن القول أن هذا الميثاق أثار التشهير و جوانب منه لاسيما حول احترام الحياة الخاصة والحق في الصورة و المس بالشرف و الكرامة ، و ادخل التزامات الصحفي في هذا المجال في إطار المسؤولية إزاء المجتمع ، أو ما يعرف بالمسؤولية الاجتماعية للصحافي التي تقتضي بخصوص الحياة الخاصة ضرورة احترامها و توقير الجانب الحميمي للأفراد الذي يجب الامتناع عن اقتحامه ، و نفس الشيء بالنسبة للحق في الصورة ذلك أن لكل شخص الحق في تملك صورته و طرق استعمالها من طرف الغير ، كما اعتبر الميثاق انه يمنع نشر الاتهامات الكاذبة أو السب أو القذف ، كما لا يقبل ممارسة التشهير و التعامل و نشر الإشاعات أو كل ما يسيء لشرف الأشخاص أو سمعتهم أو كرامتهم الإنسانية . و قد ذهب الميثاق في نفس الاتجاه الذي ذهب إليه المشرع ، و أقام تفرقة موفقة ولو أنها ليست واضحة تماما , ما بين الحياة العامة و الحياة الخاصة ، و يقصد الميثاق بالشخصيات العامة التي تكون لحياتها الخاصة أو صورتها علاقة وطيدة بتدبيرها للشأن العام . و لكن بحسب التدقيق في أن الميثاق رخص ببعض التجاوز فقط بالنسبة للحياة الخاصة و الحق في الصورة ، بينما منعه منعا كليا بالنسبة للسب و القذف و نشر الاتهامات الكاذبة و التشهير و التحايل و نشر الاشاعات ، و هذا الأمر خطير جدا ، لان الألفاظ المستعملة قد يعتبرها البعض سب و قذف و تشهير ، و قد يعتبرها البعض الأخر شيء عادي ، لاسيما بالنسبة لشخصية عمومية ، و هذا الاتساع قد تكون له آثار سيئة على حرية الصحافة و على الجرأة في نقل الخبر و تحليله التي يجب ان تكون لدى الصحافي. و إذا كان تناول الميثاق لهذه الأفعال الماسة بالحياة بالحياة الخاصة للأفراد على هذا الشكل المذكور أعلاه ، فانه يمكن التساؤل حول فائدة إعادة ذكر هذه الأفعال في الميثاق بعد ما سبق أن صنفها ضمن قانون الصحافة ، ألا يعبر ذلك عن ازدواجية تشريعية أو عن إسهال تشريعي لا طائل منه ؟ في حقيقة الأمر أن ذكر هذه الواجبات الصحفية في الميثاق كان من باب التأكيد على المسؤولية الجسيمة التي يتحملها الصحافي، و أيضا فإن التذكير بهذه الأخلاقيات هو وقاية إضافية للصحافيين من تضييق المقتضيات القانونية التي تعتبر قواعد ملزمة و لا يعذر احد بجهلها ، بينما ترسيخها و تأكيدها من طرف الميثاق يجعل منها تذكير أخلاقي ، و حاجز احتياطي من اجل عدم الإخلال بالواجبات المنظمة في الميثاق ، و التي في حالة اقترافها لا تخضع فقط للعقوبات التأديبية التي سيوقعها المجلس الوطني للصحافة ، و لكن أيضا للمتابعات الزجرية التي سيسطرها القضاء و التي قد تكون و خيمة على الصحافي و على المؤسسة الصحفية . لكن الإشكال في التخليق أو الضبط الذاتي بصفة عامة ليس التشريع أو التقنيين ، لان قد يكون هناك إطار قانوني أو أخلاقي متطور ، و لكن ما الفائدة منه إذا لم يتم تطبيقه و تفعيله على الوجه الأكمل . و هنا ، يحسن القول أن قانون المجلس الوطني للصحافة منح سلطات واسعة للمجلس من اجل توقيع مجموعة من العقوبات التأديبية على الصحافي و على المؤسسة الصحافية في حالة خرقهم للقانون او لميثاق الأخلاقيات ، و ذلك وفق مسطرة خاصة تتم تحت إشراف القضاء ممثلا في القضاء الإداري . و هذه الرقابة القضائية تبقى شيء ايجابي ، لان قضاء الزملاء قد تتحكم فيه حسابات ضيقة شخصية أو انتخابية ، و لذلك فإن تمكين المتضرر سواء كان صحافيا او مؤسسة صحفية من الطعن أمام القضاء الإداري في القرار التأديبي الصادر عن المجلس الوطني للصحافة , هو ضمانة كبرى لعدم التعسف في إصدار المقررات التأديبية بين الزملاء. و هذا الأمر حقيقة ليس خاصا بالصحفيين و لكن حتى المحامين و الأطباء لهم مدونة أخلاق أو أنظمة داخلية عبارة عن تقنين لأعراف و تقاليد هذه المهن النبيلة ، و تكون المجالس هي المختصة بالعقوبات التأديبية تحت الرقابة القضائية التي يمكن ان تبث في الطعون ضد هذه المقررات التأديبية.