الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات توقيف في حق نتانياهو وغالانت والضيف    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    المغرب يستضيف أول خلوة لمجلس حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الإقليمي بالناظور    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    دراسة: تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    جمعويون يصدرون تقريرا بأرقام ومعطيات مقلقة عن سوق الأدوية    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة التشهير في مجال الصحافة بين الإطار القانوني والإطار الأخلاقياتي

أصبحت ظاهرة التشهير و ما يرتبط بها من جرائم تمس الحياة الخاصة و الحق في الصورة من الظواهر الأكثر رواجا داخل المجتمع المغربي , لا سيما بعد الطفرة التكنولوجية التي حدثت في السنوات الأخيرة , و التي جعلت جميع المواطنين يستعملون الحواسيب و الهواتف الذكية المرتبطة بالانترنيت سواء في الأغراض الايجابية , أو في الأغراض السلبية كالمس بالحياة الخاصة للأفراد بحسن أو سوء نية .
بل و أحيانا يتم ذلك في إطار منظم عن طريق عصابات الكترونية أو ما يسمى بالذباب الالكتروني الذي يستهدف شخصية عامة أو خاصة من خلال تشويه صورته داخل المجتمع و الخوض في تفاصيل حياته الخاصة و الحميمية .
و لا يقتصر الأمر في ارتكاب هذا الفعل المجرم فقط على الأفراد العاديين , و لكنه يمارس بشكل كبير من طرف الصحافة لا سيما بعد ظهور العديد من المواقع الالكترونية التي أصبحت تدخل في إطار الصحافة الالكترونية التي نظمها قانون الصحافة الجديد و أصبح لها إطار قانوني يشرعن وجودها الواقعي , و للأسف فان عدد كبير من هذه المواقع الالكترونية تعتمد بشكل أساسي على التشهير و المس بالحياة الخاصة , و تجعله أساس عملها ” الصحافي”, و ذلك من اجل تحقيق ” البوز ” و زيادة عدد المتابعات التي تدر عليها موارد مالية إضافية.
وسنتحدث عن التشهير في علاقته بالمجال القانوني والأخلاقياتي , و لاسيما بعد أن أصبح هناك إطار قانوني ينظم هذه الظاهرة و يجرمها صراحة , و أيضا بعد أن انشأ المغرب آلية ضبط ذاتي متمثلة في المجلس الوطني للصحافة الذي كان ملزما منذ إنشاءه بضرورة إعداد مدونة أخلاقيات مهنية و ذلك في ظرف ستة أشهر من التأسيس . و بالفعل تم انجاز المطلوب و صدرت مدونة الأخلاقيات التي لاقت الكثير من الانتقادات من الناحية الشكلية و الموضوعية .
و حين نتحدث عن مدونة آداب المهنة أو مدونة الأخلاقيات فإننا لا نتحدث عن قانون ملزم ، و لكن مجرد مبادئ أخلاقية ليس له قوة الإلزام الذي للقاعدة القانونية التي تعتبر قواعد عامة و مجردة و ملزمة و تطبق تحت طائلة الإكراه من لدن السلطات العمومية ، بينما الضمير الداخلي للشخص هو الذي يتدخل في عملية ترسيخ المبادئ الأخلاقية للمهنة ، و لذلك هناك من ينطلق من مبدأ أن الأخلاق و الفضيلة لا تدون و إنما هي كامنة في النفس الداخلية للإنسان و تتحكم فيها مبادئه و تربيته و إيديولوجيته . و لان الأخلاقيات هي قواعد ليس لها قوة الإلزام القانوني ، فإنه من الضروري لكي تكتمل الصورة أن يتم تناول ظاهرة التشهير من الزاوية القانونية قبل الأخلاقية حتى نرى هل لدينا الإمكانيات اللازمة التشريعية القانونية و الأخلاقية الكفيلة بالقضاء على ظاهرة التشهير أو على الأقل التخفيف منها .
و لكن , قبل تناول الإطار التشريعي و الاخلاقياتي لظاهرة أو جريمة التشهير يمكن القول بداية أن هذه الظاهرة انتشرت بشكل غير مسبوق مستغلة نقصان الوعي القانوني و الأخلاقي لدى الكثير من الصحافيين و المؤسسات الإعلامية ، و أيضا للتطور التقني و التكنولوجي الذي أصبح من أهم مميزات المجتمعات الحديثة , و الذي ساهم في تداول و نقل الأخبار بسرعة مفرطة ، ناهيك عن التفرقة بين الصحافي المهني و المواطن العادي أصبحت صعبة بعد أن أصبح هذا الأخير يمكن أن يقوم بنقل الخبر و تحليله و التأثير بواسطته على الرأي العام عبر تدويناته أو تعليقاته على حائطه الالكتروني ، و هو ما جعل هذا المجال يعيش الكثير من الفوضى التي أصبحت تفرض وضع الأسس القانونية و الأخلاقية في مرحلة أولى , وأيضا محاولة التعامل بجدية مع موضوع التفعيل حتى يتم القضاء على هذه المظاهر السلبية أو على الأقل التخفيف منها .
* الإطار القانوني لجريمة التشهير :
عالج المشرع المغربي في منظومته الجنائية الحماية المقررة للحياة الخاصة و من بينها جرائم السب و القذف و ما إلى ذلك من جرائم ذات الاعتبار الشخصي ، و عالجها في القانون الجنائي الذي صدر سنة 1962 و عرف عدة تعديلات و تتميمات , و أيضا قانون الصحافة الذي صدر حينئذ في إطار ظهير الحريات العامة سنة 1958 ، لكن التشهير لم يكن معروفا حينئذ في المنظومة الجنائية المغربية إلى أن تم تأطيره بمقتضى مدونة الصحافة و أيضا بمقتضى قانون محاربة العنف ضد المرأة الذي تمم منظومة القانون الجنائي . لكن مع ذلك ينبغي القول أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان سواء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان او العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية و السياسية ذكرت كلمة التشهير و اعتبرتها من الأفعال المشينة التي يجب أن يبتعد عنها المواطنين بصفة عامة و الصحافيين بصفة خاصة ، و المعلوم أن الاتفاقيات الدولية بعد التوقيع و المصادقة عليها تصبح جزء من القانون الوطني ، بل و تطبق بالأولوية على القانون الداخلي ، و القضاء الوطني ملزم بتطبيقه . و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن ظاهرة و جريمة التشهير هي مؤطرة من الناحية القانونية منذ عقود ، رغم أن أهميتها و خطورتها زادت في هذا الوقت بالنظر للتطور الحاصل في تقنيات التواصل و الاتصال .
و قد خصص القانون رقم 13/103 المتعلق بالعنف ضد النساء الفصل 2. 447 عقوبة حبسية من سنة إلى واحدة إلى ثلاث سنوات و غرامة من 2000 إلى 20000 درهم كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية ، ببت أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته ، دون موافقته ، أو قام ببت أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم ، و أيضا في الفصل الثالث من مدونة الصحافة المتعلقة بالحياة الخاصة و الحق في الصورة أورد القانون عبارة التشهير في المادة 89 منه الذي اعتبر انه يعد تدخلا في الحياة الخاصة تعرض أي شخص يمكن التعرف عليه و ذلك عن طريق اختلاق ادعاءات أو إفشاء وقائع أو صور فوتوغرافية أو أفلام حميمية للأشخاص ، أو يتعلق بحياتهم الخاصة ما لم تكن لها علاقة بالحياة العامة أو تدبير الشأن العام ، و لكن شريطة عدم موافقة الشخص المعني . و عاقب بغرامة قد تصل إلى 50000 درهم و أحيانا إلى 100000 درهم . و بذلك فان المغرب أصبح له إطار قانوني واضح يجرم التشهير سواء في القانون الجنائي بالنسبة للعموم أو في قانون الصحافة بالنسبة للصحافيين و اشترط ثلاث شروط لكي يعاقب على ذلك و هي أن يكون نشر أقوال و أفعال أو صورة لشخص و أن يكون القصد هو المس بالحياة الخاصة ، و أن لا يكون الشخص موافقا على النشر ، و في حالة غياب شرط واحد من هذه الشروط فلا مجال للقول بوجود فعل التشهير الذي يعاقب مرتكبه . و لعل أهم شرط يثير بعض الأشكال في هذا المجال ارتباطا بعمل الصحافي هو شرط القصد بالمساس بالحياة الخاصة .
و قد اعتبرت مدونة الصحافة اثناء تنظيمها للحياة الخاصة ، أن التجريم مرتبط بما إذا كان التدخل وثيق بالحياة العامة أو له علاقة بتدبير الشأن العام ، و هنا نستطيع أن نؤكد أن القانون بالفعل نجح في إقامة تفرقة واضحة بين الحياة العامة و الحياة الخاصة و اعتبر أن الحياة الثانية هي الوحيدة التي تعتبر شرطا من شروط التجريم ، و هو مفهوم متقدم لحماية الحقوق و الحريات الأساسية للصحافيين وفق ما جاءت به المواثيق الدولية و أيضا القضاء الدولي ، و لاسيما أحكام قرارات المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان التي كانت تعتبر ان الأشخاص العامة تتولى تدبير الشأن العام لا تستفيد من الحماية الخاصة بالأشخاص العاديين ، و بالتالي يبقى المجال مفتوحا للصحافة من اجل الدخول بشكل معمق لتفاصيل الحياة الخاصة للشخصيات العامة من دون أن يطالها أي تجريم .
و هذا التوجه الجديد لقانون الصحافة المغربي ، ربما يقطع مع ممارسات غير صحيحة للقضاء المغربي الذي كان يتعامل بنقيض هذا المبدأ ، و كان يعاقب الصحافيين بعقوبات حبسية و مالية مشددة لمسهم بالحياة الخاصة للشخصيات العامة ، و لو أن لها علاقة بمسؤوليتهم العامة و بتدبيرهم للشأن العام الذي من حق الصحافي تناوله ، و من حق الرأي العام الاطلاع عليه.
وإذا كان ما سبق يتعلق بالإطار القانوني الذي يوضح جريمة التشهير في القانون المغربي ، فإنه يمكن القول على انه هناك دور كبير يجب ان يلعبه الجانب المؤسساتي لاسيما الأمني و القضائي في الحد من هذه الظاهرة أو على الأقل التخفيف منها ، على ان هذا التدخل يجب أن يتم بفعالية و يراعي الضمانات الحقوقية و القانونية لفائدة الصحافيين ، و أن يبتعد عن الانتقائية في التعامل مع ملفات الصحفيين , لأن القانون في نهاية المطاف هو عبارة عن قواعد عامة ومجردة و ملزمة و تطبق على الجميع بنوع من المساواة في الحقوق و الواجبات .
و لكن مع ذلك , فإنه مادام الأمر يتعلق بالحقوق الخاصة للأفراد ، فإنه ينبغي عدم السماح بالعبث و الإخلال تحت ذريعة حماية حرية الصحافة ، و لذلك فالتدخل المؤسساتي يجب أن يكون قويا و فعالا في مواجهة الاخلالات المهنية الواضحة و الفاضحة التي قد تكون سببا في تدمير الحياة الخاصة للعديد من الأشخاص و عائلاتهم، و لذلك يمكن التساؤل حول مدى إمكانية تمديد الغطاء التجريمي إلى كل من يتفاعل ايجابيا مع التشهير لاسيما الالكتروني بالنقر أو المشاركة، مثله في ذلك مثل جرائم امن الدولة و الجرائم الإرهابية التي تمت متابعة الكثير ممن قاموا بالنقر الايجابي على منشور أو خبر أو صورة أو شريط ذو مضامين إرهابية ، باعتبارهم ارتكبوا جريمة الإشادة بالجريمة الإرهابية . و لكن صراحة فانه بالنسبة للحياة الخاصة و ما ينتابها من حملات التشهير في بعض الأحيان ، فان التعامل بهذه الصرامة و التوسع فيه الكثير من التجني على حرية الرأي و التعبير بالنسبة لعامة الناس , و حرية الصحافة بالنسبة للصحافيين . ثم لعدم وجود جريمة تسمى بالإشادة بجريمة التشهير ، لا سيما أن المجال التجريمي ينبني على مبدأ الشرعية الذي يعني انه لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص , ما يفرضه هذا المبدأ من منه للقياس و التوسع في التفسير .
و في علاقة دائمة بالإطار القانوني ، يمكن القول أن قانون الصحافة منح آليات قانونية للأشخاص المتضررين سواء كانوا شخصيات عامة أو خاصة ، و أن يقوموا برد الاعتبار لأنفسهم من خلال تقنية الرد و التصحيح قصد توضيح الأمور المتعلقة بالخبر أو الصورة أو الفيديو الذي مس بحياتهم الخاصة ، و جعل سمعتهم تتضرر جراء ذلك ، و هذه من بين الحلول القانونية التي يمكن اللجوء إليها لجعل الصحافة أكثر دقة و موضوعية و نزاهة و مهنية ، و يتم القضاء على ثقافة التزييف و الإشاعات التي تؤثر على الأفراد و على الأمن الاجتماعي داخل المجتمع.
* الإطار الاخلاقياتي للتشهير :
تعرف مهنة الصحافة بكونها مهنة نبيلة و نبلها و سموها ينبع من الأدوار التي تقوم بها داخل المجتمع لاسيما من خلال ممارسة رقابة صارمة على الشأن من اجل محاربة جميع مظاهر انعدام الشفافية من طرف الأشخاص و المؤسسات المكلفة بتدبير الشأن العام ، و ذلك في إطار المسؤولية الاجتماعية للصحافة و الإعلام التي تجعلها ملزمة أمام المواطن بنقل الخبر و تحليله بنوع من الشفافية والموضوعية والنزاهة و الدقة ، و كل ذلك في أفق تحقيق و ترسيخ دور الإعلام في التنمية المستدامة و ترسيخ الديمقراطية الحقة .
و من أجل أن تقوم الصحافة بهذا الدور السامي لا بد لها من أن تنضبط لعدة مبادئ أخلاقية تؤطرها من اجل تحرير ممارستها و ضبطها والدفاع عنها عند الاقتضاء ضد كل من تسول له نفسه الانتقاص من امتياز الحرية الذي تتمتع به . و رغم أن هذه المبادئ الأخلاقية المكونة من حقوق وواجبات توازن بين الحرية و المسؤولية ، فان الأنظمة القانونية و المؤسساتية العالمية اختلفت في موضوع تدوين هذه الأخلاقيات في إطار مدونة آداب مهنة أو ميثاق أخلاقيات بين اتجاه انجلوساكسوني يرفض التقنين و يعتبر أن الفضيلة لا تقنن ، لان الأمر له ارتباط وثيق بالجانب الأخلاقي للصحافي ، و أن الأمر لا يحتاج إلى تقنيين أو مدونة إذا لم يكن الشخص له هذا الحس الذاتي . و بين اتجاه أخر لا يتبنى هذا الطرح بزعامة فرنسا التي تعتبر التقنين ووضع ميثاق أخلاقيات مسألة مهمة و أساسية من شأنها أن تكون أداة انضباط ذاتي ووسيلة للتحسيس بالمسؤوليات الملقاة على عاتق الصحفيين و أداة مرجعية من شأنها أن تضفي على الممارسة المهنية المزيد من التماسك ، إضافة إلى أنها قد تكون وسيلة داعمة ووسيلة للنهوض الاجتماعي ووسيلة لضمان الصالح العام .
و يمكن التأكيد للأمانة أن النظام الانجلوساكسوني هو الأكثر فعالية و يؤكد ذلك المستوى المرموق للممارسة الصحفية و الإعلامية التي تتميز بالقوة و الدقة و الموضوعية ، و ذلك بشكل اكبر من دول التقنيين التي رغم وجود مدونات تبقى تعاني في هذا الجانب الاخلاقياتي ، و تعرف الممارسة المهنية لديها الكثير من مظاهر الخرق لهذه الأخلاقيات – و المغرب طبعا المعروف باصطفافه دائما مع الاتجاه اللاتيني و تأثره بالمدرسة الفرنسية ، حاول اللجوء إلى التقنيين في أكثر من مناسبة عن طريق هيئاته المهنية ، لاسيما عن طريق النقابة الوطنية للصحافة سنة 1993 لجنة آداب المهنة و اعتمدت ميثاق شرف ، ثم في سنة 2000 تم إنشاء هيئة وطنية مستقلة لأخلاقيات المهنة و حرية التعبير و تم إنشاء أيضا تنسيقية لمساندتها ، و توقفت هذه الإصلاحات لان الجميع كان على وعي بضرورة إصلاح مجال الصحافة في إطار كلي و شمولي ، و أيضا بإلزامية وجود مجلس وطني للصحافة ، و هو ما تحقق بعد صدور مدونة الصحافة سنة 2016 التي أنشأت هذا المجلس و كلفته ببلورة ميثاق أخلاقيات ، وفق مقتضيات المادة 28 من قانون المجلس الوطني للصحافة.
و بالفعل اصدر المجلس الوطني للصحافة بشكل مستعجل ميثاق أخلاقيات الصحافة لأنه كان ملزم بذلك قانونا وفي ظرف ستة أشهر ، و قد تعرض هذا الميثاق للكثير من الانتقادات على المستوى الشكلي و الموضوعي ، لكن على الرغم من ذلك فانه إذا أردنا أن نكون موضوعيين ، فان هذا الميثاق الذي اختار المجلس أن يكون اقرب إلى إعلان ميونيخ من حيث تفصيل الحقوق و الواجبات الأخلاقية ، و ابتعد عن ميثاق الفيدرالية الدولية للصحفيين الذي تميز بالاقتضاب والاختصار , يتضمن عدد كبير من الايجابيات التي ينبغي عدم إنكارها .
ويمكن القول أن هذا الميثاق أثار التشهير و جوانب منه لاسيما حول احترام الحياة الخاصة والحق في الصورة و المس بالشرف و الكرامة ، و ادخل التزامات الصحفي في هذا المجال في إطار المسؤولية إزاء المجتمع ، أو ما يعرف بالمسؤولية الاجتماعية للصحافي التي تقتضي بخصوص الحياة الخاصة ضرورة احترامها و توقير الجانب الحميمي للأفراد الذي يجب الامتناع عن اقتحامه ، و نفس الشيء بالنسبة للحق في الصورة ذلك أن لكل شخص الحق في تملك صورته و طرق استعمالها من طرف الغير ، كما اعتبر الميثاق انه يمنع نشر الاتهامات الكاذبة أو السب أو القذف ، كما لا يقبل ممارسة التشهير و التعامل و نشر الإشاعات أو كل ما يسيء لشرف الأشخاص أو سمعتهم أو كرامتهم الإنسانية .
و قد ذهب الميثاق في نفس الاتجاه الذي ذهب إليه المشرع ، و أقام تفرقة موفقة ولو أنها ليست واضحة تماما , ما بين الحياة العامة و الحياة الخاصة ، و يقصد الميثاق بالشخصيات العامة التي تكون لحياتها الخاصة أو صورتها علاقة وطيدة بتدبيرها للشأن العام . و لكن بحسب التدقيق في أن الميثاق رخص ببعض التجاوز فقط بالنسبة للحياة الخاصة و الحق في الصورة ، بينما منعه منعا كليا بالنسبة للسب و القذف و نشر الاتهامات الكاذبة و التشهير و التحايل و نشر الاشاعات ، و هذا الأمر خطير جدا ، لان الألفاظ المستعملة قد يعتبرها البعض سب و قذف و تشهير ، و قد يعتبرها البعض الأخر شيء عادي ، لاسيما بالنسبة لشخصية عمومية ، و هذا الاتساع قد تكون له آثار سيئة على حرية الصحافة و على الجرأة في نقل الخبر و تحليله التي يجب ان تكون لدى الصحافي.
و إذا كان تناول الميثاق لهذه الأفعال الماسة بالحياة بالحياة الخاصة للأفراد على هذا الشكل المذكور أعلاه ، فانه يمكن التساؤل حول فائدة إعادة ذكر هذه الأفعال في الميثاق بعد ما سبق أن صنفها ضمن قانون الصحافة ، ألا يعبر ذلك عن ازدواجية تشريعية أو عن إسهال تشريعي لا طائل منه ؟ في حقيقة الأمر أن ذكر هذه الواجبات الصحفية في الميثاق كان من باب التأكيد على المسؤولية الجسيمة التي يتحملها الصحافي، و أيضا فإن التذكير بهذه الأخلاقيات هو وقاية إضافية للصحافيين من تضييق المقتضيات القانونية التي تعتبر قواعد ملزمة و لا يعذر احد بجهلها ، بينما ترسيخها و تأكيدها من طرف الميثاق يجعل منها تذكير أخلاقي ، و حاجز احتياطي من اجل عدم الإخلال بالواجبات المنظمة في الميثاق ، و التي في حالة اقترافها لا تخضع فقط للعقوبات التأديبية التي سيوقعها المجلس الوطني للصحافة ، و لكن أيضا للمتابعات الزجرية التي سيسطرها القضاء و التي قد تكون و خيمة على الصحافي و على المؤسسة الصحفية .
لكن الإشكال في التخليق أو الضبط الذاتي بصفة عامة ليس التشريع أو التقنيين ، لان قد يكون هناك إطار قانوني أو أخلاقي متطور ، و لكن ما الفائدة منه إذا لم يتم تطبيقه و تفعيله على الوجه الأكمل . و هنا ، يحسن القول أن قانون المجلس الوطني للصحافة منح سلطات واسعة للمجلس من اجل توقيع مجموعة من العقوبات التأديبية على الصحافي و على المؤسسة الصحافية في حالة خرقهم للقانون او لميثاق الأخلاقيات ، و ذلك وفق مسطرة خاصة تتم تحت إشراف القضاء ممثلا في القضاء الإداري . و هذه الرقابة القضائية تبقى شيء ايجابي ، لان قضاء الزملاء قد تتحكم فيه حسابات ضيقة شخصية أو انتخابية ، و لذلك فإن تمكين المتضرر سواء كان صحافيا او مؤسسة صحفية من الطعن أمام القضاء الإداري في القرار التأديبي الصادر عن المجلس الوطني للصحافة , هو ضمانة كبرى لعدم التعسف في إصدار المقررات التأديبية بين الزملاء. و هذا الأمر حقيقة ليس خاصا بالصحفيين و لكن حتى المحامين و الأطباء لهم مدونة أخلاق أو أنظمة داخلية عبارة عن تقنين لأعراف و تقاليد هذه المهن النبيلة ، و تكون المجالس هي المختصة بالعقوبات التأديبية تحت الرقابة القضائية التي يمكن ان تبث في الطعون ضد هذه المقررات التأديبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.