على مر التاريخ لم تكن الأوبئة حكرا على زمن أو جغرافيا محددة، وإنما تصاحب البشر في مختلف العصور والأزمنة، وفي ظل هذا الجو الذي يخيم فيه وباء كورونا على العالم ومعه المغرب، ارتأينا السفر عبر الذاكرة والوقوف على جوائح وأوبئة واجهت أسلافنا وخلفت خرابا ونزيفا بشريا ترك ندوبا عميقة في الذاكرة المغربية، يعكسها الخوف والتوجس وقسوة الموت الذي أعقب سنوات الطاعون والكوليرا، والجذام والجذري والتيفويد والقحط والجراد. وتحتضن الخزانة المغربية متونا عديدة ومتنوعة، صاغها إخباريون ومؤرخون قدامى ودراسات باحثين معاصرين إضافة إلى أبحاث أوروبيين عايشوا محطات مؤلمة ومأساوية من تاريخ المغرب، سنحاول الترشد بها لنطل عليكم في هذه النافذة الرمضانية التي سترصد الجوائح التي ضربت المملكة واكتوى بها المغاربة. التيفويد الحمى القاتلة التي ظهرت بمراكش سنة 1878 بعد مواجهة المغاربة للطاعون في نهاية القرن 18 وبداية ال19 والكوليرا، أو ما عرف لدى المغاربة ببوكليب في القرن التاسع عشر خصوصا في سنوات 1834، 1854، و1855، و1859، و1860، بشجاعة وحزم، اجتاح المغرب وباء جديد نهاية سنة 1878 هو “التيفوئيد” الذي خلف آلاف الضحايا. حسب ما أورده الباحث حسن إدريسي في مقال له “تاريخ الأوبئة في المغرب عبر ودروس”. وظهر الوباء، بمراكش مخلفا بها ما بين 200 إلى 300 ضحية في اليوم الواحد، ليكتسح بعد ذلك باقي المناطق حيث وصل إلى مدينة فاس في فبراير 1879، مخلفا بها مئات القتلى، يبرز الباحث نقلا عن محمد البزاز في كتابه “الأوبئة والمجاعات في المغرب في القرنين 18 و19”. وتعرف منظمة الصحة العالمية حمى التيفويد على أنها عدوى تهدد الحياة، تسببها بكتيريا “السالمونيلا التيفية”، وتنتشر عادةً عن طريق الأغذية أو المياه الملوثة، وتشمل أعراضها الإصابة بالحمى لفترة طويلة والتعب والصداع والغثيان وآلام البطن والإمساك أو الإسهال، وقد يصاب بعض المرضى أيضاً بالطفح الجلدي. وقد تؤدي حالات حمى التيفويد الوخيمة إلى حدوث مضاعفات خطيرة، ومن ثم إلى الوفاة. وأشار الباحث إلى أن ما عرفه المغرب من ضنك العيش في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ خصوصا مع شدة الجفاف وغزو الجراد، أدى إلى تفاقم هذه الأوبئة وتسريع رقعة انتشارها، وتشير معظم المراجع إلى أنه وبالرغم من أن هذا الوباء قد نال من العديد من المغاربة إلا أن التصدي له بحزم وتضامن أدى إل القضاء علية.