عديدة هي الشخصيات التي بصمت على مسار متميز في حياتها المهنية والخاصة، ونجحت في تقديم أعمال رائدة أو تحقيق إنجازات مهمة، نقلتها إلى عالم الشهرة وأدخلتها في قلوب الناس جيلا بعد جيل. عبر هذه السلسلة الرمضانية، “شخصيات صنعت التاريخ” سيغوص “برلمان.كوم” بقرائه في عوالم شخصيات تركت أثرها في تاريخ البشرية والتي سنستهلها بشخصية “بوبي فيشر” عبقري الشطرنج الأمريكي الذي سحق الماكينات السوفياتية ونال حب العالم. أنا لا أقبل بالحلول الوسطى، أنا لا أقبل بالتعادلات” بهذه الكلمات بدأ تعلق بوبي فيشر بلعبة الشطرنج وهو يحدق في كتبها التي يتصفحها بعناية ولا يكل من التحديق فيها، ولد بوبي عام 1943 بولاية إيلينوى في الولاياتالمتحدةالأمريكية، من أم يهودية تشتغل طبيبة، وتملك قدراً من الذكاء و تتحدث 7 لغات. انطلاقة فيشر في بطولات الشطرنج في الثامنة من عمره قرر بوبي أن يصبح بطل العالم في الشطرنج، وكان يقضى وقته في قراءة كتب الشطرنج، ويعلّم نفسه أساليب أكثر، ويسجل في رأسه معلومات وخطط تساعده في المباريات حتى لا تقضي عليه دقائق المباراة، دائماً ما يعتريه شعور النقص في المعلومات والخطط لذلك كان لا يكل من تعليم نفسه، و في التاسعة من عمره لعب بوبي أول مسابقة وفي الحادية عشر كان معروفاً في كل أندية نيويورك للشطرنج وفي الرابعة عشر من عمره أصبح أفضل لاعب في الولاياتالمتحدة بدون منازع و بطل بطولة الولاياتالمتحدة بوبي .. الوحدة والعبقرية والبارانويا والإسكيزوفرانيا كان بوبي لا يهتم بأي شيء غيررقعة الشطرنج، وكان يتوفر على معدل ذكاء عال جدا من مستوى ذكاء العباقرة، ولكنه لم يستغل ذكاءه في المدرسة التي هجرها. اكتشف بوبي أنّ الأشخاص يستخدمون ثرواتهم للتحكم في الآخرين وهذا المعطى طوّر طبيعياً حالة من البارانويا والإسكيزوفرينيا لديه؛ حيث أصبح مصاب بمرض نفسي بسبب نشأته المنعزلة وقلة أصدقائه. طور بوبي نفسه في مرحلة المراهقة إلى الأفضل وأصبح يستخدم أساليب تكتيكية معقدة للإيقاع بالخصم، فقد كان يمرن نفسه جسدياً، وعقلياً، ونفسياً على الفوز، حيث قالوا عنه أنه يسيطر على منافسيه نفسياً ويمتلك قوة مظلمة يتحكم بها في خصومه. الثراء والغرور وفوبيا السوفيات في الفترة ما بين 1957-1967 كان بوبي قد ربح 8 بطولات للولايات المتحدة، ومع كل هذا النجاح أصبح فيشر أكثر غروراً، وأصبح يفرض إجراءات أكثر حدة وغير منطقية؛ لكي يفرض سيطرته على البطولة كأن تكون الرقعة والقطع ناعمة، و أن يبعد الجمهور مسافة معينة، و أن يضاعف المال، وكان يرفض أن يلعب أي مباراة إن لم تحقق شروطه كاملة. عام 1972 كان عليه أن يلعب سلسلة من المباريات لكي يصعد للبطولة، وكان أول منافس “تايمنوف” من الاتحاد السوفيتي و حطمة بنتيجة 6-0 حيث لم يصدق السوفيات أعينهم، المباراة الثانية كانت مع “لارسون” واحد من أفضل لاعبي العالم سحقه هو الأخر بنتيجة 6-0، بعد هذه السلسلة من الانتصارات انتقل بوبي فيشر للعب مع “بوريس سباسكي “وهو لاعب صُنع في المدرسة السوفياتية، وكان الأفضل في العالم وحامل اللقب. كان فيشر دائم القول: “بأن السوفيات يتآمرون عليه وقبل ذلك اتهمهم أنّهم يتعادلون عن عمد لكي يوفروا طاقاتهم له ولكي يحسمُ النتائج لصالحهم”. تمرد آيسلندا…الانسحاب ثم الفوز كانت آيسلندا ستسضيف النهائي بين بوبي وسباسكي بعرضها مبلغ 125 ألف دولار لكن بوبي لم يوقع العقد اشترط المزيد من المال،و اللعب في غرفة صغيرة مخصصة “لكرة الطاولة”بكاميرا واحدة فقط لا تصدر صوت، لكن الإسلديين رفضوا طلبه. إنسحاب فيشر ورفض شروطه إعتبره السوفيات نصرا كبيرا، لكن سباسكي لم يرض بذلك وأراد أن يفوز بطريقة مشروعة وليس كالجبناء، ووافق سباسكي على اللعب مع فيتشر في الغرفة الصغيرة. عاد فيشر الى بيته في نيويورك وكان مداوما على الجلوس في غرفته ويشعر بأن السوفيات يتربصون به لكي يقتلوه ، وماهي إلا أيام ظهر رجل أعمال بريطاني ثري ودفع المال لكي يرى فيتشر يلعب، وسافر فيتشر مرة أخرى إلى آيسلندا، وعندما وصل إلى هناك بدأ في الشكوى من كل شيء وأراد أن يغير كل شيء في القاعة، الشروط تحققت وبالفعل بدأت المباراة وكان يحس بصوت الكاميرات و أوقف المباراة لكي يشتكي للحكم لأنّها تؤذي تركيزه وتمنعه من التفكير. انتقلت العدوى إلى سباسكي وأصبح يشك في كل من حوله ويشك أن هناك بعض الناس يريدون أن يقتلوه وغير ذلك، وهناك البعض يقول أن فيشر أثر على سباسكي وأصبح الاثنان مرضى نفسيين، خسر سباسكي المباراة وفاز بوبي بالبطولة وانتزع اللقب، بنتيجة 12 مقابل 8 لسباسكي، وعاد إلى أمريكا و تم تكريمه في بلاده. الثراء و أول إعتزال أصبح بوبي فيشرمليونيراً واختفى لمدة كبيرة متجاهلاً كل العروض المغرية للعب مجدداً وأصبح يعيش وحيداً في عالم الشطرنج، وقد تسببت الوحدة بالزيادة في المرض النفسي الذي يعاني منه وقد أصبحت الحياة تزداد غموضاً أكثر مع فيتشر، عندما قطع كل علاقاته مع أصدقائه اليهود وقد زادت حدة كرهه لليهود منذ الصغرعندما وضعوه في قائمة اليهود الأكثر شهرة لكنه كان يرفض فكرة أصوله اليهودية. سنة بعد أخرى كان فيشر يرفض العروض للعودة إلى اللعب، حتى أتت الفتاة التي غيرت حياته، الفتاة المجرية ذات ال 16 عاما و التي كتبت خطابا تحث فيه بوبي على اللعب مجدداً كان من مضمون الخطاب “لماذا لا تلعب مجدداً، أنت أفضل لاعب في التاريخ، أنت موزارت الشطرنج، أنت آينشتاين الشطرنج” لقد حرك هذا الخطاب مشاعر بوبي تجاه الحياة مرة أخرى وكان أمله الوحيد للنجاة من المرض النفسي، وبعد هذا الخطاب بقليل قدمت شركة يوغسلافية عرض بقيمة 5 مليون دولار لكي يتراجع عن الاعتزال، وقد أقنعه ذلك العرض بعد التأثير الذى شعر به بعد الخطاب. العودة الأخيرة للرقعة وعداء اليهود فى شتنبر 1992 لعب بوبي مباراة مع سباسكي مرة أخرى في يوغسلافيا منذ عشرين عام على آخر مباراة لهم، في هذا الوقت كانت يوغسلافيا تحت الحظر المفروض من الولاياتالمتحدةالأمريكية، كان حظر التعامل معها اقتصادياً أو بأي شكل من الأشكال، أرسلت وزارة الخزانة الأمريكية تحذيراً لفيشر على هيئة خطاب كان مضمونه إذا قبلت لعب المباراة سوف تتحمل غرامة 250.000 دولار، وعشر سنوات في السجن، ولكن كان رد بوبي مخالف وقرر لعب المباراة وهزم سباسكي مرة أخرى، وفاز بجائزة قيمتها 3مليون دولار وهرب بها ولم يرجع إلى أمريكا مرة أخرى، وبدأت رحلة تجوله حول العالم وخاصة أوروبا. توجه بوبي نحو المجر بعد المباراة ليذهب لصديقته “زيتا رجساني” ولكنها هجرته وذهبت مع رجل آخر وهذا كان مؤلم كثيراً بالنسبة له، في ال 12 سنة القادمة تجول بوبي في أوروبا وأسيا وقد فوت جنازة أمه رجينا عام 1997 وكانت بمثابة ضربة مؤلمة له لكونه كان هارباً، زادت حدة مرض بوبي النفسي وأصبح معادياً أكثر للولايات المتحدة واليهود. نهاية أسطورة فيشر قبض على فيشرفي اليابان بسبب صلاحية جواز سفره؛ بعدما ألغت أمريكا جواز السفر الخاص به، واحتجز في اليابان لمدة 9 أشهر حتى أنقذته آيسلندا التي منحته الجنسية، وبعد أيام أرسل خطاب لرئيس وزراء أمريكا أخبره بأن يكون لطيف مع أخته وأن لا يؤذيها. في ال17 من يناير 2008، فارق فيشر الحياة بسبب الفشل الكلوي في المستشفى المحلي لمدينة “ريكيافيك” بانسداد المجاري البولية بعد رفضه العلاج واجراء العملية الجراحية، وحسب صديقه فإنّ كلماته الأخيرة كانت “لا شيء يشفي مثل اللمسة الإنسانية”، دفن فيشر في كنيسة تقع 60 كم جنوب ريكيافيك، وحسب وصية فيشر لم يحضر الجنازة إلا زوجته اليابانية “ميوكو واتاي” وصديقه “جارور” مع عائلته.