أعادت قضية الجاسوس الروسي «سيرغي سكريبال» سؤال «العلاقة بين الرياضة والسياسة» إلى الواجهة، وأبانت على أنهما لا يفترقان ويسيران على خط واحد حسب مصالح الدول وصراعاتها، مع أن غالبية قوانين الرياضة العالمية تحتم عدم تدخل الساسة والحكومات في الشأن الرياضي والتأثير على قراراته، ليبق لها عالمها الخاص والنزيه وفق المبادئ السامية التي تنص عليها القوانين الرياضية والمواثيق الأولمبية. لكن مجريات الأحداث وما وقع من خلال العديد من المنافسات الرياضية منذ زمن بعيد إلى وقتنا الحالي، يوضح بجلاء، أن السياسة هي الدافع الرئيسي للرياضة عامة ولكرة القدم خاصة، ويتبين ذلك من خلال عمليات الترشح لاستضافة التظاهرات الكبرى، كالترشح لاستضافة بطولة كأس العالم والألعاب الأولمبية مع الحشد السياسي لها من طرف الحكومات، واعتماد العديد من الدول على الرياضة كبعد أساسي في توجهاتها الخارجية لتعزيز مكانتها من خلال رعايتها للمنافسات والفعاليات الرياضة العالمية. وتأتي اليوم قضية الجاسوس الروسي لتعيد نفس السؤال، بعد أن أثارت غضب الإنجليز، الذين هددوا بإمكانية مقاطعة كأس العالم بروسيا الصيف المقبل. وكانت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، قالت إن «من المرجح للغاية» أن تكون موسكو مسؤولة عن الهجوم، واقترح بعض المسؤولين البريطانيين مقاطعة كأس العالم التي تستضيفها روسيا هذا العام ردا على ذلك». واعتبرت رئيسة الوزراء البريطانية، أن تسميم العميل الروسي السابق بمثابة «عمل عسكري على الأراضي البريطانية». وقالت إن الجاسوس الروسي السابق، سيرغي سكريبال، الكولونيل السابق في المخابرات الروسية، تعرض لتسميم بنوع من غاز الأعصاب تنتجه روسيا. وأشارت ماي، في كلمة لها أمام البرلمان البريطاني، إلى وجود احتمال كبير في تورط موسكو في عملية تسميم الجاسوس. وبدوره قال «جونسون» الوزير بحكومة ماي أمام النواب: أؤكد أنه في حال ظهرت أدلة تشير إلى مسؤولية دولة فإن حكومة جلالتها سترد بشكل مناسب وحازم. ووصف روسيا بأنها «قوة ضارة ومزعزعة للاستقرار في جوانب كثيرة». ورأى جونسون أن هذه القضية تذكر بتسمم العميل الروسي السابق ألكسندر ليتفيننكو بمادة البولونيوم المشعة في لندن في 2006، وحمّل تحقيق بريطاني موسكو مسؤولية هذا التسميم. روسيا تدخل على الخط ذكرت وكالة إنترفاكس للأنباء نقلاً عن وزارة الخارجية الروسية، أن تهديد بريطانيا بمقاطعة كأس العالم لكرة القدم 2018 بسبب تسميم جاسوس روسي سابق في إنجلترا سيلحق الضرر بالعلاقات مع موسكو وسيؤثر على الرياضة العالمية. ونقلت إنترفاكس عن الوزارة قولها في بيان «نريد التأكيد مجددا: مثل هذه البيانات الاستفزازية التي تغذي المشاعر المناهضة لروسيا لا تؤدي إلا إلى تعقيد العلاقات بين دولتينا وهي ضربة للرياضة العالمية». من جانبها رفضت موسكو تصريحات ماي، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء، «هذه مهزلة في البرلمان البريطاني»، مضيفة أن تصريح ماي هو جزء من «معلومات وحملة سياسية تقوم على الاستفزاز». ورفض وزير الخارجية الروسي، سيرغي_لافروف، الاتهامات التي وجهت إلى موسكو، وقال إنها بغرض «الدعاية». وأوضح لافروف «إنهم يوجهون اتهامات لنا عن كل حدث يصيب هذا الكوكب، هذه دعاية صريحة وواضحة والهدف منها تصعيد التوتر». ونفت روسيا أي ضلوع في الحادث، ووجهت توبيخاً إلى الوزير «جونسون» بسبب تصريحاته التي وصفتها بأنها فَجَّة، وقالت إنه يتم عمداً إثارة حالة من المشاعر المناهضة لروسيا بغية تدمير العلاقات مع لندن. وصرّحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في مؤتمر صحافي: هذه القصة تستخدم منذ البداية لتكثيف الحملة ضد روسيا في وسائل الإعلام. وأضافت: هذه القصة ستنتهي كالعادة.. أولاً توجه اتهامات من دون أساس، ثم يبقون الأمور سرية ولن يعرف الصحافيون ولا الشعب ولا السياسيون ما الذي حصل فعلاً. إمكانية انسحاب إنكلترا من بطولة كأس العالم 2018 أكدت تقارير بريطانية عديدة إلى إمكانية انسحاب إنكلترا من بطولة كأس العالم 2018 في حال ثبت ضلوع موسكو في عملية التخطيط لاغتيال الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال صاحب وابنته يوليا في مدينة سالزبري جنوب إنكلترا بحسب ما كشفت صحيفة «تلغراف»، كما أكدت الأخيرة أن هذا القرار لن يؤثر على الكرة الإنكليزية في مونديال 2018 فقط بل ستكون له تبعاتٌ مستقبلية سلبية. وكشفت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أن انسحاب منتخب الأسود الثلاثة من المونديال قد يلقى دعماً من بعض الدول الحليفة التي قد تتخذ الخطوة نفسها. وفي حالة ما انسحبت انجلترا من المشاركة في مونديال روسيا، فإنها لن تشارك في إقصائيات كأس العالم قطر 2022، وذلك لأن لوائح الاتحاد الدولي للعبة « تنص على الالتزام الكامل بجدول المباريات المحدد لها كاملاً. وسيتوجّب على إنكلترا في هذه الحالة دفع غرامة لا تقل عن 190 ألف جنيه إسترليني، شرط أن يحدث ذلك قبل 30 يوماً من انطلاق البطولة، وإلا سيتضاعف المبلغ مباشرة. ورفض فيفا التعليق على أزمة دبلوماسية محتملة بين البلدين وانعكاساتها على مشاركة إنكلترا في كأس العالم. تفاصيل تسميم الجاسوس الروسي وابنته أصبح المحققون البريطانيون يعرفون الكثير عن المادة السامة التي استعملت لتصفية الجاسوس الروسي وابنته بعد التحاليل التي أجريت عليهما بعد ان عثر عليهما فاقدي الوعي خارج مركز تجاري في مدينة سالزبري.. وقال رئيس شرطة مكافحة الإرهاب إن جهازه يتعامل مع المرض الخطير بأنه محاولة قتل بغاز أعصاب. وقال مارك راولي: باختصار، يجري التعامل مع ذلك على أنه حادث كبير يشمل محاولة قتل بغاز الأعصاب. لكنه رفض تقديم تفاصيل بشأن المادة المستخدمة. وفي أعقاب اجتماع لجنة «كوبرا» الوزارية البريطانية التي تنعقد في حالات الطوارئ الوطنية، دعت وزيرة الداخلية «آمبر رود» إلى الحفاظ على الهدوء. وقالت: «لنعرف المزيد عن المادة المستخدمة». ويسعى معمل أبحاث عسكري بريطاني لتحديد المادة التي تسببت في تدهور صحة سكريبال وابنته. وأشارت «بي بي سي» إلى أن الشرطة طلبت من الخبراء في المختبر العسكري في «بورتون داون» قرب مدينة سالزبري، تحديد طبيعة المادة التي استخدمت لتسميمهما. واستبعد بروفسور الفيزياء الطبية في مستشفى «رويال بركشير» مالكوم سبيرين أن يكونا أُصِيبا بإشعاعات. وقال: بعض العوارض المشار إليها تجعلنا نفكر بمادة كيميائية، رغم أنه لا يمكن تأكيد ذلك. وقال مصدر أمني أميركي، إن الخط الأساسي لتحقيق الشرطة هو أن الروس ربما استخدموا تلك المادة ضد سكريبال انتقاماً منه على خيانته. من هو العميل الروسي؟ اتُهم سكريبال وهو عميل سابق في الاستخبارات العسكرية الروسية، بالخيانة العظمى لبيعه معلومات إلى الاستخبارات البريطانية، وفضح أمر عشرات من العملاء الروس للمخابرات البريطانية بدءا من عام 1995 قبل أن تلقي السلطات الروسية القبض عليه في 2004. وحكم عليه بالسجن 13 عاماً عام 2006. وفي 2010، كان من بين المساجين الذين تم تبادلهم بين موسكو من جهة ولندن وواشنطن من جهة أخرى، ، مقابل إطلاق 10 مواطنين روس، ومن بينهم الجاسوسة الروسية آنا شابمان، ليقيم بعدها في إنجلترا. وبحسب «سكاي نيوز»، فقد سبق لسيرغي البالغ من العمر 66 عاماً أن خدم في الاستخبارات العسكرية الروسية برتبة «كولونيل» حتى عام 1999. وعمل سيرغي بعد ذلك في وزارة الخارجية الروسية حتى سنة 2003، حيث اعتقل بعد عام، واعترف بتجنيده من قبل الاستخبارات البريطانية منذ عام 1995. وأدلى سيرغي اعترافات أشار فيها إلى إيصاله معلومات مهمة للاستخبارات البريطانية تتعلق بالعملاء الروس في أوروبا، وذلك مقابل مبلغ مالي بلغ 100 ألف دولار أميركي. وخلال محاكمته، نقلت وسائل الإعلام الروسية عن مسؤولين أمنيين روس بأن الضرر الذي ألحقه سيرغي بأمن الدولة لا يقلّ خطورةً عن ذلك الذي تسبب به الكولونيل أوليغ بنكوفسكي، الذي تجسّس لصالح الولاياتالمتحدةوبريطانيا وأعدم عام 1963. محطات تاريخية شائكة بين الرياضة والسياسة شكل أول أولمبياد سنة 776 قبل الميلاد بداية للعلاقة الوثيقة بين الرياضة والسياسة، حين أراد الإمبراطور الروماني «ثيودوسوس» إثبات قوته أمام خصومه بعد رفضه مشاركة رياضيين أقوياء في رياضات لا يسمح فيها لذوي البنيات العادية بالمشاركة ليقين عدم فوزهم من جهة، ولضمان التفوق الروماني علة باقي خصومه من جهة أخرى. واستمر الأمر حتى في الألعاب الأولمبية في اليونان في عام 1896. ويتذكر المهتمون والمتتبعون ما قامت به النازية أيام هيتلر حيث قال غوبلز مسؤول الدعاية في النظام النازي «إن الفوز بمباراة دولية أهم من السيطرة على مدينة ما.» وكذلك موسوليني في إيطاليا الذي حاول تعزيز هيبة الدولة من خلال الرياضة. وفي بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1934 في ايطاليا، شارك موسوليني شخصياً في اختيار الحكام، وحضر جميع المباريات التي خاضها منتخب بلاده وفي هذه البطولة. وكانت سنة 1980 بداية خاصة لتلك العلاقة المشبوهة بين الرياضة والسياسة، حين قاطعت الولاياتالمتحدة ودول عدة دورة الألعاب الأولمبية بموسكو، احتجاجا على دخول الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، حيث استجابت خمسون دولة للطلب الأميركي إبان الحرب الباردة بين العملاقين وكان الحضور هو الأدنى منذ عام 1956. وفي المقابل قاطعت موسكو دورة الألعاب الأولمبية في لوس أنجلوس عام 1984. وخاضت الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي، حربهما الباردة في أيسلندا عام 1972 عندما التقي لاعب الشطرنج السوفيتي بوريس سباسكي ونظيره الأمريكي بوبي فيشر في مباراة شهيرة للشطرنج، والتي فقد فيها اللاعب السوفيتي لقبه العالمي. وكذلك قاطعت افريقيا دورة مونريال عام 1976 بسبب التعامل العنصري لجنوب أفريقيا. وتطورت الأمور من المقاطعة إلى ما يعرف باسم «حرب كرة القدم»، حيث وقعت مواجهات عسكرية بين هندوراس والسلفادور وذلك بعد سلسلة من المباريات بينهما في الفترة ما بين 6 و27 من يونيو عام 1969، وكان ذلك ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1970. وخلفت الاشتباكات بين البلدين نحو ألفي قتيل. وأيضا مباراة بين الأرجنتين والمنتخب الانجليزي في كأس العالم بالمكسيك عام 1986، والتي كان ينظر إليها الجمهور الأرجنتيني على أنها معركة للانتقام بعد حرب جزر الفوكلاند بين الطرفين قبل ذلك بأربعة سنوات. روسيا والغرب.. صراعات لا تنتهي تهديد بريطانيا بعدم المشاركة في مونديال روسيا 2018 ليس سوى مسلسل لا تنتهي حلقاته، فقد قالت صحيفة « sputniknews» الروسية، بان الغرب مازال «يتبع سياسيات من شأنها تصعيد التوتر في العلاقات مع روسيا، ويبدو أن هناك أطراف تواصل سياسات غير مسؤولة تستهدف الإضرار بالمصالح الروسية، والتي تجاوزت السياسة والاقتصاد لتصل إلى الرياضة، حيث يسعى البعض إلى تحويل ميادين المنافسة الشريفة إلى حلبة صراع سياسي، أو بمعنى آخر تسييس المسابقات الرياضية الكبرى». وأشارت الصحيفة، إلى أن بعض المسؤولين الفرنسيين، الذين طالبوا باتخاذ إجراءات كانت قاسية ضد المشجعين الروس، «أكدت الطابع السياسي للأزمة بعيدا عن الرياضة التي تديرها مؤسسات تحكمها قواعد وقوانين الرياضة الدولية، الأمر الذي اعتبر بمثابة تدابير تمييزية وانتقائية ضد المواطنين الروس خلال مشاركتهم في «يورو 2016». واضافت «قرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم باستبعاد روسيا من المسابقة مع وقف التنفيذ وتغريم الفريق 150 ألف يورو، على خلفية أحداث الشغب التي رافقت مباراة المنتخب مع انجلترا، جاء مثيرا للجدل خاصة وان المنتخب انجلترا لم تتم محاسبته على الاستفزازات التي قامت به جماهيره وأعمال الشغب التي رافقت المباراة. وذكرت بأن الاتحاد ألأوروبي لم يتخذ أي إجراء تجاه اعمال الشغب والاستفزازات التي قامت بها الجماهير الإنجليزية قبل وأثناء وعقب المباراة، في الوقت الذي حمل فيها جماهير روسيا كامل المسؤولية على الأحداث، ولم يتخذ الاتحاد الأوروبي أي إجراء ضد شغب جماهير انجلترا وألمانيا وجماهير منتخب كرواتيا أمام التشيك، ومنتخبي انجلترا وويلز، ولم يوقع أي عقوبات واكتفى بالتعبير عن اسفه، وأعادت التذكير بمصادقة الاتحاد الدولي لألعاب القوى، على قرار إيقاف المنتخب الروسي لألعاب القوى بسبب «ادعاءات» انتهاكه لقواعد مكافحة المنشطات، وذلك قبل أسابيع قليلة على انطلاق فعاليات دورة الألعاب الأولمبية «ريو دي جانيرو 2016»، وختمت الصحيفة قائلة «تأثير الخلافات السياسية بين روسيا وأوروبا يبدو واضحا في تلك القرارات، خصوصا أن أجهزة الأمن الفرنسية قامت باحتجاز العشرات من الجماهير الروسية وطالبت آخرين بمغادرة البلاد، وسمحت بدخول قوات بريطانية لتأمين مباريات الفريق خلال المسابقة، كما نشرت ما يقرب من 3900 ضابط في المنطقة التي شهدت الاشتباكات.