بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    التنويه بإقالة المدرب العامري من العارضة الفنية للمغرب التطواني    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    مباراة الزمامرة والوداد بدون جماهير    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتورعبد الوهاب المسيري في حوار مع التجديد
نشر في التجديد يوم 09 - 10 - 2002

خلص الدكتور عبد الوهاب المسيري بعد سلسلة من البحث الطويل في اليهودية والصهيونية إلى نموذج تفسيري جديد يرفض فكرة الشعب اليهودي والخصوصية اليهودية عبر خطاب محايد لكنه معادي للصهيونية. الظاهرة الاستعمارية الغربية كما عرفها الدكتور المسيري ضمن موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية". وأجلى الدكتور المسيري اللبس الحاصل في الاعتقاد السائد بسيطرة اللوبي الصهيوني على مراكز القرار في أمريكا ومراكز القوة في العالم معتبرا ذاك مجرد تضخيم يقف حاجزا دون تطوير آليات المواجهة مع الولايات المتحدة والعالم الغربي. ويرى الدكتور المسيري أن واقع الصراع العربي الإسرائيلي بحاجة إلى تعميق الخطاب التحليلي العربي، وتعميق مقدرته التفسيرية الذي تفرضه العملية الجهادية اليومية. ويقول المسيري بالحوار المسلح في مخاطبة الغرب بديلا عن الحوار الديمقراطي الذي يفترض الندية والمساواة متحدثا عن مستقبل الانتفاضة ومتطلبات المرحلة.
خلصتم بعد بحثكم الذي دام ثلاثين سنة من خلال موسوعتكم " اليهود واليهودية والصهيونية" إلى تفسير جديد يرفض فكرة الشعب اليهودي والوحدة اليهودية العالمية. كيف تقاربون هذا الطرح؟
لا يوجد يهود بشكل مطلق وإنما توجد جماعات يهودية، كل جماعة تستمد خطابها الحضاري من المجتمع الذي تعيش فيه، فيهود الولايات المتحدة مثلا بيض يتحدثون الانجليزية ويؤمنون باليهودية الخاخامية التي تستند إلى التلمود، بعضهم يصلي بالانجليزية وبعضهم يصلي بالايديشية، والبعض الآخر بالعبرية. عندهم خاخامات ولا يعرفون الرهبان ولا الراهبات، أما يهود الفلاشة إفريقيون يتحدثون ......لا يعوفون التلمود، يصلون بالجائزية وهي لغة الكنيسة الإثيوبية المقدسة، عندهم قساوسة ويوجد لديهم الرهبان والراهبات.
والكتب المقدسة ليهود الولايات المتحدة أساسا التوارة والتلمود وبعض أجزاء القبالة وهي التراث الصوفي الحلولي اليهودي، أما الكتب المقدسة ليهود الفلاشة فهي أسفار موسى الخمسة وبعض أجزاء العهد الجديد، وهكذا يمكن أن نستمر في سرد الاختلافات بينهما في اللون أو الوظيفة أو العلاقة بالمجتمع، ولا يمكن فهم كل من الجماعتين إلا بالعودة إلى حركيات كل مجتمع، لا بالعودة إلى التراث اليهودي وإلى الهوية اليهودية، ومن تم لتفسير سلوك يهود الولايات المتحدة، ولتفسير سلوك يهود الفلاشة علينا أن نحاول استلهام كل مجتمع، وعليه فالقيمة التفسيرية لكونهم يهودا ضعيفة جدا، أما لكونهم أمريكيين وإثيوبيين فهي قوية.
فأنا أسميهم "جماعات يهودية" وليسوا "يهودا"، بمعنى أني أرفض فكرة وحدة اليهودية العالمية. أرفض فكرة الشعب اليهودي، ورفضي هذا ليس إيديولوجيا وإنما من واقع دراستي، وأرفض فكرة الخصوصية اليهودية، ومن تم فكرة التاريخ اليهودي أو الثقافة اليهودية. توجد تواريخ الجماعات اليهودية، وتوجد ثقافات الجماعات اليهودية.
وحيث يتبث اليهود تفوقهم ونبوغهم في شتى الميادين تفندون من جهتكم هذا الواقع وتعتبرونه ادعاءا لا علاقة له بالانتماء. بم تمثلون لذلك؟
لا يوجد شيء اسمه عبقرية يهودية. يوجد عباقرة من اليهود، فإنشطاين مثلا لا يمكن فهمه إلا في إطار التشكيل الحضاوي الغربي لأنه لو كانت اليهودية هي سر عبقريته لظهر بين يهود اليمن أو ظهر بين يهود الهند، ولكنه ظهر بين يهود الولايات المتحدة، فكل ما يسمون بالعباقرة اليهود ظهروا في الغرب ولم يظهروا في الشرق.
وأنتم تصنفون الصهيونية كجزء من الحضارة الغربية. هل تفندون بذلك صلتها باليهودية؟
جئت لأصنف الصهيونية فوجدت تفسيرها لا يقوم بالعودة إلى التراث اليهودي، لأنه معروف لدىالدارسيين أن اليهودية كانت تحرم العودة إلى فلسطين حتى نهاية القرن 19، فعلينا إذن أن نبحث عن نموذج تفسيري جديد، حيث وجدت أن الصهيونية جزء من الحضارة الغربية، وأنها ظاهرة غربية، وعلى وجه التحديد ظاهرة استعمارية غربية، وأن الفكر الصهيوني طوره الاستعماريون الغربيون قبل أن يعرفه اليهود أو أعضاء الجماعات اليهودية، وإسرائيل ليست ظاهرة يهودية، وإنما ظاهرة غربية استعمارية استيطانية احلالية لا تختلف عن التجربةالاحلالية في الجزائر أوالتجربة الاستعمارية في جنوب إفريقيا، أو التجربة الأمريكية في أمريكا الشمالية، وهكذا يمكن دراستها في ضوء هذه الحركيات التاريخية.
بمعنى يجب استحضار البعد الديني في مواجهة العدو الإسرائيلي، ومن تم تختلف المواقف التي تؤسس لردود الأفعال تجاهه؟
ماقلته لا ينفي البعد الديني. فنحن لا نحارب ضد إسرائيل لأننا نكره اليهود. لأن الدين الإسلامي لا يحرضنا على كره أحد. وإنما يجبرنا أن نحارب ضد الظلم، و نقيم العدل في الأرض، وأن نجنح إلى السلم إن جنحوا له، وألا نعتدي إلا على من اعتدى علينا.
فنحن نحارب ضد الصهاينة لأنهم طغاة وظلمة، ولأنه لو كان الذين قاموا بغزو فلسطين من المسيحيين أو الهندوسيين وحتى المسلمين لحاربنا ضدهم، وضد أي ظلم سواء ارتكبه يهودي أو مسيحي أومسلم، فالظالم لايعرف أي دين، وهذا ما أعتقده المدخل الأساسي لفهم ما أطرحه من خطاب تحليلي لا أقول إنه جديد، حيث لوجود محاولات كثيرة سابقة، وإنما إسهام الموسوعة الأساسي هو أنني أكدت هذا الخطاب التحليلي وطورته وبينت معالمه، وطورت من المصطلحات والمفاهيم ما يساعد على وضع أسسه الفلسفية والمعرفية.
على غير ما عهد من سلوك الباحثين في شتى الميادين جمعتم المادة المصطلحاتية قبل كتابة الموسوعة وصغتم الجديد فيها أهو حل لإشكالية أم مجرد إبداع؟
حينما عدت من الولايات المتحدة، في أوائل السبعينات كان لدي مشروع على مستويات كثيرة، فانغمست أساسا في الصهيونية، وشعرت من البداية بمشكلة التحيز في المصطلح وبدأت أحاول صياغة المصطلحات الجديدة، وكلما تطورت فكريا أطور صياغة المصطلحات، وأعتقد أن الموسوعة كانت تتويجا لهذا، وإن كنت أرجو من الله ألا أتوقف. وبالفعل أنا أعمل الآن على كتيب حول المصطلح ألخص فيه تجربتي بعد كل هذه السنين الطويلة، وهو موجه إلى الإعلاميين ليطبع و يوزع على الصحفيين في كل أنحاء العالم العربي.
وهناك كتيب في الضفة الأخرى "بروتوكولات حكماء صهيون" إحداها (فرق تسد) أثبت نجاعته ومازال في تفرقة الوحدة العربية على وجه أخص وأنتم تفندون ذلك!؟
"فرق تسد" أسلوب في الإدارة ليس مقصورا على اليهود، و إنما تستخدمه كل القوى الحاكمة.الامبراطورية الانجليزية استخدمته وكل القوى الاستعمارية، وبعض البلدان الخليجية يستحدمونه للتفرقة بين الجماعات المختلفة، وما نسبته إلى اليهود إلا تضخيم لقوتهم، وحل صفات عجائبية عليهم بأنهم مخلوقات سحرية تصعب هزيمتها.
ألا ترون أن مسألة العداء للسامية أصبحت عصا سحرية بيد اليهود يقرعون بها من شاؤوا ويقلبون بها موازين القوى لصالحهم متى شاؤوا؟
أعتقد أن المسألة أعمق، فالعداء للسامية أو كما أسميها "العداء لليهود" متأصل في الغرب وأكبر دليل على ذلك تأبيده للصهيونية، والصهيونية حركة لتخليص العالم الغربي من اليهود، وبعد أن تخلصوا منهم الآنأصبحت مسألة الدفاع عنهم لا تكلفه كثيرا، فهو دائما يعتذر للافريقيين السود على ما لحق بهم من العبودية مدة أربعة قرون، وهذه طريقة جديدة عند الغربيين كي يريحوا بها ضمائرهم"الاعتذار بعد الجريمة وبعد الاستفادة من ثمراتها"، وهولا يكلفهم شيئا على الإطلاق. وفي اعتقادي أن التعويضات التي تدفع لليهود ولإسرائيل طريقة أمريكية جيدة لإرغام العالم الغربي على تمويل إسرائيل كي تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة. وأعتقد أن إسرائيل بدون دعم أمريكا لا يمكن أن تستمر على الإطلاق في مثل هذه الأمور، فالقضية مركبة إلى أقصى درجة ولا يمكن أن ننسبها لنفوذ اليهود وتحكمهم في العالم.
قرر تدريس كتابكم "أرض الوعد" بعدة جامعات أمريكية وهو جزء من سلسلة بحثكم في المنظومة اليهودية الصهيونية. كيف تقبل هذا الفكر الجديد الذي سبق نفاذ الموسوعة؟
"أرض الوعد" لا تعبر عن فكري بما فيه الكفاية، فهو كان محاولة لتقديم تاريخ الصهيونية مختلف عن التواريخ المتداولة في العالم العربي، وهو كتاب حورب كما حورب أي كتاب معاد للصهيونية، لكن أعترف أن الحرب ضد " أرض الوعد" كانت بالتزام الصمت أي بمعنى تجاهله، وهذا ما حدث مع الموسوعة. فرغم نفادها إلى إسرائيل لم يرد أي تعليق عليها على الإطلاق، وإنما يردون على الخطاب العنصري الذي يهاجم الصهيونية، والحقيقة أن خطابي التحليلي.
- كما يلاحظ - غير عنصري لكنه معادي للصهيونية، ومهاجم لها بعنف، لكن في ذات الوقت لا أهاجم اليهود ولا اليهودية. ورغم هذا قرر الكتاب فيما يقرب 52 جامع، وأقابل حتى الأن مفكرين من الإسرائيليين واليهود الذين قرؤوه في صباهم أو في مطلع شبابهم فغير رؤيتهم للصهيونية ولا دعاءاتها اليهودية.
بعد الكتابة التحليلية والموسوعية في السياسة انتقلتم إلى الكتابة للأطفال. فهل لأطفال الانتفاضة حضور في فكر ووجدان الدكتور عبد الوهاب المسيري؟
عبر تاريخ حياتي وأنا أكتب للاثنين، وإنما بدأت محاولة الكتابة للأطفال لأ حتفظ لأولادي بهويتهم في الولايات المتحدة حتى يمكنهم العودة إلى التراث حينما نعود إلى مصر ثم تطورت الأمور إلى أن استمعت السيدة "أميرة أبو المجد" المسؤولة عن قسم الأطفال بدار الشروق التي نشرت الموسوعة بالقصص، فرغبت أن تقرأها، فتشجعت كثيرا ووعدت بنشرها. فأعدت كتابتها وتطوير بعض القصص، ووجدت بين أوراقي ديوانا للشعر كنت كتبته للأطفال يسمى" أغنيات أشيائي الجميلة " عبارة عن قصائد نثرية من الشعر الحر للأطفال عن الميلاد والحياة والأفراح والأخزان والموت.
وتعاملي مع أطفال الانتفاضة كجزء من النموذج الانتفاضي لكتابة هذا الموضوع، ثم أردفتة بكتاب آخر" من الانتفاضة الى الحزب الأهلية الفلسطينية" لأني أعتقد أن انتفاضة الأقصى تحولت من كونها انتفاضة إلى حرب تحرير.
حرب تحرير وبمقومات ضعيفة. بنظركم هل ستحقق نصرا؟
هي حرب لها أثر نفسي. فيها شهداء وعمليات عسكرية ، وفيها تفكير لتدمير الأسلحة الاسرائيلية، وعادة لست مهمتما بالفعل العسكري بحد ذاته أوبالفعل المسلح وإنما باثره النفسي على المجتمع الإسرائيلي، إذ كان مدمرا بالنسبة له. أما بالنسبة لنا، نحن العرب والمسلمين، فأثره كان فعالا. مثل انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بسبب هجمات حزب الله عليهم. فالمسألة أن الأثر النفسي يأتي نتيجة الحوار المسلح.
فتدرك إسرائيل إن وجودها في هذه المنطقة غير مرغوب فيه، وأنهم جسد غريب، وأنهم مهما ادعوا من أرض الميعاد والوعد الإلهي فهم في نهاية الأمر قد جاؤوا تحت مظلة الغرب العسكرية.
برأيكم هل يشفع لأمريكا ما تدعيه جراء سياستها العدائية للعرب وتحيزها اللامشروع لإسرائيل من هيمنة اللوبي الصهيوني على مراكز القرار بها؟
لواختفى يهود أمريكا واختفت اسرائيل لم يغيرهذا من سياسة أمريكا التي تهاجم كل الديمقراطيات في العالم، والتي دخلت في حرب في الفيتنام، والتي تخرب الحكومات في أمريكا اللاتينية، والتي تقاطع كوبا منذ نصف قرن، والتي غزت أفغانستان، والتي تهدد بضرب العراق.
فلا يمكن أن نقول أن اللوبي الصهيوني مسؤول عن هذا، فهذه استراتيجية عسكرية أمريكيةعامة،والصهاينة قد نجحوا في أن يصبحوا جزءا من هذه الاستراتيجية، وسر نجاحهم هو أنهم أصبحوا جزءا من هذا الكل، ومن الشطط أن يقال عنهم أنهم يسيروا هذا الكل، الأمر الذي يجعلنا لاندرك حجم المواجهة مع الولايات المتحدة والعالم الغربي، ويجعلنا لاندرك أبعاد هذه المواجهة، كما يجعلنا غير قادرين على تطويرآليات هذه المواجهة.
رغم ما أسفر عنه التقدم الغربي من نتائج مدمرة للبشرية مازالت الحداثة الغربية النموذج المحتدى به لتجاوز التخلف في المجتمعات العربية. فهل من خلاص في غير ذلك؟
أعتقد وأدعو بشكل دائم إلى ماأسميه "ثمن التقدم"، فيجب أن تعرف جماهيرنا بثمن التقدم، إذ أن المنظومة الحضارية الغربية تقدم نفسها على أنها منظومة ناجحة وصالحة لكل زمان ومكان ولا تتحدث قط عن ثمن التقدم، بينما لو تحدثنا عن ثمن التقدم لأصبح موقفنا أكثر اتزانا وتوازنا، ولاكتشفنا أن التقدم على الطريقة الغربية فيه دمار للإنسان ودمار للعالم، واذا لم تقم المنظومة الغربية بالاجابة عن الأسئلة المطروحة سيكون من اللازم أن نبحث عن الإجابة، ومن خلال هذا يبدأ الانسان العربي المسلم بالتنقيب في تراثه وفي تاريخه عن مجموعة من القيم تهدية سواء السبيل.
تضعون رؤية حداثية بديلة في ظل خطاب تحليلي متطور لثمن التقدم كيف السبيل إلى مقاربتها بأرض الواقع؟
المسألة أصبحت واضحة للجميع، فالغزوة الحضارية الغربية لحقت العالم بأسره ولم تكن على مستوى العالم العربي فق. وتأكيد ثمن التقدم يجعل الناس يدركون أن ما يسمى بالحداثة العربية لم يأت لهم بحل لمشاكلهم خاصة وأن الحداثة الغربية لم تفد إلا الطبقات الرأسالية، أما عامة الشعب فالحداثة قد أوردتهم موارد التهلكة، حيث حرمتهم من تراثهم ومن قيمهم ومن أسلوب حياتهم ولم تمنحهم شيئا بالمقابل. وعلى عكس ذلك، نحن أفراد الطبقة المتوسطة العالية، استفدنا من الحداثة حيث أصبحنا نجلس على الكراسي ونستهلك على الطريقة الغربية ونسافر ونأكل الأطعمةالهندية والتايلاندية ونسمع الموسيقى الكلاسيكسة ونذهب إلى المسرح .. أما عامة الشعب فلا علاقة له بهذا. أغانيهم وتراثهم قد هدم وحلت محلها الأغاني المنحطة التي تذيعها التلفزيونات العربية أوالأجنبية. وعلئ هذا الأساس يجب تأكيد ثمن التقدم والآثار السلبية للحداثة لنطرح تصورا جديدا لحداثة إسلامية إنسانية. حداثة ليست مبنية على الاستهلاك وعلى اللذة وإنما هي مبنية على الاتزان مع الذات ومع الطبيعة.
حداثة ليست مبنية على التقدم اللانهائي، لأننا نعرف تماما أنه لايوجد شيء لا نهائي في العالم. وأن المصادر الطبيعية التي افترض الانسان الغربي أنها لا متناهية، وهي على غير ذلك، مصادر متناهية. يجب الحفاظ عليها وتقسيمها بين الشعوب بالعدل.
ورغم الحيف في تقسيم الثروات، ورغم الأزمة البيئية التي أضرت العالم بأسره مازالت المجتمعات العربية تتطلع إلى التقدم على الطريقة الغربية فهل ستدرك ذلك؟
اذا كان 20 بالمائة من سكان العالم الغربي يستهلكون 80 بالمائة من موارد الطبيعة، فإن بقية العالم أي ما يشكل 80 بالمائة من السكان لا يستهلكون 20 بالمائة فقط،، وبالتالي لا يمكن أن نتقدم على الطريقة الغربية لأن أسلوب الاستهلاك الغربي أو نمط الحياة الغربي لا يوفر موارد طبيعية للجميع، والازمة البيئية التي نحياها علامة من الله سبحانه وتعالى على أننا قد طغينا وأنه تجب علينا العودة إلى أنفسنا وإلى عقائدنا كي نصل إلى شكل من أشكال الاتزان مع الذات ومع الطبيعة، وأعتقد أن هذا هوالسبيل لتجنيد الناس وراء رؤية حداثية إنسانية جديدة.
كيف تقيمون محطات الصراع مع العدو الصهيوني عبر مسلسل الانتفاضة؟
بعدما التف العدو الصهيوني حول الانتفاضة الأولى من خلال أوسلو في الثلاثينيات لم تقم قائمة للمقاومة الفلسطينية إلا في الستينيات، ثم بدأت المسألة تتصاعد ابتداءا بحرب الاستنزاف مابعد 67، وتوجد الآن وثائق تدل على أنها كانت بالفعل حرب استنزاف لاسرائيل، وأن القيادة الصهيونية كذبتعلى الشعب الاسرائيلي، ولم تكن تعلمه بالحجم الحقيقي للخسائر، ثم جاءت حرب 73 والتي حقق العرب من خلالوحدتهم قدرا كبيرا من النجاح ، وإن لم يوظف بما فيه الكفاية، ثم جاء الانسحاب من بيروت ولبنان، ثم جاءت انتفاضة 78 ، ثم الانسحاب من جنوب لبنان، ثم انتفاظةالأقصي.
فبعدما كان المنحنى العسكري الإسرائيلي يركض من نصر إلى نصر أصبح يتراجع ويتقهقر من هزيمة إلى هزيمة. وإن كانت هزائم جزئية فإنها تشكل في ذات الوقت الوجدان الإسرائيلي والوعي الإسرائلي بحقيقة موقفه كمحتل لأرض رفض شعبها أن يقبل الهزيمة.
انتفاضة الأقصى المباركة تدخل سنتها الثالثة فهل نعتبر هذا مؤشرا على استمراريتها إن لم نقل على نجاحها. أم للدكتور عبد الوهاب المسيري تنبؤ آخر؟
بالنسبة للشرق الأوسط فالمسألة ليست بهذه السهولة ،لأنه في حالة سيولة شديدة لكن يمكن أن تقول أن انتفاضة الأقصي قد قضت على الحلم الصهيوني، ولا أقول الكيان الصهيوني، وأأكد دائما أن الحلم الصهيوني اساسي للكيان الصهيوني لأن الإنتفاضة ضربت لبنة أساسية في هذا الكيان في وقت كان يمر فيه بعدة أزمات، كأزمة الهوية والأزمة السكانية الاستيطانة، فأصبح يهود العالم يحلمون بالهجرة لأن قطاع الالكترونيات الذي كان أهم قطاع في الاقتصاد الإسرائيلي قد ضرب وخلق أزمة اقتصادية، ثم جاءت الانتفاضة وفجرت كل شيء داخل المجتمع الصهيوني، وفي ظل تصاعدها واستمرارها لأكثر من عامين، أعتقد أن الكيان الصهيوني في أزمة حقيقية، وأن مسألة حل الصراع تتوقف على مدى الدعم العربي الإسلامي للانتفاضة، فالشعب الفلسطيني، ليس قادرا بمفرده على القضاء على هذا الجيب الاستعماري الاستيطاني، ودون دعم سياسي ومادي للشعب الفسطيني أعتقد أن إسرائيل ستنجح في الالتفاف حول هذه الانتفاضة، لكن الاسرائيليين الآن قد اقتنعوا أنه لا يوجد قضاء على هذا الشعب الفلسطيني.
برأيكم ما حاجة الصراع بالشرق الأوسط بعدما باءت المحاولات الدبلوماسية بالفشل واتهم التحرك الشرعي للفلسطينيين بالإرهاب؟
إسرائيل جزء من العالم الغربي، والعالم الغربي حينما بدأت تجربته الاستعمارية كان ينظر لافريقيا وآسيا باعتبارهما مادة استعمالية. فإذا كانوا يرون أن الصهاينة محقون في الاستيلاء على فلسطين، فذلك يعني، ومن وجهة نظر غربية، أن ما يقوم به الفلسطينيون شكل من أشكال الارهاب وليس شكلا من أشكال مقاومة الاحتلال، وأن اقتحام الإسرائيليين لمنازل الفلسطنيين وتقتيلهم هو دفاع مشروع عن النفس قبل أن يقوم الفلسطينيون بالهجوم عليهم. فالقضية أن الادراك الغربي لاسرائيل يختلف عن ادراكنا لها. لأن مصالح الغرب مرتبطة بإسرائيل وليست مرتبطة بنا، ولذلك أدعو دائما كي نخاطب الغرب يجب أن نضر بمصالحه، فإن أضررنا بمصالحه استجاب لنا جيدا.
فالمسألة لها بعد إدراكي عميق وأبعاد اقتصادية عميقة تعمق من هذا الادراك وما علينا، نحن العرب،إلا أن نقوم بواجبنا حتى يتمكن الغرب من تعديل رؤيته، وهذا لايمكن أن يتم إلا من خلال الحوار المسلح.
تتكرر مطالبة الحكومات العربية بالتدخل العادل للغرب لحل الصراع بالمنطقة ورغم ذلك يظل التحيز لاسرائيل مكشوفا والانتظار بلا جدوى، برأيكم إلى متى؟
إسرائيل أو "الدولة الصهيونية" هي جزء من التشكيل الاستعماري الغربي، لكن هي ليست جزءا لا يتجزأ، وإنما هي جزء يتجزأ، لأن العلاقة مع الغرب ليست علاقة عضوية وإنما هي علاقة وظيفة.فالغرب يتبنى إسرائيل بقدر ما تخدم مصلحته، فإن فشلت في خدمة مصلحته، حيث تصبح مكلفة، سيستغني عنها تماما مثلما فعل مع جنوب افريقيا ومع الجزائر، وأمام هذه الاستراتيجية الغربية فمطالبة الغرب بأن يكون عادلا لا تجدي بقدر مايجدى الضغط على اسرائيل كي تكون مكلفة، وعلى مصالحها في المنطقة، وفي هذه الحالة سيستجيب الغرب للضغوط العربية، وبما أن الغرب لم يعد مسيحيا، حيث أصبح علمانيا نفعيا وثنيا، والإنسان الوثني لايستجيب بعقله ولا بقلبه، وإنما يستجيب بحواسه الخمس. فإن أضررنا بمصالحه الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة سيغير، باعتقادي، من موقفه كثيرا، وهذا ما أسميه "الحوار المسلح"، وهو أن ترسل برسائل مسلحة للآخر، فإذا كان يشعر بحواسه الخمس سيدرك هذه الرسائل لأنه لا يدرك بعقله ولاحتى بقلبه. ولا يجب أن نحاورهم بشكل ديمقراطي. لأن الحوار الديمقراطي يفترض الندية والمساواة، والغرب يرفض هذا الوضع.
" الحوار المسلح" آلية متطورة عن مخاض سابق يعنى بتحسين وتطوير الفكر الاجتهادي، لكن بنظركم أي اجتهاد تولون، ويفي بمتطلبات المرحلة؟ الاجتهاد الفقهي أم السياسي أم الاقتصادي؟
دائما أطالب بتحسين المقدرات التفسيرية للخطاب التحليلي العربي لأنه حينما يحسن الانسان المقدرة التفسيرية فإنه يحسن المقدرة التنبئية والمقدرة التنبئية والتفسيرية تساعدان على توجيه النزعة الجهادية التوجيه الصائب، حيث يجب أن نعرف أن الولايات المتحدة هي العدوالأكبر، وأن الضرب بمصالحها في المنطقة، بسبب تأييدها لإسرائيل، سيشكل ضغطا على الولايات المتحدة، وبالتالي على إسرائيل.
فتعميق الخطاب التحليلي العربي وتعميق مقدرته التفسيرية من صميم العملية الجهادية اليومية.
ولا يمكن الفصل بين الإجتهاد الفقهي والاجتهاد السياسي، ولذلك أفضل أن أقول بالاجتهاد من الناحية المعرفية بمعنى أن الاجتهاد الفقهي والاجتهاد السياسي والاقتصادي كلها أمور لابد أن تدور في إطار معرفي، والمعرفي هو ما يتعامل مع الكلي والنهائي، فلا يمكن للفقه أن يكون فقها دون أن يتعامل مع الكلي والنهائي.
حسن السرات
خديجة دحمني
المؤلف والكاتب عبد الوهاب المسيري في سطور
الدكتور عبد الوهاب المسيري مفكر وباحث معرفي، ولد في دمنهور بمصر عام 1931م، ويعد من أبرز المتخصصين بالحضارة الغربية الحديثة وبالظاهرة اليهودية والصهيونية. وكانت موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" في ثمانية مجلدات صدرت عام1991 هي ثمرة جهده في التعريف بالظاهرة اليهودية والصهيونية والذي بدأه عام 1971 وأتمه عام1998. وقد صدرت له العديد من الكتب في هذا الموضوع أهمها"نهاية التاريخ"(1971) "الايديولوجية الصهيونية" دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة (1988) "الاستعمار الصهيوني وتطبيع الشخصية اليهودية" (1990) "إشكالية التحيز رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد" في جزأين (1995) "الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ" (1997) وقد صدر له مؤخرا (2002) كتاب "الجماعات الوظيفية اليهودية نموذج تفسيري جديد" ويعد من أهم أعمال المؤلف الفكرية. وقد عمل المؤلف خبيرا في الصهيونية في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام (1970 1975) كما شغل منصب المستشار الثقافي للوفد الدائم للجامعة العربية لدى هيئة الأمم المتحدة، ووضع حينها عدة مؤلفات بالانجليزية من أهمها كتاب عن الصهيونية بعنوان (The land of the promise) (أرض
الوعد) وقرر في عدد من الجامعات الأمريكية، وكتاب آخر عن "إسرائيل وجنوب افريقيا" وطبعت منه عدة طبعات، وترجم إلى عدد من اللغات الأوروبية.
والمؤلف أستاذ في الأدب والنقد الانجليزي، وله عدة دراسات في النقد الأدبي، وفي تاريخ الحضارة، ويصدر له في الشهر القادم في دار الشروق بالقاهرة "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" وقد نشر المؤلف مؤخرا (2000) سيرته الذاتية بعنوان (رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر).
الخبير في اليهودية والصهيونية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.