نبأ وفاة علم من أعلام الأمة مثل الدكتور عبد الوهاب المسيري لابد أن يكون له وقع كبير على كل من يعشق الفكر الحر المستنير بضوء البحث العلمي الجاد. فالمسيري الذي عرفناه؛ عرفناه معريا لأكاذيب الصهيونية العالمية، ومفككا لأطاريحها وادعاءاتها. "" عبد الوهاب المسيري؛ رجل تخصص في الأدب الإنجليزي وأتقنه إتقانا، واستطاع بما لديه من ملكة نقدية كشف تحيزات العالم الغربي الزائف من خلالها، وقدم للعالم العربي والإسلامي خزانة علمية ترفع عن عينه الغشاوة التي كونها بعض دهات الفكر الغربي المتصهين لدى عدد كبير من المغرر بهم من أبناء أمتنا الغالية. لقد كان المسيري يقول دائما: "الموضوعية كذبة بيضاء"، ذلك أنه لا يعتد بأقوال القائلين بإمكان الموضوعية في البحث، بينما الجابري في المغرب يدافع عنها ويعتبرها شرطا لتحقق العلمية في دراسة التراث. المسيري في كتابه الجامع لفلسفة التحيز، والذي نشره عبر حلقات في مجلة الهلال المصرية،" العالم من منظور غربي"، يقدم مجموعة من النماذج التي تبين أن التحيز المعرفي كامن في مختلف مظاهر الحياة البشرية، ولابد أن يكون الإنسان في حذر أثناء تعامله مع كل حادث أو موقف، فلا شيء خارج التحيز، فاللباس فيه تحيز، والمشية فيها تحيز، والأثاث فيه تحيز، والكلام فيه تحيز. ومما عرف به الدكتور المسيري بشكل أكبر؛ عمقه في دراسة المجتمع (الإسرائيلي)، والجماعات اليهودية في موسوعته الشامخة " اليهود واليهودية والصهيونية"،و"تتناول هذه الموسوعة كل جوانب تاريخ العبرانيين فى العالم القديم، وتواريخ الجماعات اليهودية على امتداد بلدان العالم، وتعداداتها وتوزيعاتها، وسماتها الأساسية، وهياكلها التنظيمية، وعلاقات أفراد الجماعات اليهودية بالمجتمعات التى يوجدون فيها وبالدولة الصهيونية. وتغطى الموسوعة كذلك أشهر الأعلام من اليهود (مثل موسى بن ميمون) وغير اليهود ممن ارتبطت أسماؤهم بتواريخ الجماعات اليهودية (مثل نابليون وهتلر). كما تتناول هذه الموسوعة كل الجوانب المتعلقة بتاريخ اليهودية، وفرقها وكتبها الدينية، وطقوسها وشعائرها، وأزمتها فى العصر الحديث، وعلاقتها بالصهيونية وبمعاداة السامية (معاداة اليهود). وتغطى الموسوعة الحركة الصهيونية ونشاطاتها ومدارسها وأعلامها، وبعض الجوانب الأساسية للدولة الصهيونية". وقد استطاع من خلال هذا الجهد المشكور تعرية حقيقة هؤلاء الذين يخدعون الكثير من أبناء جلدتنا الذين يؤمنون بكذبة " الحياد". وهكذا يمضي التاريخ ، ويمضي معه الأشخاص أفرادا وجماعات إلى الدار الأخرى، ولكن تبقى الأفكار مخلدة أسماء أصحابها، تتداولها الأجيال، ويذكرها التاريخ.