بعد عقود من العطاء والعمل الفكري والدفاع عن قضايا الأمة ورفض المشاريع الاستسلامية؛ أعلن يوم الخميس (3/7) عن وفاة المفكر العربي عبد الوهاب المسيري ليسدل الستار على واحد من أعلام الفكر العربي والإسلامي المعاصر. وشغلت القضية الفلسطينية المفكر المسيري واحتلت الصهيونية مساحات من عطاءه الفكري، وكان من آخر من قاله تأكيده بقرب زوال الكيان الصهيوني عندما تحدث عن تآكل قدرات هذا الكيان الغاصب، لذلك لم يكن من المستغرب أن تثير وفاته الأشجان في نفوس الفلسطينيين الذين فقدوا بموته صوتاً قوياً هادراً طالما وقف إلى جانبهم. وولد الأستاذ الدكتور المسيري، وهو أستاذ غير متفرغ بكلية البنات جامعة عين شمس بمصر، في دمنهور بمصر عام 1938 وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي (مرحلة التكوين أو البذور). التحق عام 1955 بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعُين معيداً فيها عند تخرجه، وسافر إلى الولاياتالمتحدة عام 1963 حيث حصل على درجة الماجستير عام 1964 (من جامعة كولومبيا) ثم على درجة الدكتوراه عام 1969 (من جامعة رَتْجَرز Rutgers ) (مرحلة الجذور). وعند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود (1983 – 1988)، كما عمل أستاذاً زائراً في أكاديمية ناصر العسكرية، وجامعة ماليزيا الإسلامية، وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام (1970 – 1975)، ومستشاراً ثقافياً للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأممالمتحدة بنيويورك (1975 – 1979). وكان عضواً في مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بليسبرج، بولاية فرجينيا بالولاياتالمتحدةالأمريكية، ومستشار التحرير في عدد من الحوليات التي تصدر في ماليزيا وإيران والولاياتالمتحدة وانجلترا وفرنسا (مرحلة الثمر). رحلته الفكرية قدم الدكتور المسيري سيرته الفكرية في كتاب بعنوان رحلتي الفكرية – في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية (2001) حيث يعطي القارئ صورة مفصلة عن كيف ولدت أفكاره وتكونت والمنهج التفسيري الذي يستخدمه، خاصة مفهوم النموذج المعرفي التفسيري. وفي نهاية الرحلة يعطي عرضاً لأهم أفكاره. وسيصدر هذا العام كتاب من تحرير الأستاذة سوزان حرفي، الإعلامية المصرية، تحت عنوان حوارات مع الدكتور عبد الوهاب المسيري، وهو يغطي كل الموضوعات التي تناولها الدكتور المسيري في كتاباته ابتداءً من رؤيته في المجاز ونهاية التاريخ وانتهاءً بأفكاره عن الصهيونية. الاهتمام بالموضوع الصهيوني يذكر الدكتور المسيري في هذه الرحلة بداية اهتمامه بالموضوع اليهودي والصهيوني، فكانت أول كتبه هو نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني (1972)، وصدر بعدها موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية: رؤية نقدية (1975)، كما صدر له عام 1981 كتاب من جزأين بعنوان الأيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة (1981). وفي هذه الفترة صدرت له عدة دراسات باللغة الإنجليزية من أهمها كتاب أرض الوعد: نقد الصهيونية السياسية (1977). وقد قرر الدكتور المسيري أن يُحدِّث موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية وتصور أن عملية التحديث قد تستغرق عاماً أو عامين، ولكنه اكتشف أن رؤيته في هذه الموسوعة كانت تفكيكية، وأن المطلوب رؤية تأسيسية تطرح بديلاً. فكانت الثمرة أنه بعد حوالي ربع قرن نشر موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد (1999) وهي من ثمانية مجلدات. وقد صدر له أثناء ذلك الوقت وبعده عدة كتب في الموضوع نفسه من أهمها البروتوكولات واليهودية والصهيونية (2003). في الخطاب والمصطلح الصهيوني (2003- 2005). وسيصدر هذا العام كتابين الأول بعنوان الفكر الصهيوني من هرتزل حتى الوقت الحاضر والثاني بعنوان من هم اليهود؟ وما هي اليهودية؟ أسئلة الهوية والأزمة الصهيونية. الاهتمامات الفكرية واهتمامات الدكتور المسيري الفكرية تتجاوز الموضوع الصهيوني، بل إنه يعتبر موسوعته مجرد دراسة حالة، في إطار مشروعه النظري. فقد صدر له كتاب من جزأين بعنوان إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد (1993)، والعالم من منظور غربي (2001)، والفلسفة المادية وتفكيك الإنسان (2002)، والحداثة وما بعد الحداثة (2003)، والعلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (2002)، ورؤية معرفية في الحداثة الغربية (2006). وسيصدر له خلال هذا العام كتاب من عدة مجلدات يضم أعمال مؤتمر حوار الحضارات والمسارات المتنوعة للمعرفة- المؤتمر الثاني للتحيز الذي عُقد في فبراير 2007 بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة. الأدب في مسيرة المسيري وقد ظل الموضوع الأدبي ( حبي الأول كما يقول الدكتور المسيري في رحلته الفكرية) ضمن اهتماماته الأساسية. فصدر له كتاب مختارات من الشعر الرومانتيكي الإنجليزي: بعض الدراسات التاريخية والنقدية (1979) وعدة كتب بالعربية والإنجليزية في أدب المقاومة الفلسطينية، واللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود (2002). وللدكتور المسيري ديوان شعر بعنوان أغاني الخبرة والبراءة: سيرة شبه ذاتية شبه موضوعية (2003) وصدر للدكتور المسيري ديوان شعر وعدة قصص للأطفال. وقد صدر له عام 2007 عدة كتب فى النقد الأدبي: الملاح القديم للشاعر صمويل تايلور كوليردج: طبعة مصورة مزدوجة اللغة (عربي - إنجليزي) مع دراسة نقدية، ودراسات في الشعر وفى الأدب والفكر. تُرجمت بعض أعمال الدكتور المسيري إلى الإنجليزية والفارسية والتركية والبرتغالية. وسيصدر هذا العام الترجمة الفرنسية والإنجليزية لسيرته الغير ذاتية والغير موضوعية، رحلتي الفكرية. كما سيصدر كتاب باللغة العربية والإنجليزية والعبرية بعنوان دراسات في الصهيونية. جوائز وقد نال الدكتور المسيري عدة جوائز من بينها جائزة أحسن كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام (2000) عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ، ثم عام (2001) عن كتاب رحلتي الفكرية، وجائزة العويس عام (2002) عن مجمل إنتاجه الفكري. كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام (2004). وقد نال عدة جوائز محلية وعالمية عن قصصه وعن ديوان الشعر للأطفال. وقد تزايد الاهتمام بأعمال الدكتور المسيري فصدرت عدة دراسات عن أعماله، من أهمها: في عالم عبد الوهاب المسيري: كتاب حواري من جزأين (2004)، وكتاب تكريمي بعنوان الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري في عيون أصدقائه ونقاده، ضمن سلسلة علماء مكرمون لدار الفكر بسوريا يضم أعمال مؤتمر المسيري: الرؤية والمنهج الذي عُقد في المجلس الأعلى للثقافة في فبراير 2007. كما ظهر عدد خاص من مجلة أوراق فلسفية (2008) يضم دراسات العديد من العلماء والباحثين العرب في الجوانب المتعددة للدكتور عبد الوهاب المسيري. تشييع الفقيد في جنازة مهيبة، شيع جثمان المفكر المصري عبد الوهاب المسيري إلى مثواه الأخير بعد أداء صلاة الجنازة عليه بمسجد رابعة العدوية بحي مدينة نصر. تم دفن الفقيد في دمنهور ـ مسقط رأسه. حضر الجنازة لفيف من المفكرين والعلماء والشخصيات البارزة من بينهم الداعية الإسلامي د. يوسف القرضاوي واحمد كمال أبو المجد وفريد عبد الخالق وفهمي هويدي وعمرو خالد ود. سليم العوا ود. مجدي قرقر، كما حضر مراسم التشييع كل من حمدين صباحي وعبد الحميد الغزالي وأبو العلا ماضي ومحمد عبد القدوس وإبراهيم المعلم ومصطفى بكري وجمال سلطان ود. محمد مورو ود.حسام عيسي ود. يحيي القزاز ود. عبد الحليم قنديل. وكان الفقيد قد نقل إلي مستشفي فلسطين منذ ثلاثة أيام بعد تدهور حالته الصحية إلى أن وافته المنية. وقد تدفق عدد من المثقفين والسياسيين المصريين إلي المستشفي منذ الصباح لمصاحبة جثمان الفقيد حتى الصلاة عليه وتوديعه إلى مثواه الأخير.