يشبه التقارب المثير للجدل والتساؤل في المغرب، بين جماعة العدل والإحسان ( شبه المحظورة) وبين حزب “النهج الديمقراطي” ذي الخلفية والهوية الماركسية المعلنة ؛يشبه ما يحدث أحيانا في نظام الأجرام السماوية، حينما يستنفر الفلكيين نشاط غير عادي لم يسبق أن رصدوه من قبل، في عالم المجرات والأفلاك ، فتنتابهم مشاعر القلق والحيرة ،كونهم لا يستطيعون التنبؤ بما ستفسر عنه تلك الرقصات الكوكبية : هل ينجم عنها انفجار يتلاشى رماده وغباره في الفضاء دون أن يخلف أضرارا ، أم قد ينذر بكارثة ؟ لقد رصد الملاحظون المغاربة، منذ مدة، تطورا لافتا في درجة وأشكال التنسيق والتقارب بين التنظيمين: الرباني المؤمن المتصوف، والعلماني اللاديني. لم يتحروا في الدوافع والأسباب أو التساؤل عن من يستفيد من الآخر، وما هي حدود ومدة هذا الزواج الخارج عن الأعراف والتقاليد المرعية في دوران السياسة المغربية ؟ ربما اعتبروا الأمر صعقة حب عارضة. أي التنظيمين غير عقيدته الأصلية وانفتح على الآخر؟ وما انعكاسات الغزل المتبادل بين العدليين ورثة القطب الرباني الشيخ عبد السلام ياسين، وأتباع الرفيق لينين، على المشهد السياسي المغربي؟ في هذا السياق يتوجب التساؤل عن موقف الدولة المغربية لهذا الطارئ في مواقف التنظيمين وقد أصبحا شبه حليفين، يتراص أتباعهما جنبا إلى جنب متكاتفين في تظاهرات الاحتجاج ضد السياسات العامة؟. فهل تكتفي الأجهزة الأمنية بالمراقبة والتتبع ،على اعتبار أن الفصيلين الإسلامي والماركسي، معروفان لها تعودت على شغبهما في الساحة ؛ وبالتالي فهما لا يشكلان في الأفق المنظور خطرا علي النظام الذي يعتبرهما مثل” البكتريا” بعضها ضار والبعض الأخر نافع يل ضروري لاستمرار الحياة والتوازن البيئي في الجسم السياسي المغربي. وثمة سؤال أكثر إلحاحا يرتبط بحسابات الفريقين ونوع المصالح المتبادلة بينهما وهل يتطور ذلك نحو آفاق ومجالات أبعد ؟ صحيح أن التقارب بين الجماعة والنهج ،لم يقطع كل المراحل ولم يذللا العقبات للتوصل إلى صوغ برنامج مرحلي مشترك، يدفعهما إلى الانخراط ، كقوة موحدة ، في معترك التنافس المستعر بين الأحزاب السياسية. هذا احتمال يبدو، حسب ظاهر ومنطق الأشياء مستبعدا، إذ يفترض أن تسبقه خطوات جريئة غير مسبوقة ، ليس الاثنان مستعدين لها أو مقتنعين باتخاذها : يستحيل على حزب “النهج” الارتداد عن العقيدة الماركسية ،كما يفهمها ويسوقها أتباعه ، مثلما أن العدليين مطوقون ومقيدون بتراث المرشد الراحل عبد السلام ياسين، وثقل المرجعية الدينية التي ليس في الوارد قطعا الابتعاد عنها قيد أنملة . فما طبيعة اللعبة التي تشغل التنظيمين ؟ لا يتمتع زعيم “الجماعة” الحالي الفقيه، محمد عبادي، بمثل الهالة الكاريزمية والفكرية التي وسمت الشيخ ياسين،لما كان حيا، وبعد ما أصبح بعد رحيله شبيها بالأسطورة المهيمنة على الأتباع الأصفياء؛ أي أن الفقيه عبادي، غير مؤهل وحده للإبحار بالجماعة في اتجاه المجهول لا يحمل عبادي القادم من مدينة الحسيمة ، لقب مرشد الجماعة ،بل الأمين العام ، وهي تسمية مستقاة من الحقل السياسي المدني وليس الديني. تنازل عن اللقب ، تجاوبا مع رغبة المريدين ليظل محصورا في الشيخ الراحل . لم يثبت أن عبادي جادل جهارا في مرجعية وتراث سلفه وقد أخذ مكانه على رأس قيادة الجماعة . من المستبعد أن يكون”التغيير” صادرا عن الأمين العام وحده ، فلا بد أن يعززه تأييد من تيار ضاغط ومؤثر في القيادة ظل صامتا إلى أن رحل المرشد ، فطاب له أن يمارس السياسة بأسلوب مختلف ، شجعه عليه عدم ممانعة الأمين العام وباقي التيارات المتفاعلة في صفوف العدل والإحسان. ايجوز افتراض العكس ،بأن اليد الممدودة والمبادرة حتى لا نقول المناشدة ، صادرة من تنظيم “النهج” كونه الأضعف جماهيريا؛ لكن كيف اقنع الجماعة بأن تنسيق الجهود ورص الصفوف سيمكنهما من قوة ضاغطة على النظام ، يحقق للاثنين مكاسب سياسوية ظرفية ؛ خاصة وأن الرفاق الماركسيين مقتنعون أن “العدليين ” يهيمنون على تأطير الاحتجاجات في الشوارع وفي الميادين الجامعية ؛ فإن انحسروا عنهم ظهرت عورة “النهج” وتبعثرت صفوفه . منطقيا، قد تؤدي هذه الأسئلة إلى استنتاج مفاده أن كل طرف متشبث بعرينه الإيديولوجي وان التحالف أو التقارب بينهما أملاه الاضطرار وليس فكريا حتى يساعد الفريقين على الاصطفاف جنبا إلى جنب في ساحات التظاهر وتعبئة الأتباع في معركة ضد السلطات . إذا استمر التسابق بين النهج والعدليين ، نحو بعضهما، عبر الاعتقاد بأن توحيد الصف سيحولهما إلى قوة قادرة على لي ذراع السلطة ؛ فسيقعان في وهم سياسي وإيديولوجي كبير. قفزة في الفراغ لا يمكن أن تنتج سوى المزيد من تأزيم الأوضاع وخلط الأوراق السياسية في البلاد التي تشاهد باندهاش ميلاد شعبوية أخرى مؤسسة على خليط ماركسي ديني عجيب . لكن، لماذا لا نفترض في التنظيمين الممانعين ، حسن النية والقبول بأن في تقاربهما خيرا ،يمكن أن يجعل منهما قوتين طبيعيتين في المجتمع، تنشطان في الحقل السياسي دون توجس من بطش السلطة ليتحررا من وهم أنهما القادران على إضعاف الأخيرة ، خاصة وأن “النهج ” يعمل في ظل الشرعية القانونية . لماذا لا يعد التقارب ضغطا أو رجاء من السلطة لترفع غطاء الحظر على جماعة “العدل والإحسان” ولو استعانت بمن يخالفونها في الملة والاعتقاد؟ إذا صدقت هذه الاحتمالات أو بعضها ، فستكون مجرة السياسة في المغرب قد خرجت فعلا عن مدارها المعتاد لتتراقص النجوم والكواكب والنيازك ؛ ما سيحفز الفلكيين السياسيين على نصب مناظيرهم الحساسة في محطات الرصد ….