بعض الوزراء لا يريحوننا من ألسنتهم ولا يرتاحون، والوزير سعيد أمزازي واحد منهم، فقد قفز فجأة إلى الواجهة بعد أن أخبره موقع “برلمانكم” أنه استسلم لنوم عميق، رغم أن المرحلة والقطاع يقتضيان كثيرا من العمل والجهد واليقظة. وعوض أن يطل علينا الوزير بحلول عملية لإصلاح التعليم، فضل أن تكون إطلالته “البهية”، هي الحديث عن بعض الإصلاحات الطفيفة في سلكي الدكتوراة والماستر؛ يعني أن الوزير إياه قلب المعادلة، وجعل الإصلاح يقفز بمظلة من الفوق. في حين أن المطلوب هو إصلاح التعليم الابتدائي أولا؛ لأنه يئن تحت وطأة البيداغوجية المتجاوزة، والمناهج الضعيفة، والاستغلال المفرط من عدة فاعلين؛ ومنهم القطاع الخاص. لكن الوزير أمزازي فاجأنا بما يبدو أنه تحدي ورغبة في التعجيز، في ظل العجز المسجل على ميزانية الدولة، وبالتالي فالوزير يقترح أمام اللجنة المعنية بالبرلمان منحه حوالي 3000 مليار لإصلاح التعليم، يعني بابا سعيد “بغا يكحل ليها وعماها”، وكما أنه أنزل الإصلاح بمظلة من الأعلى نحو الأسفل، فإنه ارتأى أيضا أن يحلق بأحلامه العريضة في سبع سماوات. فعوض أن يتحلى بالشجاعة، ويكشف لنا أين تبخرت ملايير التعليم؛ كي يعاقب المتورطين في تلك الفضائح المأساوية، فضل أن يغتنم الفرصة ويطالب بملايير أخرى بالرغم من أننا متأكدون بأن السيد الوزير اسمه أمزازي وليس “همزازي”. وعوض أن يطلعنا على منهجية لمواجهة اللوبي الذي أثقل أكتاف الآباء بفواتير قاهرة في تكاليف الدراسة، وفي ابتكار المناسبات المبالغ فيها قصد مزيد من الكسب، فضل أن يدير ظهره للعابثين بتعليمنا، ولم لا مادام أبناؤه يتابعون تعليمهم في مدارس ماما فرنسا؟ وعوض أن يكشف لنا سر عدم إدخال تكنولوجيا التدريس بالسبورات التفاعلية وباللوحات الإلكترونية، ارتأى أن يستمر الوضع على ماهو عليه ليوفر لشركات الورق والطباعة فرصا جديدة لاغتناء أكبر. وعوض أن يشهر في وجوهنا منهجيته القريبة الأجل؛ لإيقاف الاختلالات وتثمين المكاسب والنهوض بتعليمنا الأساسي، على الأقل كي نفهم أسرار تصنيف المغرب في الدرجات الدنيا، وهي الدرجات المخجلة عربيا وإفريقيا وعالميا، فضل الوزير اتباع نهج الذين سبقوه، وهو الاستفادة من الموقع الذي يوجد فيه “ولكل أجل كتاب”. لم يشر الوزير أمزازي في خطبه المتنقلة وتدخلاته المتعددة إلى تقارير إدريس جطو، وتشخيصاته المتعلقة بجملة من الاختلالات المتراكمة في قطاع التعليم، ولم يخبرنا كيف سيتعامل مع هذه التقارير، أو كيف سيجيب المجلس الأعلى للحسابات عن هذه التجاوزات والاختلالات والأمراض المتعفنة في جسدنا التعليمي. لقد فضل الوزير أمزازي أن يسلك أسلوب النعامة، ويخبئ رأسه داخل أحلامه المبالغ فيها، ويطلب مبالغ يعلم أنها غير متوفرة حاليا، وكأنه عقد العزم لبناء طرق معبدة فوق الماء، ويجعل منها جسرا لهجرة التلاميذ الصغار نحو أوروبا لتلقي التعليم الأولي على خطى الشباب الجامعي الذي كلما أتيحت له فرصة إلا وقفز نحو الجسر الآخر. لقد سبق أن قلنا إن التعليم في المغرب لن يعرف إصلاحا ما لم يكن وزير القطاع ووزير المالية، ورئيس الحكومة يتحلون بالإرادة والشجاعة الكافيتين، إضافة إلى روح الكفاءة وروح المواطنة. وها نحن نقولها معكم من موقع “برلمانكم” الذي يمتلك ما يكفي من الشجاعة كي يجهر بالحقيقة.