في موقف مريب وغريب، اتفقت أحزاب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري، وهي أحزاب من الأغلبية، على مساندة مرشح حزب معارض وهو حكيم بنشماش من الأصالة والمعاصرة. موقف كهذا أربك خطوات حزب آخر في المعارضة وهو حزب الاستقلال، الذي كان ينوي ترشيح عبد الصمد قيوح، لمنافسة حكيم بنشماش، فاضطر للتراجع عن ذلك، رغم مساندة العدالة والتنمية له، ذلك لأن أحزاب الأغلبية الثلاث، ضيقت الخناق عليه بقيادة الزعيم الجديد في المشهد السياسي عزيز أخنوش. والآن، نناشدكم الله أن تفسروا لنا معنى هذه المواقف التي تشبه المتاهة في ليلة مظلمة، فالحزب الذي يقود الأغلبية وهو العدالة والتنمية، ينشق عنها لينضم إلى حزب الاستقلال الموجود في موقع المعارضة، وهو أمر يمكن تفسيره بالتقارب في المرجعيات، وأحزاب التحالف الحكومي الأخرى، تنضم إلى حزب الأصالة والمعاصرة الموجود بدوره في المعارضة، لتسانده على هزم الاستقلال والعدالة والتنمية، في غياب تناغم مرجعي بين الاتحاد الاشتراكي وكل هذه الأحزاب. أمر آخر يدعو إلى التساؤل، هو أن عزيز أخنوش الذي يقود هذه العملية، ينحدر من نفس منطقة عبد الصمد قيوح، وكانا معا ينسقان سابقا في الانتخابات، لولا خلافات حصلت منذ سنتين تقريبا، بسبب التدبير المحلي في بعض الجماعات، وهنا يطرح سؤال آخر، هل نحن أمام موقف شخصي أم موقف سياسي؟ وأمام هذا الضعف الحزبي والسياسي والحكومي، يطفو على السطح موقف منتخبي الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي بدا واضحا أنه سينضم يوم الإثنين إلى جوقة الفريق المنشق على الحكومة، للتصويت على حكيم بنشماش، لأمر واضح وضوح الشمس في سماء زرقاء، وهو أن الباطرونا يقودها اليوم صلاح الدين مزوار، الذي كان بالأمس زعيما للتجمع الوطني للأحرار. فما هي الخلاصات التي يمكن أن نستخلصها في ظل هذه المسرحية البئيسة، التي تزحزح أركان الإصلاحات الحزبية، التي دعا إليها الملك، وهتف بها الشعب في الشوارع والطرقات وشبكات التواصل. أول خلاصة واضحة للعيان، هي أن الحكومة التي تدبر شأننا تعاني من صداع نصفي مزمن في رأسها وفي رقبتها، يشبه الشقيقة، وصداع كهذا يكون من أعراضه البارزة الأوجاع، والشعور الدائم بالغثيان، والخمول، والأوجاع الحادة، والتوثر، والاضطرابات العصبية، ولا تنفع معه المسكنات المرحلية. الخلاصة الثانية، هي أن المشهد الحزبي في المغرب، مصاب بدوره بأمراض نفسية خطيرة، يصعب تشخيصها على أمهر الأطباء النفسيين، ومن أعراضها ضعف الثقة بالنفس، والخوف على المواقع والمراكز، والإحساس بالاضطهاد، وتوقع الضربات المفاجئة من هذه الجهة أو تلك، والتواكل المزمن. ولكن الذي يخلط أوراق الأطباء المشخصين، أنه بينما تكون هذه الأحزاب مصابة بأحاسيس الاكتئاب والتدمر والإحباط، سرعان ما تنتابها نوبات من الصرع واضطرابات في السلوك، فتبرز لديها مشاعر مرحلية متناقضة أحيانا، وتتميز بالاندفاع والتصابي والتهور، بل تختلط أحيانا بمشاعر الإحساس بالعظمة وحب الذات، إلى درجة أن بعض زعمائها يتهمون أحيانا جهات أخرى بالحقد عليها، أو بالدفع بها نحو الإفلاس والمصير المجهول. الخلاصة الثالثة، هي أن الأحزاب التي تكون المشهد الحكومي والتركيبة البرلمانية، تتجاهل يقظة الشعب، وتتناسى ما فعله بها حين هجرها إلى حزب ذي مرجعية دينية، وكأنه بذلك يتوجه إلى الله كآخر وجهة، بل وتتناسى أنه قاطع منتوجات غذائية وخدماتية بسبب تحكم أصحابها في توجيه القرار السياسيي والاجتماعي. لكن أبرز ما يمكن استحضاره في هذه اللحظة التي نشعر فيها بخيبة أمل كبيرة، ستعمق لا محالة انعدام الثقة لدى المواطن المغربي في الأحزاب المشكلة للمشهد السياسي، هو أن ما يحدث اليوم من تلاعب بالأوراق والمشاهد، يأتي بعد ساعات فقط من الخطاب الملكي الذي افتتح به محمد السادس الدورة البرلمانية. فإما أن متزعمي هذه المسرحية البئيسة لم يستوعبوا الرسائل الملكية الكثيرة، وإما أنهم فهموها جيدا، لكنهم يتجاهلونها لغرض في نفس يعقوب.. وفي كلتا الحالتين، فإننا ننبه من يحتاج إلى تنبيه لأن الأمر خطير جدا، وتزداد خطورته حيث أن المواطن المغربي سيكتفي بالاستمرار في السخرية من هذا الواقع الحزبي المريب، بما يشبه سخريته من النواب الذين ظهروا في فضيحة سرقة الحلوى من مجلس النواب. فإذا كانت هذه الصور أساءت كثيرا لصورة المغرب، فإن مسرحية يوم غد ستسيئ أكثر، ما لم نستحضر إهانة الإعلام الذي طالما نبه إلى أوضاع مجلس المستشارين، وسوء تدبيره في عهد حكيم بنشماش. وأخيرا، حين عاد عزيز أخنوش إلى المشهد السياسي ليقود حزب التجمع الوطني للأحرار، قال عنه الكثير من ذوي النوايا الحسنة أنه سيكون قيمة مضافة، خاصة أنه “ولد الناس” وأنه “راجل مربي”، وأن الواقع السياسي في حاجة إلى أمثاله، لكن إلى حد اللحظة لا يعرف هؤلاء من يملي عليه أفكاره وخططه، التي قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، بل إنها تسيء إلى صورته وصورة حزبه، إن لم نقل أنها ستقبر طموحاته السياسية التي كادت مؤخرا أن تسقط في الهاوية.