لم تكن الخلافات بين عبد القادر اعمارة وشرفات أفيلال حبيسة جدران البيت الحكومي فحسب، فقد علم العادي والبادي والقاصي والداني، بأنها لم تكن مرتبطة بمخطط أو ببرنامج إعدادا أو تنفيذا، بقدر ما كانت خلافات “تافهة” وشخصية في ظاهرها ليس إلا. لكن ما يثير الغرابة أكثر في هذه المسألة هو ركون سعد الدين العثماني رئيس الحكومة للصمت، وعدم تدخله لوأد الخلاف بين اعمارة وبين أفيلال، وإخماد النيران التي اشتعلت في منطقة التماس بين صلاحيات الوزير الواسعة واختصاصات كاتبة الدولة المحدودة. وهذا ما جعل المتتبعين والرأي العام يتساءل عن سبب إحجام رئيس الحكومة على الحسم في الأمر قبل أن يطفو إلى السطح. وحتى وأنه انتظر كل هذه المدة التي تعد طويلة بحساب الزمن السياسي، فإنه سقط في خطإ فادح بحيث أنه وعوض معالجة مشكل لا يعدو أن يكون تقنيا بين المعنيين، فإنه تورط في مشكل سياسي أكبر مع حليفه التقدم والاشتراكية، وارتكب زلة قانونية وضعته في موقف حرج بخصوص وضعية أفيلال داخل حكومته. وكيف ما كانت أسباب نزول قرار حذف كتابة الدولة المكلفة بالماء من التشكيل الحكومي، فإن هناك احتمالا كبيرا أن يكون العثماني قد اتخذ قراره ليضرب عصفورين بحجرة واحدة، تقليص عدد حقائب حزب التقدم والاشتراكية نزولا عند مطلب بعض مكونات حكومته، التي اعتبرت نصيب هذا الحزب من كعكة التشكيل الحكومي أكبر من حجمه المفترض، من جهة، ومن جهة أخرى استفزاز نبيل عبد الله ورفاقه بعد أن لم يطلعهم على فحوى قراره من باب الاستشارة، أو من باب الإخبار حتى. وهذا ما تأكد من خلال تصريح بنعبد الله ل”برلمان.كوم“. وبالنظر إلى التحولات التي يشهدها حزب العدالة والتنمية بعد تولي سعد الدين العثماني مقاليد أمانته العامة خلفا لعبد الإله بن كيران، على مستوى إعادة بناء مواقفه ورسم معالم تحالفاته من جديد، يمكن النظر إلى قرار العثماني باعتباره إشارة سلبية لحزب التقدم والاشتراكية وإعلانا عن تغيير علاقة “المصباح” به التي كانت متينة واستراتيجية في عهد ابن كيران. ويبقى السؤال الذي يطرج نفسه وبإلحاح في انتظار أن تكشف المرحلة القادمة عن مزيد من التفاصيل هو: هل يتجه “البيجيدي” إلى “تصفية” تركة ابن كيران داخل حكومة العثماني؟ هذا مع العلم أن ابن كيران كان يشيد بأداء وزراء حزب “الكتاب” في أكثر من مناسبة.