يبدو جليا وبشكل واضح التنامي الذي يميز مظاهر التدين لدى شريحة واسعة من المغاربة في شهر رمضان الكريم، وذلك من خلال الإقبال الكثيف على المساجد خاصة لصلاة التراويح، والتزام كثيرات من النساء بغطاء للرأس، بالإضافة إلى الإقلاع عن عدد من الممارسات مثل التدخين أو شرب الخمر وغيرها من السلوكيات التي يتجاوزها عدد من المغاربة متقربين بذلك إلى الله عز وجل وإلى الفرائض. غير أن البارز في شهر رمضان والمنتشر بشدة عبر كل المدن المغربية، هي مظاهر التضامن الاجتماعي والتكافل التي تنخرط فيها المئات من الجمعيات الخيرية والتنسيقيات الشبابية، التي تظهر فقط خلال الشهر الفضيل، ويقدم شبابها على المشاركة في حملات دينية واجتماعية تضامنية، كما يسهرون على تقديم وجبات إفطار الصائم وتوزيع هذه الوجبات عبر الشوارع وعلى المحتاجين، كطريقة يحققون من خلالها التقرب الروحي إلى الله والتصالح مع الشعائر الدينية المتعددة. “برلمان.كوم” حاور الطالب الجامعي الشاب نوفل، حول اهتمامه بالجوانب الدينية والروحية من حياته في رمضان وحول السبب الكامن وراء ازدياد هذا الاهتمام الديني، فأكد أن ذلك ينمو عنده كلما حل شهر رمضان، إذ يجد نفسه مقبلا على الصلوات الخمس في حينها ناهيك عن التزامه بتأدية صلاة التراويح في فترتي العشاء والفجر، مشيرا إلى أن هذا لا تفسير واقعي له وأن كل ما يمكن أن يفسر به ارتباطه بالمسجد بشكل أكثر مما سبق هو “تخشعه في الصلاة وراء قراء مغاربة يصطف خلفهم بمختلف المساجد التي يمارس فريضته الدينية بها”، وأن هذه الأصوات يضيف المتحدث “تجلب عددا من الشباب من أبناء حيه الذين يبدو عليهم التحول الكبير في رمضان، وملازمة المسجد خاصة في صلاة التراويح”. التدين الموسمي خلال شهر رمضان الكريم بالمغرب أكثر من أي وقت آخر خلال السنة كاملة، قد يعتبر ظاهرة اجتماعية وصحية، تُقَوِّم ممارسات وسلوكيات عدد من أفراد المجتمع وفئاته، بحيث أن انتشار التكافل الاجتماعي والإقبال على المساجد يخفف من حدة الجريمة ويوفر لعدد كبير من الشباب المغربي، فضاءات يساهمون بها في عمليات توزيع الإفطار وتنظيف المساجد وخدمة المصلين، خاصة بالمساجد الكبرى المحيطة بالساحات الواسعة والتي يتطوع بها شباب من أجل وضع الزرابي على أرضية هاته الساحات ليتمكن المصلون من الصلاة خارج المساجد، ثم يعودون بعد انتهاء صلاة التراويح خاصة لجمع هذه الزرابي ووضعها بمكانها. المقاربة الاجتماعية لظاهرة التدين لدى المغاربة في شهر رمضان يوضح في إطارها المحاضر والمتخصص في علم الاجتماع بالمغرب محسن افطيط في تصريح خاص ل”برلمان.كوم” قائلا “نلاحظ أنه بالفعل هنالك تدين في شهر رمضان وأبرز مظاهره أن المساجد تمتلئ والعبادات تزداد، فمن الناحية الاجتماعية يعود هذا الأمر إلى مجموعة عوامل أهمها التمثلاث الاجتماعية لشهر رمضان؛ فالمواطن المغربي له تصورات حول هذا الشهر مصدرها ما هو ديني، كون أن هذا الشهر مقدس وهو للمغفرة، وأيضا تصورات مستمدة من الحقل الاجتماعي، وترتبط في “الاعتقاد أننا في رمضان لا يمكننا الصوم دون الصلاة”. وأبرز المتحدث “أنه من خلال الدراسة الميدانية التي يمكن أن نجريها على عدد من المغاربة فإنه سيتضح أنهم يعتقدون أن صيامهم باطل بدون صلاة، وهذا يبرز نوعا من التمثل المقلوب والذي يطغى فيه الاجتماعي على الديني بهذا الفهم”. وأضاف المتحدث أنه “إذا قارنا بين أركان الإسلام الخمس فإن الصيام يحرز قدسية تتجاوز حتى الصلاة بعينها، وهذا ما يترجم المعتقد الاجتماعي؛ والدليل أنه بالوسط الذي نعيش فيه قد نتسامح مع فرد لا يصلي، لكن من المستحيل أن يكون التسامح مع من يفطر رمضان، في حين أن الصلاة هي عماد الدين والأولوية، وبالتالي فقدسية شهر رمضان النابعة من تمثلات اجتماعية جعلت هذا الشهر تكثر فيه العبادات لهذه الأسباب”. وبخصوص التكافل والتضامن خلال شهر رمضان، يؤكد افطيط أن “مظاهر التضامن الاجتماعي والتكافل خلال شهر رمضان، انخفضت مقارنة مع سنوات مضت، حيث أن ظاهرة تقديم الإفطار للمحتاجين وللطلبة وللزائرين بالمجتمع المغربي، لم يعد بالشاكلة التي كان عليها، وأصبح الإفطار في المجتمع المغربي ذا طابع “سياسي” يتخلله شيء من الجانب الديني، من خلال موائد الإفطار التي قد تنظمها مؤسسات مدنية متنوعة، والتي تخدم من خلالها أجندات سياسية، وهنا يطرح السؤال إن كان هذا التدين هل هو تدين نافع وروحي، أم أنه خاضع بالضرورة للأبعاد والمتغيرات الاجتماعية؟”.