مع إطلالة كل رمضان تتوجه شريحة واسعة من المجتمع المغربي إلى التردد غير المعهود على المساجد، والالتزام ببعض العادات المقترنة بالتمثلات الإسلامية، تماشيا مع الجو الروحاني الذي يفرضه الشهر الكريم، حيث تعمر المساجد، خاصة في صلاة التراويح، ويقلع البعض عن التدخين، فيما تلجأ النساء إلى ارتداء "اللباس المحتشم"، أو "الحجاب". التقارير الدولية تؤكد تدين المغاربة بنسب عالية، ومن بينها تقرير معهد "غالوب الدولي" الأمريكي الذي صنف المملكة ضمن الدول ال5 الأوائل عالميا الأكثر تدينا، بوصفه 93% من المغاربة بكونهم متمسكين بالإسلام، إلا أن البعض يرى في ارتفاع التمثلات والتمظهرات الدينية خلال شهر رمضان، نوعا من الانفصام في الشخصية، أما آخرون فيرونه محاولة جدية للارتباط بالدين خلال "شهر تصفيد الشياطين". "إلهام ب"، ربة بيت من سلا، تقول إنها لا تتشدد في ارتداء غطاء الرأس خلال شهر رمضان، خاصة في فترة الصلاة والتراويح، مضيفة أنها عادة تلقنتها منذ الصغر من طرف الأسرة.. "عائلتي محافظة بطبعها، ونحن نحترم رمضان وكل العبادات، ورغم عدم اقتناعي مرحليا بالحجاب إلا أني أرتديه في عدد من المناسبات الدينية بما فيها الصلاة" تورد ذات المتحدثة ضمن تصريحها لهسبريس. أما فؤاد الشمالي، بصفته خطيبا بمسجد في سلا، فقد اعتبر أن اللجوء إلى ارتداء الحجاب خلال شهر رمضان ظاهرة تتعدد أسبابها بين ما هو ديني واجتماعي، موردا أن الشق الديني يعود لما يتميز به الشهر الفضيل من مزايا حددتها أحاديث نبوية، من قبيل حديث "أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ مِرَدَةُ الشَّيَاطِين". ويرى الشمالي، ضمن تصريح لهسبريس، أن الحديث النبوي دلالة على أن دواعي الشر تقل خلال شهر رمضان بينما دواعي الخير تكثر، وهو ما يبرز ارتفاع تردد الناس على العبادات والتخلي عن بعض المعاصي، مشيرا إلى أن "باب التوبة يبقى مفتوحا أكثر وبالتالي فإن النساء اللواتي يتحجبن في رمضان يأتي بدافع ديني ودليل على توفرهن على نصيب من الإيمان". ويضيف فؤاد، وهو أيضا داعية، أن هناك إكراها اجتماعيا يجعل إقبال المرأة المغربية على ارتداء الحجاب يكثر في رمضان، ويقول: "المجتمع يرفض على المرأة الحشمة والوقار الزائد لاعتبار قدسية الشهر"، كما يورد أن نية المرأة تختلف في ذلك الشأن.. "إذا وضعت الحجاب توبة في رمضان فهذا أمر إيجابي، على أن عددا من الناس يتوجهون إلى إصلاح ذاتهم ومنهم من يبقى على هذا الحال ما بعد رمضان.. كمن لا يصلي ومن يدخن" وفق تعبيره. ويردف الشمالي: "من كان غرضها الخوف من الناس، توقيرا لهم حتى لا تؤثر على شهوة الرجال، فإن سلوكها سلبي عليها وليس فقط على المجتمع"، مشددا على أن "تحجب النساء مفيد للمجتمع بصفة عامة بغض النظر عن نيتها.. لكن لا يجب أن تتحجب للناس بل يجب أن تعبد رب الناس". أما الباحث في الشأن الديني عبد الخالق بدري فنبه، ضمن تصريح لهسبريس إلى دراسات قامت بها بعض المراكز العلمية الدولثة، منها مركز مسح القيم العالمي في ستوكهولم بالسويد، الذي أقر في دراسته بتدين 98% من المغاربة عقديا، "لكنهم وجدوا أن نسبة مهمة منهم تخالف التدين على مستوى السلوك"، معتبرا أن هذه النتيحة تثير علاقة المغاربة بالتدين وتمثله في الواقع. ويرى الباحث ضمن مركز القيم التابع للرابطة المحمدية للعلماء، أن عودة الناس، بمن فيهم المغاربة، إلى بعض مظاهر التدين "توجها كبير إلى الطهرانية" بحسب وصفه، معبرا عن رفضه لمن يصف هذا التردد الموسمي على الدين في رمضان بالنفاق الاجتماعي، "بل هي عوظة طبيعية لمعانقة الدين من جديد". ويضيف بدري أن ارتفاع حالات التدين في رمضان، خاصة على مستوى بعض الشعائر الدينية كالصلاة والحجاب، دليل على مركزية تلك الشعائر والمعتقدات، "نرى أن الرجل حين يكون فوضاويا في الشارع حين يدخل للمسجد يصير مهذبا.. وقد يكون في حال قبل رمضان لكنه يتحول إلى شخص متزن وخلوق أثناءه"، معتبرا أن المجتمعات العربية والإسلامية تتصالح مع الدين "لكنها مسألة وقت فقط".