يحمل شهر رمضان وطقوسه المميزة أجواء بهجة لدى فئات المجتمع المغربي، لكن أجواء هذا الشهر تتخللها بعض المظاهر المثيرة والسلوكيات المنغصة لدفئه، وهو ما يثير ردود فعل متباينة لدى فئات المجتمع والخبراء ايضا. تقاليد رمضانية راسخة في المجتمع المغربي تتباين سلوكيات أفراد المجتمع المغربي خلال شهر رمضان، فإذا إذا كان بالنسبة للبعض شهرا للمغفرة والثواب وصلة الأرحام بين العائلات، وكذلك لترسيخ العادات والتقاليد المغربية. فالبعض الآخر لا يتأقلم مع الأجواء والطقوس الرمضانية، فتطفو على السطح العديد من الظواهر التي لا تتناسب وهذا الشهر، ومنها مثلا"الترمضين" الذي يقصد به في المغرب الإنفعال والتوتر الذي يبدو على بعض الصائمين خلال شهر رمضان. " الترمضين " ينغص صفو يوم الصيام مع بداية كل رمضان يكثر استعمال مصطلح "الترمضين" وهي كلمة مغربية تعني النرفزة وهي حالة عصبية يتسم بها سلوك الصائم خلال يوم الصيام، ومن مظاهرها الخصومات في الشوارع و أماكن العمل وأثناء السياقة وحتى في المساجد في بعض الأحيان. ورغم أن النظرة السائدة في المجتمع لظاهرة "الترمضين" كسلوك يُسيء للأجواء الروحانية وللأخلاق والآداب العامة، فهو سلوك منتشر في أوساط شرائح مختلفة من المجتمع خلال شهر رمضان. ويتسبب الترمضين في عدد من حوادث السير لاسيما في الفترة التي تسبق وقت الإفطار. ويوضح نور الدين بازين، كاتب صحافي، أن "الترمضين" حالة نفسية تصيب بعض الأشخاص في يوم الصيام، وأن المشهد يتكرر كل يوم في الشوارع والأسواق، وخصوصا في الأحياء الشعبية. أما الباحث الاجتماعي حسن القرنفل فيقول " في السابق كان الترمضين يخص الأشخاص الذين يدخنون السجائر مثلا، أما اليوم فالترمضين يهم كذلك الذين يتناولون المخدرات وتظهر عليهم علامات واضطرابات الخطيرة في السلوك، الأمر الذي يجعل الترمضين يأخذ أبعادا مضاعفة". وفضلا عن زيادة عدد الذين تبدو عليهم علامات"الترمضين" في شهر رمضان، يلاحظ الباحث الاجتماعي تغييرات في سلوكات المغاربة، خصوصا فيما يتعلق بوجبات الفطوروالسحور، حيث حصل تنوع في الطبخ المغربي نتيجة دخول أطباق جديدة من مطابخ عالمية، لكنه لاحظ وجود اختلاف في طرق الاستهلاك وتنظيم يوم الصيام، وأوضح" في السنوات الأخيرة صار العديد من المغاربة يمارسون الرياضة في شهر رمضان ولا سيما في الفترة التي تسبق موعد الإفطار من أجل قضاء من الوقت في أمور مفيدة" . هواتف نقالة داخل المساجد ويحج الآلاف من المصلين إلى المساجد بعد الإفطار من أجل صلاة التراويح، حتى أن البعض منهم لا يجد مكانا داخل المسجد ويفضل الصلاة خارجه حتى لا يفوت الفريضة، ومسجد القاضي عياض لا يستثنى من هذه القاعدة، فهو أحد الجوامع المعروفة في مدينة الدارالبيضاء، لهذا فمنى، 25 سنة، تفضل أداء فريضتها في هذا المسجد الذي يسهر على تنظيمه العديد من الأفراد الذين يقومون بتوجيه المصلين بنظام إلى الأماكن المخصصة لذلك. من جهتها تُعرب مُنى عن أسفها من بعض التصرفات في المساجد كتسابق النساء من أجل الحصول على الصفوف الأمامية أو استغلالهم فرصة تجمعهم في الجامع من أجل تبادل أطراف الحديث. وتضيف منى "تكثر في شهر رمضان مظاهر التدين عند النساء والرجال، حتى أن هناك من يفطر في المسجد لكي يضمن مكانه جنب الإمام". عادل بدوره يؤكد نفس الكلام، ويضيف أن الهاتف النقال يشكل أكبر مصدر للإزعاج خلال أداء الصلوات، فبالرغم من تأكيد الإمام على ضروة تعطيله عند الدخول إلى المسجد، فعدد كبير من المصلين يردون داخل المسجد على مكالماتهم الهاتفية غير عابئين بالأجواء القدسية التي تحيط مكان العبادة. ويضيف" ألاحظ هذه السنة أن تنظيم المساجد أفضل من السابق، كما أن المساجد تظل مفتوحة بين الصلوات، لكن ما يزعجني هو كثرة الباعة على أبوابها". مهن رمضانية قبل موعد الإفطار بساعتين أو ثلاث، تدب في الشوارع المغربية حركة غير عادية، فالكل في سباق مع الزمن من أجل تحضير وجبة الفطور، بين من يسارع من أجل تحضيره في البيت، وبين من يقتني كل ما يلزمه من الخارج. ولتلبية الطلب المتزايد على الفطائر والحلويات المغربية خلال هذا الشهر، يظهر العديد من الباعة من بينهم رجال ونساء يستغلون هذا الشهر لكسب بعض الدراهم كما توضح "س" التي تبيع "البغرير" و"والمسمن" –أنواع من الفطائر المغربية التي تستهلك بكثرة خلال هذا الشهر- في أحد الأزقة بمدينة الدارالبيضاء. وتقول "س" بهذا الخصوص " أبيع 12 بغريرة ب 8 دراهم، -أقل من أورو- ويشتري من عندي موظفات وربات بيوت يفضلون الحصول عليه جاهزا بدلا من اعداده في البيت، خصوصا اذا كانوا سيستقبلون الضيوف في بيتهم" وأوضحت هذه المرأة الأربعينية أن الدخل الشهري (شهر رمضان) يوفر لها قدرا من المال سيساعدها على تلبية طلبات أبنائها عند الدخول المدرسي المقبل. ويوضح نور الدين بازين أن انتشار مهن عديدة خاصة بشهر رمضان مرده بالخصوص الى ارتفاع نسبة البطالة، ولهذا فلا يقتصر صنع هذه الفطائر على النساء والمهمشات والأرامل، بل يتعدى ذلك إلى رجال عاطلين عن العمل على حد تعبير الكاتب الصحفي الذي يضيف قائلا " يقوم هؤلاء بعمل يستحيل على الأسر الميسورة القيام به وعلى بعض الذين يستحيل عليهم تحضير الفطور في البيت". ويمتد قت الذروة بالنسبة لهؤلاء الباعة من صلاة العصر إلى دقائق معدودة قبل آذان المغرب، وفي تعليقه على ظاهرة انتشارالمهن الرمضانية يقول الباحث الاجتماعي حسن قرنفل "هذه الظاهرة في المغرب ناتجة عن ما يسمى باقتصاد الظل، الذي ما يزال يتخذ مكانا كبيرا في النسيج الاقتصادي المغربي، فمثلا بعد أيام قليلة سيكون الدخول المدرسي وسنلاحظ تحول الكثير من الأشخاص الذين كانوا يزاولون المهن الرمضانية إلى ممارسة تجارة مرتبطة ببيع الكتب". ورغم تباين الآراء في أوساط المجتمع المغربي للظواهر المتنوعة التي تتزامن مع شهر رمضان، بما فيها الظواهر السلبية، فإنهم يتفقون حول اعتبار شهر رمضان مصدر بهجة وسرور للقلوب ويكون فرصة لتغيير روتين الحياة خلال العام بأكمله. * ينشر بموجب اتفاقية شراكة مع DW عربية