المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدستور المغربي لسنة 2011 وحق تقديم العرائض- دراسة مقارنة لحق تقديم العرائض بين التجارب الدولية والتراكم المغربي
نشر في برلمان يوم 29 - 05 - 2014


رشيد لزرق
ينص الدستور الجديد للمملكة على مجموعة من المقتضيات الجديدة لفائدة جمعيات المجتمع المدني، حيث تضمن دستور 2011 مساهمة الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، ويعد حق تقديم العرائض من ابرز هذه الحقوق التي تحاول إشراك المجتمع المدني وترسيخ الديمقراطية التشاركية . سنحاول رصد التراكم الذي حصل في مجال تقديم العرائض عبر التعرض للمفهوم و التحولات التي عرفها و محاولة قراءة المكانة التي حضي بها في الدستور المغربي 2011.
اكتسب حق تقديم العرائض كحق دستوري مع الثورة الفرنسية لسنة 1789 كوسيلة قانونية تمكن الأفراد و المجتمع المدني من التواصل مباشرة مع السلطات العمومية قصد إبداء تظلماتها و منح المواطن دورا ايجابيا في الحياة السياسية ، من خلال تمكين المواطن من التواصل مع السلطات العامة بشكل ايجابي، وبات اليوم يشكل هذا الحق دعامة قوية في بناء دولة القانون.
فكيف ظهر هذا الحق؟ و هل يمكن تمييزه عن الدعوى كإجراء قضائي؟
تقديم العرائض في المملكة البريطانية
عرفت الممارسة حق تقديم العرائض في النظام البريطاني القائم على الأعراف الدستورية الذي تكرس وبات تابثا اليوم ، مع إعلان الميثاق الأعظم سنة 1215 ، والذي أقر حق تقديم العرائض للملك، إذ تم تعيين مجموعتان من الأشخاص من قبل الملك مهمتهم تلقي العرائض : مجموعة مكلفة بتلقي العرائض و اخرى تتولى دراستها و إحالتها على السلطة المختصة.
في عهد الملك ادوارد الثالث تم سن تشريع ينص على عدم السماح بتوقيف أي شخص بسبب عرائض أو ملاحظات أبداها في مجلس الملك، بحيث تولى الملك الاستماع للعرائض المقدمة من طرف الأشخاص الذين يتظلمون عنده و يحيلهاإلى لسلطات المختصة، وبات الافراد الذين يعترضهم مشكل لم يتطرق له المشرع يتولون تقديم عرائض بشأنها للبرلمان من اجل ملء الفراغ التشريعي.
لعب مجلس العموم في القرن الرابع دورا هاما في تكريس حق تقديم العرائض في مجلس العموم ، ويتولى المجلس مهمة دراستها و إحالتها على مجلس اللوردات من اجل التقرير في موضوع العريضة مرفقة برأيه بالسلب او الإيجاب، على ان يعود القرار النهائي للملك في موضوع العرائض.
سنة 1669 أكد مجلس العموم البريطاني ان حق تقديم العرائض متاح لكل شخص في المملكة البريطانية ،فبات بإمكان أي فرد إعداد العرائض و تقديمها لمجلس العموم بشأن تظلم وقع عليه، على أن يتولى المجلس تلقي العرائض و دراستهامن خلال تحديد موضوعها و طبيعتها لاصدار حكم فيها بالقبول او الرفض.
تم التاكيد على هده الممارسة في عهد الملك جاك الثاني إذ أصدر سنة1687 اعلانا يسمح بحرية اقامة الشعائر الدينية، هذا الاعلان رفض البرلمان المصادقة عليه فأمر الملك رئيس الاساقفة بتفعيل الاعلان و قراءته جهرا على المنابر، غير ان رئيس الاساقفة رفض هو وستة من مساعديه القيام بذلك من خلال عريضة تقدموا بها للملك تتضمن الرفض ، فعمل الملك على احالتهم الى هيئة محلفين ، غير ان الهيئة برئتهم بدعوى انهم استعملوا حقهم الطبيعي ، و خلد هذا الحدث بلوحة لازالت في البرلمان في ويستمنبر. و هذا الحدث اسس بشكل فعلي للوجود حق تقديم العرائض .
إن الثورة البريطانية لسنة 1688 و التي جاءت بالملك وليام وزوجته للعرش البريطاني و اللذان وقعها قانون الحقوق سنة 1689 بموجب هذا القانون تم تقييد السلطات الملكية في بريطانيا بوضع الأسس الدستورية للسلطة التنفيذية ،و الاعتراف بحق تقديم العرائض بشكل خاص ، لكن ذلك عرف تحولا سنة 1787 أسس لحق تقديم العرائض ذات طابع عام أي المواضيع التي تهم المصلحة العامة كإلغاء العبودية.
عرفت هذه الفترة كثرة العرائض ، الامر الذي حتم وضع نظام قانوني يحدد مسطرة تقديمها
و لقد تكرس نظام تقديم العرائض في بريطانيا، بحيث لازال الى حدود اليوم نظام تقديم العراض لمجلسي العموم و اللوردات وفق اجراءات مسطرية تحدد طريقة التقدم بعرائض و إحالتها على الوزارة المختصة.
تقديم العرائض في فرنسا
خلافا لما يذهب له بعض الباحثين، فنظام تقديم العرائض كان حاضرا في فرنسا قبل الثورة الفرنسية كحق معترف به و لكن في شكل عريضة تظلم او شكوى شخصية لا تتطرق الى المصلحة العامة او سياسية الى الملك أو سلطات المختصة.
إلا أن تكريسها كحق مضمون تم إرسائه على يد رجال الثورة من خلال إقرار حق تقديم العرائض بموجب المادة 62 من المرسوم الصادر في 14 دجنبر 1789 و المتعلق بتشكيل البلديات ، بمقتضاه سمح للمواطنين الفرنسيين بالحق في التجمع بدون سلاح ، من اجل كتابة العرائض ، على شرط ان يبلغ بذلك مأمور البلديات، و ان لا ينتدب المواطنون أكثر من عشرة أشخاص لتقديم العرائض. تم صدر مرسوم اخر في 18- 22 مايو 1791 ينص على ان حق تقديم العرائض لايمكن تفويضه أو استعماله بشكل جماعي ، حيث نص دستور 1793 في الباب الأول على أن : للمواطنين الحرية بان يراسلوا الى السلطات المؤسسة عرائض موقعة بشكل فردي كما نصت المادة 32 من حقوق الانسان و المواطنة سنة 1793 على حق تقديم العرائض بشكل مطلق و غير محدد بتنصيصها على الاتي: ان حق تقديم العرائض الى القائمين على السلطات العامة لا يمكن منعه او تعليقه او تحديده باي شكل ، غير ان الملاحظ هو ان دستور الجمهوية الخامسة لم يمنح حق تقديم العرائض نفس الاهمية ، فاكتفى بالتنصيص على ذلك الحق النظم الداخلية لكل من مجلس الشيوخ و الجمعية العامة.
المنظمات الدولية و حق تقديم العرائض:
لقد نص ميثاق الامم المتحدة في المادة 87 ب في المادة 24 و 32 من نظام منظمة العمل الدولية، و في البروتكول الاختياري الملحق بالميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية على حق تقديم العرائض من المادة 1 الى المادة 5
كما نص النظام الداخلي للبرلمان الاوربي بشكل تفصيلي لشرط ممارسة حق تقديم العرائض ، حيث مكن جميع مواطني السوق الاروبية المشتركة من ممارسةهذا الحق ؛ و نصت المادة 56 من النظام الداخلي للجمعية الاستشارية لمجلس اوربا بتنصيصها في معاهدة الوحدة الاوربية بمسترخت سنة 1992 و جاءت كالتالي: كل مواطن في الاتحاد و كل شخص طبيعي او معنوي مقيم و له مركز قانوني في دولة عضو، له الحق بشكل فردي او جماعي بتقديم عريضة للبرلمان الاوربي حول موضوع يدخل في مجال نشاط المجموعة الاوربية و يتعلق بها بشكل مباشر.
بتتبع الدساتير الاوربية نجد حق تقديم العرائض في الدستور البلجيكي بالمادة 21 و الدستور الاسباني في المادة 29 و الدستور الايطالي المادة 50 و دستور لوكسمبورغ المادة 27 و الدستور اليوناني المادة 10 و الدستور البرتغالي المادة 52 و الدستور الالماني المادة 17 و الدستور الهولندي المادة 5
حق تقديم العرائض و الدعوى
إن حق تقديم العرائض يتلاقى مع حق التقاضي ،الامر الذي يوجب تحديد نقط التمايز بين هذان الحقان الدستوريان .
و الحال أن الفقه اختلف في تحديد مضمون التقاضي فقد عرفه Garson et cesar Bru هو ” الحق المقرر لكل انسان بمراجعة السلطات القضائية للحصول على حق مغتصب فيما ذهب الاستاذ Solus الى تعريفه بأنها ” السلطة القانونية المخولة الى شخص للجوء الى القضاء بقصد حماية حقه و الحال فان تعريف الاستاذMorelللدعوى بكونها وسيلة قانونية يمكن للشخص بواسطتها من اللجوء إلى المحاكم للحصول على اعتراف بقوله : أن “الدعوى هي وسيلة قانونية يمكن للشخص بواسطتها من اللجوء الى المحاكم للحصول على اعتراف بقوله ” ان الدعوى هي وسيلة قانونية يمكن للشخص بواسطتها من اللجوء الى المحاكم للحصول على اعتراف بحقه، و عند الاقتضاء لصيانة هذا الحق” .
مما تقدم يمكننا استخلاص النتائج الآتية:
حق تقديم العرائض هو وسيلة قانونية Voie de droit يستطيع بواسطتها صاحب الحق اللجوء إلى السلطات التشريعية أو التنفيذية، و يتميز عن الدعوى التي هي أيضا وسيلة قانونية و لكن يستطيع بموجبها صاحب الحق من اللجوء للسلطات القضائية الممثلة في المحاكم لحماية حقه.
حق تقديم العرائض منحه الدستور للمواطنين من أجل للدفاع عن حقوقهم بعد ان حرمهم من اقتضاء حقوقهم بانفسهم ، اما تقديم الدعوى فهو حق منحه القانون لجميع الأشخاص سواء كانوا مواطنين او اجانب للدفاع عن حقوقهم عن طريق القضاء وقد يسمح للافراد حماية حقوقهم بانفسهم بصورة استثنائية و في بعص الحالات كحق الحبس مثلا.
تقديم العرائض حق وواجب وطني يتوجب على كل فرد ان يباشره شخصيا و لايجوز ان يفوض غيره، لأنه لا يجوز التفويض إلا في المسائل التي يعجز الشخص على ممارستها ، أما مراجعة القضاء عن طريق الدعوى فهو امراختياري متروك الى صاحب الحق، الذي يتمتع بالحرية المطلقة بمراجعة المحاكم او عدم مراجعتها لتأكيد حقه او المطالبة به.
لكن هناك من يرى أن مباشرة الدعوى من طرف الشخص المعتدى على حقوقه هي واجب و ليس حق ، لأن المدعى عندما يقدم الدعوى لا يحاول حماية حقوقه فحسب بل يدافع عن حقوق المجتمع الذي لا يمكن ان يسود فيه العدل و يصبح مجتمعا سليما الا اذا دافع كل فرد فيه عن حقوقه و في هذا الدفاع تنفيذ للقانون. وفق هذا الرأي هناك تقارب بين العرائض و تقديم الدعوى ، فلكل واحد منهما أساس لتحقيق العدالة في المجتمع عن عن طريق تفعيل الحقوق و الدفاع عنها . والتمييز هنا يكون على اساس الوسيلة، اذ ان العريضة يتم تقديمها أمام جميع السلطات ، أما الدعوى فينحصر تقديمها إلى القضاء.
تختلف العريضة عن الدعوى المدنية أو الدعوى الادارية من حيث المصلحة ، فموضوع العريضة قد يتضمن اداعاءا بحدوث ضرر الى مصلحة الشخص المقدم للعريضة او الادعاء بحدوث ضرر للمصلحة العامة، فهي بمثابة واجب وطني، و هذا يجعلنا نقترب كثيرا من الدعوى الشعبية ،بحيث يستبعد شرط المصلحة الخاصة. اما الدعوى ، فتشترط ان تكون للمدعي مصلحة في مباشرة الدعوى، لان المصلحة هي موضوع الدعوى، و المحاكم لم تحدث لإعطاء استشارات قانونية للمتداعين . فدون شرط المصلحة لا يمكن للمدعي ولوج القضاء ، ويجب ان تكون المصلحة شخصية و مباشرة و قانونية قائمة .
و الحال أن في القانون الإداري هناك نزاع في ضرورة وجود المصلحة كأساس لقبول دعوى إلغاء قرار اداري غير مشروع ،و قد أجاز القضاء الإداري المغربي بأن مكن لكل مواطن ان يعترض قرار و ان لم تكن له مصلحة مباشرة.
و مما سبق فان الفرق بين حق تقديم العرائض و الدعوى يتجلى في أن:
حق تقديم العرائض حق لكل مواطن، بموجبه يتمكن من تقديم تظلماته أمام السلطة التشريعية أو أمام رئيس الدولة أو أمام الوزارة المعنية ،و هذا الحق يمنح للمواطنين الحاملين للجنسية و كل مواطن مجبر على ممارسته بنفسه ، إعمالا للمبدأ الذي يقضي بأن المواطن لا يفوض إلا الحقوق التي لا يستطيع ممارستها . أما الدعوى فهي مقررة لكل فرد في الدولة بغض النظر ان كان مواطنا حاملا للجنسية أم اجنبيا إذا لحقه ضرر من قبل السلطة او من قبل أي شخص أي كان و لا يعرض إلا أمام القضاء.
تراكمات التجربة المغربية في تقديم العرائض ما قبل دستور 2011
استقرت النخب الوطنية على المطالبة بالاستقلال… فعرضت الفكرة على الملك المغفور له محمد الخامس “فتحمس لها وقال: إن الوقت قد حان للمطالبة بالاستقلال.. وتقررت فكرة المطالبة بالاستقلال معه”. وعرض عليه بعد ذلك نص الوثيقة فوافق عليه،حررت العريضة وعُرضت على الملك فوافق عليها وحدد موعد تقديمها في 11 يناير 1944، واتجهت الوفود الاستقلالية إلى القصر الملكي والإقامة العامة والمفوضية الأمريكية والإنجليزية. كان عدد الموقعين 58. 4/3 من المثقفين الذين ينتمون في معظمهم إلى البورجوازية المتوسطة إلى جانبهم بعض التجار الأغنياء: 8 تجار وصناعيين، 5 فلاحين أو ملاكين عقاريين، 6 موظفين ، 4 قضاة، 7 من أعضاء المهن الحرة، 10 علماء، 18 من سلك التعليم.
وعلى إثر التدهور العام الذي عرفته الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد وانعدام الضمان الديموقراطي الذي لا يمكن بدونه تحقيق حكم سليم متجاوب مع رغبات وطموحات الجماهير، اتفقت إرادة حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية على إنشاء الكتلة الوطنية التي أعادت وحدة الفكر الوطني وأُعلن عنها يوم 22 يوليوز 1970. وقد سجلت هذه الخطوة مواقف هامة على الساحة الوطنية والدولية وشددت في الدعوة إلى عودة المؤسسات التمثيلية وجددت وعي الشعب بضرورة عودة الديموقراطية وسيادتها. إلا أن الكتلة لم تعمر طويلا نظرا للانقسام الذي حصل في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والذي أسفر عن ميلاد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وفي سنة 1991، قدم حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي عريضة مشتركة إلى جلالة الملك الحسن الثاني للمطالبة بإصلاحات سياسية ودستورية لتصحيح الديموقراطية وإخراج البلاد من الأزمة، وتعزيز العمل المشترك من أجل إقرار “ديموقراطية حقة” بتأسيس الكتلة الديموقراطية سنة 1992 وهي نفس السنة التي عرفت عرض دستور جديد على الاستفتاء، غير أنه على الرغم من بعض الإيجابيات التي اشتمل عليها هذا الدستور اعتبرتها أحزاب الكتلة غير كافية.
على إثر انتخابات 1993 و 1994،رفضت الكتلة تشكيل حكومة يتواجد فيها وزير الداخلية إدريس البصري).
وواصلت أحزاب الكتلة الديموقراطية الجهود لتحقيق إصلاحات سياسية ودستورية جوهرية تؤدي للانتقال إلى مرحلة الممارسة الديموقراطية السليمة وتفتح المجال لتداول السلطة. وفي هذا الصدد، قدمت الكتلة عريضة إلى جلالة الملك سنة 1996، فعرض جلالته مشروع دستور جديد على الاستفتاء في شتنبر من نفس السنة يستجيب لبعض الاقتراحات المقدمة من طرف أحزاب الكتلة. ورغبة في تجاوز المسألة الدستورية، دعت هذه الأحزاب إلى التعامل بإيجابية مع المشروع الجديد كموقف سياسي وليس كموقف إزاء بنود الدستور ذاته. وتبعا لذلك، أجريت سنة 1997 الانتخابات الجماعية والمهنية والتشريعية قبل أوانها.
أعلن المغفور له الحسن الثاني في افتتاح البرلمان المنبثق عن انتخابات 1997 عزمه على تكليف شخصية من المعارضة بتشكيل الحكومة وفي 4 فبراير 1998 أسند هذه المهمة إلى شخصية من الكتلة الديموقراطية هو الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي السيد عبد الرحمان اليوسفي الذي اتجه إلى تكوين أغلبية من الخريطة البرلمانية القائمة.
حيث تضمن التصريح الحكومي الذي ألقاه الوزير الأول في يوم 13 يناير 2003 عن عزمه على إعداد مؤسسة الوسيط و عرضها على المؤسسة التشريعية و على مجلس الوزاري وردت في الجزء الثاني المخصص للإصلاحات السياسية.
” إنشاء منصب الوسيط، الذي يختص بتسليم تظلمات المواطنين، فيحقق فيها ويرفع تقريرا سنويا إلى جلالة الملك ثم ينشر في الجريدة الرسمية.”
أصدر جلالة الملك الحسن الثاني ظهيرا في 09 دجنبر 2011 نص على أنه ” تحدث بجانب جلالتنا الشريفة مؤسسة تسمى ” ديوان المظالم” مكلفة بتنمية التواصل بين كل من المواطنين أفرادا و جماعات و بين الإدارة أو أي هيئة تمارس صلاحيات السلطة العمومية و بحتها عن الالتزام بضوابط سيادة القانون و الإنصاف.
الدستور المغربي لسنة 2011 و نطاق تطبيق حق تقديم العرائض
إن الإطار العام الذي حكم صياغة مشروع الدستور يختلف جذريا عما كان عليه الأمر بالنسبة إلى الدساتير السابقة التي تحكمت فيها طبيعة الصراع السياسي بين الملك والمعارضة، فطيلة حكم الملك الراحل الحسن الثاني، كان الهاجس الأساسي هو توفير ما يكفي من الضمانات الدستورية والسياسية للنظام الملكي في محيط إقليمي ودولي يعج بالثورات والانقلابات العسكرية؛ وفي ظل صراع مع معارضة، لم تفلح أساليب القمع والاستبداد في إضعافها أو تصفيتها. لهذا، ورغم المراجعات الدستورية التي تمت خلال حكم الملك الحسن الثاني، حافظت الملكية على طبيعتها التنفيذية المطلقة وهيمنت على كل المجالات دون أن تترك للأحزاب والمؤسسات الدستورية هامشا من المناورة لتمرير النزر اليسير من الإصلاحات المرغوبة. فالدساتير المغربية المتلاحقة لم تنص على حق تقديم العرائض و ذلك راجع إلى تأثر الدستور المغربي بدستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958 غير أن دستور 2011 تنبه لأهمية هذا الحق و نص في الفصل15″للمواطنات والمواطنين الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية.
ويحدد قانون تنظيمي شروط و كيفيات ممارسة هذا الحق.”
لقد أوكل الدستور للمغاربة الحق بمخاطبة جميع السلطات في الأمور الشخصية او تلك التي لها علاقة بالشؤون العامة ، و اذا كانت قدرة ممارستها الزامية بالنسبة لحق تقديم العرائض على وجه التخصيص، فقد ترك الأمر للقانون التنظيمي لكي يحدد كيفية ممارسة هذا الحق.
من خلال نص الدستور في الفصول 13و 14و 15 يتبين أن حق الفرد في تقديم العرائض يكون في ثلاث محاور: الأول فردي بالفصل 15، و الثاني له دور سياسي الفصل 14 و الثالث يقدم انه يمكن تقديمه إلى جميع السلطات العمومية بدون استثناء.
1- حق تقديم العرائض حق فردي عام:
لقد جاء الفصل 15 “للمواطنات والمواطنين الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية.
ويحدد قانون تنظيمي شروط و كيفيات ممارسة هذا الحق.”
أ‌- ملاحظات على التنصيص:
v الملاحظة الأولى: إن صياغة للمواطنين و المواطنات يطرح السؤال معه هل العريضة يجب ان تكون جماعية أم تقبل العريضة الفردية؟ .
الدستور الفرنسي لسنة 1791 اتجه لان تكون العرائض المقدمة جماعية و كذلك الدستور الامريكي لسنة 1987.
و هنا نعود للفصل 146 الذي نص على “….. تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل 139، من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات،”
في التنصيص على المواطنات و المواطنين نرى أن المشرع الدستوري ذهب في اتجاه ينسجم مع الحقوق التي كرسها دستور 2011 ،إذ ان تقديم العرائض بشكل فردي هو تجسيد لأشكال حرية الفكر و يشبه بالذات حرية الصحافة ، و استعمال العرائض بشكل جماعي يشبه حق الاجتماع .
v الملاحظة الثانية: ان تنصيص المشرع الدستوري في الفصل 13
“تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها.”
و في الفصل 139″ تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها.“
يُمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله.
قد جعل السلطات الحكومية ملزمة بخلق مكاتب لتلقي شكاوي المواطنين التي يكون موضوعها إساءة معاملة ، و لتجنب التعقيدات و الإجراءات البيروقراطية الغير قانونية تنزيلا للدستور الذي أقر مبدأ المساواة و تكافؤ الفرص تقوية للدعائم الديمقراطية كاختيار بات دستوريا .
ان عبارة للمواطنين و المواطنات لا يمكن الأخذ بها بشكل مطلق و التي يجب ان تستثني الأشخاص الذي منع عنهم حق الاقتراع . المنصوص عليها في المادة 5 و 6 من مدونة الانتخابات.
ب – الاستثناءات التي ترد على الأصل في حق تقديم العرائض :
لكل أصل استثناء ، كذالك الشأن بالنسبة لتقديم العرائض ، هنا نعود إلى المواد 5 و 6 الذي تطرق لحالا ت المنع من القيد في اللوائح الانتخابيةحيث جاءت هاته المواد كتالي:
المادة 5 :لا يمكن أن يقيد في اللوائح الانتخابية :
– 1العسكريون العاملون من جميع الرتب ومأمورو القوة العمومية (الدرك والشرطة والقوات المساعدة) وسائر الأشخاص المشار إليهم في الفصل 4 من المرسوم رقم 1465-57-2 الصادر في 15 من رجب 1377 (5 فبراير 1958) بشأن ممارسة الموظفين الحق النقابي ، حسبما وقع تغييره بالمرسوم الملكي رقم 66-010المؤرخ في 27 من جمادى الآخرة 1386 (12 أكتوبر 1966) ؛
– 2 المتجنسون بالجنسية المغربية خلال السنوات الخمس التالية لحصولهم عليها ما لم يرفع عنهم هذا القيد وفق الشروط المقررة في الفقرة الأخيرة من الفصل 17 من الظهير الشريف رقم 250-58-1 الصادر في 21 من صفر 1378 (6 سبتمبر 1958) المعتبر بمثابة قانون الجنسية المغربية ؛
– 3الأفراد المحكوم عليهم نهائيا بإحدى العقوبات الآتية :
أ) عقوبة جنائية ؛
ب) عقوبة حبس نافذة كيفما كانت مدتها أو عقوبة حبس مع إيقاف التنفيذ لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر من أجل جناية أو إحدى الجنح الآتية :
السرقة أو النصب أو خيانة الأمانة أو التفالس أو شهادة الزور أو تزوير الأوراق العرفية المتعلقة بالتجارة أو البنوك أو الوثائق الإدارية أو الشهادات أو صنع الأختام أو الطوابع أو طوابع الدولة أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو تبديد أموال القاصرين أو اختلاس الأموال العمومية أو التهديد بالتشهير أو الغذر أو السكر العلني أو انتهاك الأعراض أو القوادة أو البغاء أو اختطاف القاصرين أو التغرير بهم أو إفساد أخلاق الشباب أو المتاجرة بالمخدرات.
ج) عقوبة حبس نافذة لمدة تتجاوز ستة أشهر من أجل الجنح الآتية :
الزيادة غير المشروعة في الأثمان أو الادخار السري للمنتجات أو البضائع أو الغش في بيع البضائع والتدليس في المواد الغذائية والمنتجات الزراعية أو البحرية ؛
د) عقوبة حبس لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر دون إيقاف التنفيذ أو عقوبة حبس لمدة تتجاوز ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ من أجل أي جريمة غير الجرائم المشار إليها في البندين (ب) و(ج) أعلاه باستثناء الجنح المرتكبة عن غير عمد بشرط ألا تقترن بجنحة الفرار ؛
– 4الأفراد المحرومون من حق التصويت بموجب حكم قضائي خلال المدة المحددة في هذا الحكم ؛
– 5الأشخاص الصادرة عليهم أحكام جنائية غيابية ؛
– 6المحجور عليهم قضائيا ؛
– 7الأشخاص الذين طبقت في حقهم مسطرة التصفية القضائية ؛
– 8الأشخاص المحكوم عليهم بالتجريد من الحقوق الوطنية ما لم يستفيدوا من عفو شامل أو يسترجعوا حقوقهم الوطنية بعد انصرام المدة المحكوم عليهم بها.
المادة 6 :
لا يجوز للأشخاص المحكوم عليهم بإحدى العقوبات المشار إليها في البنود (ب) و(ج) و(د) من المادة 5 أعلاه أن يطلبوا قيدهم في اللوائح الانتخابية إلا بعد انصرام خمس سنوات من تاريخ قضاء العقوبة أو تقادمها أو من التاريخ الذي أصبح فيه الحكم نهائيا إذا تعلق الأمر بعقوبة موقوفة التنفيذ وذلك دون إخلال بالحالات التي يحكم فيها بالحرمان من حق التصويت لمدة أطول.
لانه ليس من المعقول السماح لهؤلاء ممارسة حق تقديم العرائض في حين حضر عليهم ممارسة حق الانتخاب . و الغرض من ذلك بالنسبة لحملة السلاح هو إبعادهم عن الانغماس في الشؤون العامة لان ممارسة حق تقديم العرائض يتعارض مع طبيعة وظائفهم لكون ممارستها و نشرها يمكن ان يعرض امن البلاد للخطر .
إن هذا الحرمان ينبغي التخفيف منه بالنسبة للأشخاص الحاملين للسلاح إذا تعلق الامر بأحد من أصوله او فروعه أو زوجته و كان هذا الشخص هو المكلف الوحيد برعايتهم ، او كانت المصلحة موضوع العريضة لا تمت لوظيفته بصلة.
و ان كنا نرى انه يبغي ان يخفف هذا الحرمان وذلك بالسماح لحملة السلاح ان يتقدموا بعرائض تتعلق بأحد أصولهم او فروعهم أو زوجته ، ففي فرنسا هناك سوابق في قبول عريضة من عسكري حيث قدم عريضة سنة 1915 إلى مجلس الشيوخ موضعها طلب المساعدة الاجتماعية لحماية من قبل الجهة التي تتولى مساعدة المسنين، قبلت اللجنة المختصة في مجلس الشيوخ العريضة و إحالتها المجلس الى وزير الداخلية ؛ كا نص الفصل 15 جاء بصيغة “للمواطنين و المواطنات” أي انه لم يضع قيود تشمل الجنس غير ان هذا اللفظ هل يمكن ان لا يشمل الأشخاص المحرومون من الحقوق السياسية إما بسبب الأهلية و الأشخاص المقبوض عليهم او المحكوم عليهم بالتحريم من الحقوق السياسية و المدنية غير أن هؤلاء لا يجب حرمانهم من حق تقديم عرائض التماس العفو من الحكم.
لقد اتجه الفقيه روس بالقول: إلى اعتبار حق تقديم العرائض يمكن ممارسته من قبل النساء الكادحات، ومن قبل الأشخاص المحكوم عليهم بالحرمان من الحقوق المدنية ، لا بل يمكن القول أن هذا الحق يمكن تقريره للأشخاص الذين حكم عليهم بالموت المدني.
الدور السياسي للعرائض :
للعرائض دور سياسي كبير ، و يتضح ذلك في الرقابة على الحكومة و في التشريع بطريقة غير مباشرة بحيث تقوي مجال الرقابة على السلطة التنفيذية ، أيفي ممارسة وظيفتها السياسية، أو في ممارسة وظيفتها الرئيسية المتمثلة في التشريع .
لقد تزامن الإقرار بحق تقديم العرائض مع تبني مبدأ سيادة الأمة و النظام البرلماني و إقرار حق العرائض بمفهومه الحديث، فحق تقديم العرائض يشكل أساسا للحكومة المنبثقة عن البرلمان لكونه يحصن النظام البرلماني من سلبياته . على اعتبار أن هذا الحق يشكل حماية للحرية و ضمانة للشطط في استعمال السلطة ، و هو بدلك مبدأ دستوري ضد الاستبداد ، لان المصلحة الشخصية تقف سدا يقظا و تتولى إبلاغ السلطات العامة بكل عمل تحكمي أو إجراء غير قانوني ، ويتيح الفرصة أمام البرلمان لممارسة الرقابة القانونية . التي هي أهم ادوار البرلمان.
إن العرائض مند وجودها لعبت دورا سياسيا لكونها تمنح للفرد إمكانية التواصل مع السلطات العامة و في مقدمتها السلطة التشريعية، و بالرجوع للتجربة الفرنسية في مجال تقديم العرائض نشير إلى أن منذ تشكيل أول برلمان فرنسي 1791 بدأت العوارض التي تهتم بالشؤون العامة ترد على الجمعية الوطنية. وبعد رجوع الحكم الملكي سنة 1814 منح الدستور حق تقديم العرائض للبرلمان و بمقتضى تلك العرائض يتوجب على المجلس النيابي بطلب من الوزير المعني بموضوع العريضة الإجابة على العرائض المتعلقة بقطاعه، وباتت العرائض آلية للاستجواب رغم أن الدستور لم ينص صراحة على هذه الالية .
من خلال الفصل 14 اتجه المشرع الدستوري لجعل العرائض تقوم بدور سياسي عبر إتاحته الفرص اما المواطنين و المواطنات الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع. فبتقديم عريضة للمجلس النيابي تتضمن تظلما من النصوص القانونية المعمول بها، لكونها تشكل مسا بالمصلحة الخاصة او العامة ، او تتضمن حاجة المجتمع الى تنظيم شأن من شؤونه بشكل قانوني ، و تبنت مجموعة من أعضاء البرلمان موضوع تلك العريضة ، و تقدمت باقتراح قانون معدل للنصوص المعمول بها ، للمناقشة و التصويت و هذا العمل يجسد نوعا لممارسة السيادة السياسية ،غير انه لا يجب ان يفهم من خلال ما تقدم ان هناك خلطا بين الدور السياسي الذي تقوم به العريضة و بين حق الاقتراع العام في الديمقراطيات شبه الشعبية . ففي سويسرا تمارس السيادة السياسية من قبل الشعب بشكل مباشر ، اما في الديمقراطيات غير المباشرة فهي آلية غير مباشرة .
و بالرجوع للتجربة الفرنسية ووفق ما جاء في PETTION NO 4682 فان هناك سوابق في هذا المجال، حيث تسنى للمجالس النيابية ان تلقت طلبات من اجل تعديل نصوص تشريعية ، كتلك التي قدمت الى مجلس الشيوخ الفرنسي موضوعها تعديل القانون رقم 82- 213 الصادر في 2 مارس 1983 بغية تطبيق ذالك القانون على المناطق الواقعة فيما وراء البحار ، و قد قبلت تلك العرائض و تمت مناقشتها من قبل المجلس و من تم أحيلت على اللجنة المختصة، التي أحالتها بدورها بعد دراستها إلى المجلس الحكومي.
ان تنصيص الدستور المغربي على تقديم العرائض يسير في اتجاه تقوية المشاركة السياسية و عنصرا تقوية للمؤسسات في القيام بدورها و لكن بشكل غير مباشر و هذا يسير في اتجاه الممارسة القائم في بريطانيا ، خول للادارت الترابية و المؤسسات العمومية و الشركات التجارية و الافراد العاديين ان يتقدموا للبرلمان بعرائض تتضمن اقتراحات بقوانين تتعلق بالمصالح الخاصة.
العرائض تقدم للمؤسسات العمومية
لقد خول الدستور المغربي للمواطنين و المواطنات تقديم العرائض و ألزم السلطات العمومية بإحداث هيئات للتشاور ، الهدف منها إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعين في إعداد السياسة العمومية و تفعيلها وتنفيذها وتقييمها. وفق ما هو منصوص عليه في الفصل 13 غير انه ترك للقانون التنظيمي تحديد كيفية ذلك .
كما تم التنصيص مند التصدير أن المملكة المغربية ” وفاءا لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.”
و يعني هذا أن للمواطن الحق بالتقدم بمطالبه وملاحظاته او شكواه مكتوبة ، دون تقييد ذلك بشروط تتعلق بموضوع العريضة، غير ان ذلك ينبغي أن يخضع لضوابط تنظم استعمال هذا الحق و من خلال الرجوع للتراكم الذي أفرزتهالتجارب البرلمانية في هذا المجال، التي تقوم على فصل مرن للسلطات .
نستنج مما سبق أن هناك ثلاث ضوابط للقبول بالعريضة.
Ü ينبغي للمقدم العريضة أن ا يستنفد وسائل الطعن للمطالب بالحق
Ü احترام مبدأ توزيع السلطات بين السلطات العامة .
Ü خضوع العريضة لإجراءات شكلية و موضوعية .
1- ينبغي لمقدم العريضة أن يستنفد وسائل الطعن للمطالب بالحق:
ينبغي أن يسمح أمام الهيآت التي صدر عنها الفعل الضار إزالة الضرر الذي لحق بالمصلحة الشخصية لمقدم العريضة، أو بالمصلحة العامة ، لذلك على مقدم العريضة أن يكون قد استنفد كافة الوسائل التي يقررها التشريع للمحافظة على مصالح المتضرر قبل أن يلجأ لتقديم العريضة.و إن صدر الفعل عن هيئة قضائية يجب أن يسلك مقدم العريضة كل وسائل الطعن من الاستئناف و النقد.
لا تقبل العرائض موضوعها قضايا يبث فيها القضاء ، سواء كان القضاء العادي أو تلك التي يهم موضوعها الطعن في قرار إدراي إلا إذا استنفدت جميع وسائل الطعن المتاحة للمواطن للحصول على حقه، لان قبول العرائض يشكل تدخلا من الهيئة التشريعية في القضاء و هذا الأمر في تناقض مع فصل السلطات المنصوص عليه في الفصل 1 من الدستور الفقرة الثانية التي نصت على أن
” يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة و التشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.”وهنا يمكن الإشارة انه في حالة إذا تعذر على الفرد اللجوء إلى المحاكم، أو لم تكن هناك محاكم مختصة في هاته الحالة يسمح له أن يستعمل حقه في تقديم العرائض.
2- احترام مبدأ توزيع السلطات بين السلطات العامة:
احتراما للمبدأ فصل السلط، وتوزيع الاختصاص بين السلطات العامة داخلة الدولة ، لا يحق لأي سلطة أن تقبل عريضة تتدخل في عمل القضاء إذا صدر حكم حائز على حجية الشيء المقضي به. إذ نص الدستور في الباب السابع على استقلالية السلطة القضائية.
كما لا يسمح للبرلمان التدخل في أعمال الإدارة الصادرة عن السلطة التنفيذية ، أما النشاط الذي رسخه الاجتهاد القضاء الإداري و المعروف باسم أعمالالسيادة فهذا النوع من الأعمال يخضع إلى رقابة البرلمان. بحيث إذا تم تقديم عرائض تتعلق بنشاط السلطة التنفيذية كأعمال الإدارة ، فعلى رئيس المجلس إحالتها على اللجنة المكلفة داخل المجلس أو إلى اللجان الأخرى في حالة إحالة العريضة على اللجنة المختصة التي تنظر في مشروع أو موضوع له صلة بتلك العريضة. و بعد دراستها تحيلها إلى الوزير المشرف على القطاع ، الذي هو ملزم بأن يخبر المجلس بما تم التوصل إليه في العريضة موضوع الطلب.
إن الحكومة كسلطة تنفيذية هي بدورها ملزمة باحترام مبدأ فصل السلطات و أن تقتصر على ممارسة السلطات التنفيذية و لا تتدخل بنشاطات السلطتين التشريعية و القضائية.
3- خضوع العريضة لإجراءات شكلية و موضوعية
إن هذا الشرط ضروري لقبول العريضة من اجل ضمان جدية موضوع العريضة، فإذا ظهر أن حق تقديم العرائض كحق فردي عام ، فانه يمكن ممارسته من قبل جميع الأفراد، لكن ينبغي وجود حد ادني من الشروط الشكلية . و إذا استعمل كحق له طابع سياسي فان شروط قبول هذه العريض تلحق بالحقوق السياسية .
لذلك يتوجب عدم قبول العرائض التي تضم أمورا عامة أو غير محددة أو وهمية أو التي تصدر عن شخص متهور .
أ‌- الشروط الشكلية
أن تكون العريضة حاملة لتوقيع مقدمها أو مقدميها ، تتضمن المعلومات الكافية الاسم و العنوان و المهنة و مكان الإقامة و بطاقة التعريف الوطنية…
ب‌- الشروط الموضوعية
* أن لا تتضمن العريض مساس بالاحترام الواجب للملك او البرلمان أو القضاء أو الوحدة الترابية أو الدين الإسلامي كثوابت للمملكة.
* ان يوضح النظام الداخلي لمجلسي البرلمان اللجنة صاحبة الاختصاص الأصلي للنظر في العر ائض.
من خلال اطلاعنا على القانون الداخلي للمجلس النواب يبدو أن المشرع يتجه إلى منح الاختصاص لمجلس المستشارين بحيث لم ينصص على تقديم العرائض.
* إعطاء رئيس كل مجلس الحق بان يأمر بحفظ العرائض التي لا تكون مستوفية للشروط الشكلية أو الموضوعية .
إن الحق مسؤولية و لهذا لا ينبغي أن يكون حق تقديم العرائض حقا بشكل مطلق بدون ضوابط بل وجب وضع ضوابط قانونية و كافة الشروط.
إن الحكومة الحالية من خلال التصريح الحكومي تطرقت في مجال الحقوق و الحريات لحق تقديم العرائض ، إذ جاء في تصريح الأستاذ بنكيران أن الحكومة ” تعتبر أن تنزيل – الدستور- يتطلب سياسة عمومية مندمجة تنطلق من رصد توصيات و مقاربات هيئة الإنصاف و المصالحة و تقرير الخمسينية ، ستعمل على ترسيخ الحريات و الحقوق و الواجبات و المواطنة المسؤولة ، خاصة ما يهم تدعيم المساواة بين الجنسين و السعي على تحقيق مبدإ المناصفة و إرساء هيئة خاصة بها و مكافحة كل أشكال التمييز ، و تبسيط و تسهيل إجراءات تسهيل الجمعيات و الإسراع في اعتماد القانون التنظيمي الخاص بشروط و كيفيات ممارسة الحق في التشريع و تقديم العرائض للسلطة العمومية”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.