ينص الدستور الجديد للمملكة على مجموعة من المقتضيات الجديدة لفائدة جمعيات المجتمع المدني، حيث تضمن دستور 2011 مساهمة الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، ويعد حق تقديم العرائض من ابرز هذه الحقوق التي تحاول إشراك المجتمع المدني وترسيخ الديمقراطية التشاركية . سنحاول رصد التراكم الذي حصل في مجال تقديم العرائض عبر التعرض للمفهوم و التحولات التي عرفها و محاولة قراءة المكانة التي حظي بها في الدستور المغربي 2011. اكتسب حق تقديم العرائض كحق دستوري مع الثورة الفرنسية لسنة 1789 كوسيلة قانونية تمكن الأفراد و المجتمع المدني من التواصل مباشرة مع السلطات العمومية قصد إبداء تظلماتها و منح المواطن دورا ايجابيا في الحياة السياسية ، من خلال تمكين المواطن من التواصل مع السلطات العامة بشكل ايجابي، وبات اليوم يشكل هذا الحق دعامة قوية في بناء دولة القانون. فكيف ظهر هذا الحق؟ و هل يمكن تمييزه عن الدعوى كإجراء قضائي؟ * تقديم العرائض في المملكة البريطانية عرفت الممارسة حق تقديم العرائض في النظام البريطاني القائم على الأعراف الدستورية الذي تكرس وبات ثابتا اليوم ، مع إعلان الميثاق الأعظم سنة 1215 ، والذي أقر حق تقديم العرائض للملك، إذ تم تعيين مجموعتين من الأشخاص من قبل الملك مهمتهم تلقي العرائض : مجموعة مكلفة بتلقي العرائض و اخرى تتولى دراستها و إحالتها على السلطة المختصة. في عهد الملك ادوارد الثالث تم سن تشريع ينص على عدم السماح بتوقيف أي شخص بسبب عرائض أو ملاحظات أبداها في مجلس الملك، بحيث تولى الملك الاستماع للعرائض المقدمة من طرف الأشخاص الذين يتظلمون عنده و يحيلها إلى السلطات المختصة، وبات الافراد الذين يعترضهم مشكل لم يتطرق له المشرع يتولون تقديم عرائض بشأنها للبرلمان من اجل ملء الفراغ التشريعي. لعب مجلس العموم في القرن الرابع دورا هاما في تكريس حق تقديم العرائض في مجلس العموم ، ويتولى المجلس مهمة دراستها و إحالتها على مجلس اللوردات من اجل التقرير في موضوع العريضة مرفقة برأيه بالسلب او الإيجاب، على ان يعود القرار النهائي للملك في موضوع العرائض. سنة 1669 أكد مجلس العموم البريطاني ان حق تقديم العرائض متاح لكل شخص في المملكة البريطانية ،فبات بإمكان أي فرد إعداد العرائض و تقديمها لمجلس العموم بشأن تظلم وقع عليه، على أن يتولى المجلس تلقي العرائض و دراستها من خلال تحديد موضوعها و طبيعتها لإصدار حكم فيها بالقبول او الرفض. تم التأكيد على هذه الممارسة في عهد الملك جاك الثاني إذ أصدر سنة1687 إعلانا يسمح بحرية إقامة الشعائر الدينية، هذا الإعلان رفض البرلمان المصادقة عليه فأمر الملك رئيس الأساقفة بتفعيل الإعلان و قراءته جهرا على المنابر، غير أن رئيس الأساقفة رفض هو وستة من مساعديه القيام بذلك من خلال عريضة تقدموا بها للملك تتضمن الرفض ، فعمل الملك على إحالتهم إلى هيئة محلفين ، غير ان الهيأة برأتهم بدعوى انهم استعملوا حقهم الطبيعي ، و خلد هذا الحدث بلوحة لازالت في البرلمان في ويستمنبر. و هذا الحدث اسس بشكل فعلي للوجود حق تقديم العرائض . إن الثورة البريطانية لسنة 1688 و التي جاءت بالملك وليام وزوجته للعرش البريطاني و اللذان وقعها قانون الحقوق سنة 1689 بموجب هذا القانون تم تقييد السلطات الملكية في بريطانيا بوضع الأسس الدستورية للسلطة التنفيذية ،و الاعتراف بحق تقديم العرائض بشكل خاص ، لكن ذلك عرف تحولا سنة 1787 أسس لحق تقديم العرائض ذات طابع عام أي المواضيع التي تهم المصلحة العامة كإلغاء العبودية. عرفت هذه الفترة كثرة العرائض ، الأمر الذي حتم وضع نظام قانوني يحدد مسطرة تقديمها و لقد تكرس نظام تقديم العرائض في بريطانيا، بحيث لازال الى حدود اليوم نظام تقديم العراض لمجلسي العموم و اللوردات وفق اجراءات مسطرية تحدد طريقة التقدم بعرائض و إحالتها على الوزارة المختصة. * تقديم العرائض في فرنسا خلافا لما يذهب له بعض الباحثين، فنظام تقديم العرائض كان حاضرا في فرنسا قبل الثورة الفرنسية كحق معترف به و لكن في شكل عريضة تظلم او شكوى شخصية لا تتطرق الى المصلحة العامة او سياسية الى الملك أو السلطات المختصة. إلا أن تكريسها كحق مضمون تم إرساؤه على يد رجال الثورة من خلال إقرار حق تقديم العرائض بموجب المادة 62 من المرسوم الصادر في 14 دجنبر 1789 و المتعلق بتشكيل البلديات ، بمقتضاه سمح للمواطنين الفرنسيين بالحق في التجمع بدون سلاح ، من اجل كتابة العرائض ، على شرط ان يبلغ بذلك مأمور البلديات، و ان لا ينتدب المواطنون أكثر من عشرة أشخاص لتقديم العرائض. تم صدر مرسوم اخر في 18- 22 مايو 1791 ينص على ان حق تقديم العرائض لايمكن تفويضه أو استعماله بشكل جماعي ، حيث نص دستور 1793 في الباب الأول على أن : للمواطنين الحرية بأن يراسلوا الى السلطات المؤسسة عرائض موقعة بشكل فردي كما نصت المادة 32 من حقوق الانسان و المواطنة سنة 1793 على حق تقديم العرائض بشكل مطلق و غير محدد بتنصيصها على الاتي: ان حق تقديم العرائض الى القائمين على السلطات العامة لا يمكن منعه او تعليقه او تحديده بأي شكل ، غير ان الملاحظ هو ان دستور الجمهوية الخامسة لم يمنح حق تقديم العرائض نفس الاهمية ، فاكتفى بالتنصيص على ذلك الحق النظم الداخلية لكل من مجلس الشيوخ و الجمعية العامة. * المنظمات الدولية و حق تقديم العرائض: لقد نص ميثاق الاممالمتحدة في المادة 87 ب في المادة 24 و 32 من نظام منظمة العمل الدولية، و في البروتكول الاختياري الملحق بالميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية على حق تقديم العرائض من المادة 1 الى المادة 5 كما نص النظام الداخلي للبرلمان الاوربي بشكل تفصيلي لشرط ممارسة حق تقديم العرائض ، حيث مكن جميع مواطني السوق الاروبية المشتركة من ممارسة هذا الحق ؛ و نصت المادة 56 من النظام الداخلي للجمعية الاستشارية لمجلس اوربا بتنصيصها في معاهدة الوحدة الاوربية بمسترخت سنة 1992 و جاءت كالتالي: كل مواطن في الاتحاد و كل شخص طبيعي او معنوي مقيم و له مركز قانوني في دولة عضو، له الحق بشكل فردي او جماعي بتقديم عريضة للبرلمان الاوربي حول موضوع يدخل في مجال نشاط المجموعة الاوربية و يتعلق بها بشكل مباشر. بتتبع الدساتير الاوربية نجد حق تقديم العرائض في الدستور البلجيكي بالمادة 21 و الدستور الاسباني في المادة 29 و الدستور الايطالي المادة 50 و دستور لوكسمبورغ المادة 27 و الدستور اليوناني المادة 10 و الدستور البرتغالي المادة 52 و الدستور الالماني المادة 17 و الدستور الهولندي المادة 5 .