يعد مشروع الدستور المغربي الجديد الذي سيعرض على الاستفتاء في الأول من يوليو/تموز المقبل منعطفاً ديمقراطياً كبيراً في الدول العربية عموماً والمغرب خصوصاً، ولبنة غير مسبوقة في تكريس بناء صرح الدولة الحديثة الضامنة لكرامة مواطنيها واستقرار مؤسساتها. وأطلق العاهل المغربي مبادرته المهمة والتي يتوقع أن تشكل النموذج الذي ستحتذي به أنظمة أخرى في المنطقة بوصفها جزءاً من رغبته في تكثيف الجهود للخروج بقوانين ترضي طموحات الشعب المغربي. وجاءت مسودة الدستور الجديد نتيجة للحوار الوطني الذي شمل جميع القوى السياسية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها بالإضافة إلى ممثلي المجتمع المدني. ويحدد الدستور الجديد صلاحيات الملك بشكل واضح فيما يمنح رئيس الحكومة الذي سيكون منتخباً ووزراءه صلاحيات واسعة وينص على إحياء البرلمان واستقلال القضاء وإنشاء مؤسسات للحكم الرشيد مع منح المحافظات استقلالها الإداري والمالي. وعد مراقبون الدستور الجديد بأنه جريء وطموح؛ جريء لأنه لم يتردد في تغيير هيكل الدستور الحالي وإنهاء كل القضايا والمسائل التي كانت تعد من المحرمات، وطموح لأنه يخطط لمغرب المستقبل ويعده لمواجهة تحديات الألفية الجديدة. ويحسم الدستور الجديد سؤال الهوية المغربية بحكمة ودون تعقيد. ويؤكد أن المغرب دولة إسلامية ذات سيادة متشبثة بوحدتها الترابية وفاعلة ضمن المجموعة الدولية. وينص على أن الاسلام دين الدولة التي تضمن للجميع حرية ممارسة الشعائر الدينية، وعلى تكريس الأمة المغربية لوحدتها على التنوع المستمد من روافدها التي رسخت هويتها العربية والأمازيغية والحسانية والصحراوية الافريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية، وكذا على تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار من أجل التفاهم بين مختلف الحضارات الانسانية. ويشكل المشروع الجديد اعترافاً دستوريا بحقوق المواطنين المقيمين بالخارج، بما في ذلك الحق في الانتخاب والتمثيلية وفي المساهمة في تنمية وتقدم بلدهم الأصلي، خاصة مع دسترة مجلس الجالية المغربية بالخارج كمؤسسة تسهر على مصالح هذه الجالية. على الصعيد اللغوي، تم ترسيخ مكانة اللغة العربية كلغة رسمية والتنصيص على وسائل النهوض بها، واعتبار الامازيغية لغة رسمية الى جانب العربية مع الاحالة على قانون تنظيمي يحدد كيفيات ادماجها في التعليم وفي القطاعات ذات الاولوية في الحياة العامة . ويكرس النص الجديد سياسة لغوية وثقافية فاعلة ومتناسقة تروم الحفاظ على اللغات الوطنية والرسمية والنهوض بها وتشجيع تعلم اللغات الأجنبية التي تتيح الانفتاح والانخراط في مجتمع المعرفة، وخاصة من خلال إحداث مجلس أعلى للغات والثقافة المغربية. كما ينص مشروع الدستور على فصل مرن ومتوازن للسلط وعلى سمو الدستور الذي تخضع له كل السلط بدون استثناء مع امكانية لجوء أي مواطن له أهلية التقاضي الى الطعن في دستورية القوانين. وينص على سمو القانون، الذي هو التعبير الأسمى عن إرادة الأمة، وعلى مساواة جميع المواطنات والمواطنين أمامه. ويؤكد المشروع على انتخاب ممثلي الشعب داخل الهيآت المنتخبة الوطنية والترابية بالاقتراع العام المباشر وبشكل تكون فيه الانتخابات الحرة النزيهة والشفافة أساس الشرعية والتمثيلية الديمقراطية، وعلى مبدأ الربط بين ممارسة المسؤوليات والمحاسبة. وينص المشروع أيضاً على اعتماد تنظيم ترابي يرتكز على اللامركزية والجهوية المتقدمة ويتيح تحويلا مهما للاختصاصات من المركز الى الجهات وعلى آليات جديدة للديمقراطية المباشرة تتمثل في الحق في المبادرة التشريعية بما يتيح للمواطنات والمواطنين الحق في تقديم مقترحات في المجال التشريعي، وعرائض الى السلطات العمومية سواء على المستوى الوطني أو الجهوي. يؤكد المشروع على تكريس الملكية المواطنة الضامنة للخيارات الأساسية للأمة والتي تتولى مهام السيادة والتحكيم الأسمى وذلك من خلال تحديد سن رشد الملك في 18 سنة إسوة بكل المواطنين المغاربة وتخويل رئاسة مجلس الوصاية لرئيس المحكمة الدستورية مع تمكين رئيس الحكومة من عضوية هذا المجلس، وكذا من خلال التنصيص على أن شخص الملك لا تنتهك حرمته وعلى الاحترام والتوقير الواجب لشخصه. كما يكرس مشروع الدستور تمييزاً بين صلاحيات الملك بصفته أميراً للمؤمنين (رئيس المجلس العلمي الأعلى الهيئة الوحيدة المؤهلة لاصدار فتاوى رسمية) وبين صلاحياته بصفته رئيس الدولة. إضافة الى ذلك يكرس النص الجديد مبدأ انبثاق الحكومة عن برلمان منتخب وتخويل رئيسها سلطة تنفيذية فعلية، ويجعل من البرلمان مؤسسة قوية ذات صلاحيات واسعة تشمل ممارسة السلطة التشريعية والتصويت على القوانين، ومراقبة الحكومة وتقييم السياسات العامة. ويعتبر الدستور الجديد الحكومة مسؤولة أمام مجلس النواب غير أنه يمكن لرئيس الحكومة حل هذه الغرفة بمقتضى مرسوم صادر عن مجلس وزاري. وللملك، كسلطة تحكيمية، صلاحية حل مجلسي البرلمان أو أحدهما فقط وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان ورئيس المجلس الدستوري. كما ينص مشروع الدستور الجديد على تكريس سلطة قضائية مستقلة وفقاً للمعايير المتعارف عليها عالمياً. وعلى صعيد الحقوق والحريات، يؤكد المشروع على نبذ كل أشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين أو الثقافة أو الأصل الاجتماعي أو الإقليمي أو بسبب اللغة أو الإعاقة. وينص على اعتبار المواثيق الدولية كما صادقت عليها المملكة، وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية، أسمى من القانون الوطني، وعلى النهوض بمنظومة من الحقوق والحريات في مستوى المجتمعات الديموقراطية المتقدمة تشمل الحق في الحياة وفي سلامة الأشخاص والممتلكات وتجريم التعذيب وكل الخروقات الجسيمة والممنهجة لحقوق الانسان وتكريس قرينة البراءة والحق في المحاكمة العادلة وضمان الحقوق الأساسية في مجال الاعتقال والحراسة النظرية وحماية الحياة الخاصة والاتصالات مهما كان شكلها وحريات الفكر والرأي والتعبير وحرية الصحافة والحق في الوصول الى المعلومة. وينص الدستور على حرية الاجتماع والتجمع والتظاهر السلمي والجمعيات والانتماء النقابي والسياسي. ويتضمن أيضا مقتضيات لتوسيع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، منها الحق في العلاجات الطبية، والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والحق في تربية عصرية سهلة الولوج وذات جودة، والحق في سكن لائق وفي العمل ودعم السلطات العمومية في هذا المجال، فضلاً عن الحق في ولوج الوظائف العمومية، وفي بيئة سليمة وتنمية مستدامة. من جهة أخرى، يتضمن الدستور التنصيص على مبادئ قوية في مجال تخليق الحياة العامة ودولة الحق الاقتصادي من خلال ترسيخ المبادئ الرئيسية للاقتصاد الاجتماعي للسوق ومن خلال الحق في الملكية، وحرية المقاولة والمنافسة الحرة، ومنع حالات تنازع المصالح، وكذا استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، والممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية. وعلاوة على ذلك، ينص مشروع الدستور الجديد على إجراءات قوية من أجل الشفافية ومحاربة الرشوة، تتلخص في تجريم كافة أشكال الانحرافات في مجال تدبير الصناديق والصفقات العمومية وتجريم الرشوة ورواج التأثير والامتياز. كما ينص مشروع الدستور على منع ترحال البرلمانيين سواء بالنسبة لتغيير الانتماء السياسي أو تغيير الفريق أوالمجموعة البرلمانية، إلى جانب تأطير الاستفادة من الحصانة البرلمانية. ويدستر هذا المشروع أيضاً مجلس المنافسة، والهيأة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها حيث ستتوفر هاتان الهيئتان على آليات للتدخل. ويكرس خطوة جديدة في مجال تعزيز وضعية وحقوق النساء، وذلك من خلال المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات ذات الطابع المدني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، والتزام (دستوري) للدولة المغربية بالعمل على تحقيق المساواة بين الرجال والنساء. كما توجد امكانية اتخاذ، من خلال القانون، تدابير للميز الايجابي لفائدة النساء في مجال الولوج الى الوظائف المنتخبة، علاوة على إحداث هيئة للمساواة ومحاربة كافة أشكال التمييز. ويعزز مشروع الدستور الدور المركزي للأحزاب السياسية في ممارسة الديمقراطية من خلال الممارسة الانتخابية والمشاركة في مزاولة السلطة على أساس التعددية والتناوب الديمقراطي. كما تساهم في التأطير والتنشئة السياسية للمواطنين، وكذا تشجيعهم على المشاركة في الحياة السياسية وتدبير الشأن العام. وتؤكد وثيقة مشروع الدستور أن تنظيم الأحزاب السياسية وتسييرها يجب أن يكون مطابقا لمبادئ الديمقراطية، كما تشدد على أنه لا يمكن حل أي حزب سياسي أو توقيفه إلا بمقتضى مقرر قضائي. ويعترف الدستور بوضع وحقوق خاصة بالمعارضة، وهذا لا يميزه على مستوى المنطقة فحسب، بل على مستوى العالم، من خلال إقرار حقها في رئاسة، بموجب القانون، الجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب والولوج المنصف للإعلام العمومي والاستفادة من التمويل العمومي والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع من خلال اقتراحات القوانين، وكذا المشاركة الفعلية في مراقبة الحكومة ولجنة تقصي الحقائق. كما يعزز مشروع الدستور دور النقابات كفاعلة في مجال الديموقراطية الاجتماعية وأيضا في المجال السياسي من خلال استمرار حضورها بمجلس المستشارين. ويقر مشروع الدستور بوضع ودور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية كأطراف فاعلة في الديموقراطية التشاركية، سواء على المستوى الوطني أو المحلي أو الجماعي. ويؤكد مشروع الدستور الجديد على دور ومكانة وسائل الإعلام في ترسيخ الديموقراطية وحقوق وحريات المواطنين، إذ ينص على ضمان حرية الصحافة والحق في الإعلام، والتنظيم والتقنين الديموقراطي لقطاع الصحافة والاتصال السمعي البصري بما في ذلك وسائل الإعلام العمومية، حيث تمت دسترة الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري. كما تحدث بموجب الدستور الجديد فضاءات جديدة للديموقراطية التشاركية وللنهوض بالتنمية البشرية المستدامة، من قبيل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بمهمة أساسية تتمثل في إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية، والقضايا الوطنية التي تهم التعليم والتكوين والبحث العلمي. كما يحدث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، بمهمة تأمين تتبع وضعية الأسرة والطفولة، وإبداء آراء حول المخططات الوطنية المتعلقة بهذه الميادين، وتنشيط النقاش العمومي حول السياسة العمومية في مجال الأسرة. ويحدث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، الذي سيتكلف بموجب الدستور بدراسة وتتبع المسائل ذات الصلة، وتقديم اقتراحات حول كل موضوع اقتصادي واجتماعي وثقافي، يهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي، وتنمية طاقاتهم الإبداعية، وتحفيزهم على الانخراط في الحياة الوطنية، بروح من المواطنة المسؤولة. وأصبح للحكومة، بموجب مشروع الدستور الجديد، رئيس حقيقي، وليس وزيراً أولاً، يعين من قبل الملك من الحزب الذي يتصدر الانتخابات التشريعية. وهو يقود وينسق العمل الحكومي، حيث يقوم الوزراء بالمهام المفوضة لهم من قبل رئيس الحكومة. كما أنه ينفذ البرنامج الحكومي الذي نال على أساسه ثقة مجلس النواب. ولرئيس الحكومة صلاحية الإشراف الفعلي على الإدارة والمؤسسات العمومية بما في ذلك ممثلو الدولة على المستوى اللامركزي. وهو يعين خلال انعقاد مجلس الحكومة سامي الموظفين المدنيين، بمن فيهم الكتاب العامون والمديرون المركزيون للوزارات، ورؤساء الجامعات، ذلك أن بعض المناصب ذات الطبيعة الاستراتيجية وحدها يتم التعيين فيها خلال مجلس الوزراء، باقتراح من رئيس الحكومة وبمبادرة من الوزير المعني. وسيحدد قانون تنظيمي المبادئ والقواعد المتعلقة بالتعيين في المناصب العليا للوظيفة العمومية، في ما يخص الاختصاص، والشفافية وتكافؤ الفرص. وقد تمت دسترة مجلس الحكومة وتعزيز اختصاصاته، في انسجام مع مجلس الوزراء. وتم منحه صلاحيات خاصة تهم السياسات العمومية والقطاعية ومشاريع قوانين قبل تقديمها للبرلمان، ومشاريع قوانين المالية فضلا عن السلطة التنظيمية والتعيينات. كما منحت لمجلس الحكومة اختصاصات تداولية في قضايا ونصوص قبل إحالتها على مجلس الوزراء، وتهم التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة، والتوجهات العامة لمشروع قانون المالية. ويضع مشروع الدستور الجديد برلماناً من مجلسين بسلطات معززة واختصاصات موسعة، ويكرس هذا النظام سمو مكانة مجلس النواب حيث تم تخويله الكلمة الفصل في مسطرة التشريع، وتم تمكينه وحده من تقديم ملتمس للرقابة. وأصبح مجلس المستشارين بعدد أقل من الأعضاء (من 90 على الأقل إلى 120 عضوا على الأكثر)، وبسلطات تمت إعادة تأطيرها، من أجل سلاسة أكثر وفاعلية أكبر في سير أشغاله. ومنح مشروع الدستور لمجلس المستشارين، الذي تمثل فيه الجماعات الترابية (ثلاثة أخماس) والنقابات ومنظمات أرباب العمل (خمسان)، دوراً أكثر أهمية في مجال الجماعات الترابية، والقضايا الاجتماعية (قانون الشغل) والمراجعات الدستورية. ومن جهة أخرى، نص مشروع الدستور الجديد على توسيع المجالات التي يقوم البرلمان بالتشريع فيها إلى أزيد من 50 مجالا، تشمل ممارسة الحقوق والحريات، ومختلف مناحي الحياة المدنية والاقتصادية والاجتماعية. كما خفض النصاب القانوني المطلوب لتفعيل آليات المراقبة البرلمانية بما في ذلك تقديم ملتمس الرقابة، وتشكيل لجن التقصي، والإحالة على المحكمة الدستورية، وطلب عقد دورة استثنائية، فضلا منع الترحال والتأكيد الواضح على واجب البرلمانيين بالمشاركة في أشغال البرلمان ولجانه. وارتقى مشروع الدستور الجديد بالقضاء إلى سلطة مستقلة، لتكون في خدمة الحماية الفعلية للحقوق وضمان احترام القوانين، حيث أصبح المجلس الاعلى للسلطة القضائية الذي يترأسه الملك، حجر الزاوية في هذه السلطة، يسهر خاصة على احترام الضمانات الممنوحة لرجال القضاء. وجاء الدستور الجديد بأربع مميزات أساسية هي إسناد منصب الرئيس المنتدب للمجلس الاعلى للسلطة القضائية إلى رئيس محكمة النقض عوض وزير العدل، وتوسيع تشكيلته لتشمل شخصيات ذات كفاءة وسمعة مشهود لها بهما. كما تم منحه صلاحيات موسعة، تنضاف إلى تلك التي تهم المسار المهني للقضاة، والمراقبة، وتقييم وضعية القضاء والنظام القضائي، وصياغة التوصيات في هذا المجال، فضلا عن جعل تمثيلية النساء القاضيات متلائمة مع أعدادهن ضمن الجسم القضائي. ومنح مشروع الدستور الجديد ضمانات أساسية قوية للقضاة من أجل العمل بكل استقلالية، بعيدا عن أية أوامر أو تعليمات وفي منأى عن أي ضغط، حيث أوجب على كل قاض رأى أن استقلاليته معرضة للتهديد، أن يخبر بذلك المجلس الاعلى للسطلة القضائية. وينص مشروع الدستور الجديد على أن كل إخلال من قبل القاضي بواجباته في الاستقلالية والنزاهة يشكل خطأ مهنياً جسيماً، وعلى معاقبة كل شخص يحاول التأثير على القاضي بكيفية غير قانونية. وفي مشروع الدستور الجديد، تضطلع المحكمة الدستورية بدور حامية الدستور، مع تجديدات تهم على الخصوص طريقة تعيين أعضائها وإمكانية دفع المتقاضين بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور. وينص المشروع الجديد للدستور، من جهة أخرى، على إحداث مجلس أعلى للأمن، يرأسه الملك، بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة. وتشكل دسترة الجهوية المتقدمة، إحدى المستجدات الكبرى التي جاء بها مشروع الدستور. فموازاة مع إعادة تنظيم السلط بين المؤسسات الدستورية، يفتح مشروع الدستور الجديد السبيل نحو إعادة تنظيم ديمقراطي للاختصاصات بين الدولة والجهات، مع ترسيخ مبادئ توجيهية للجهوية المغربية، وهي على التوالي، الوحدة الترابية والتوازن والتضامن والممارسة الديمقراطية، وانتخاب المجالس الجهوية بالاقتراع المباشر، ونقل الاختصاصات التنفيذية لهذه المجالس إلى رؤسائها. وتعزز هذه المنظومة بإحداث صندوق للتضامن الجهوي وصندوق للتأهيل الاجتماعي للجهات. وأخيرا، فقد تمت في مشروع الدستور الجديد، دسترة مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة، وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، والهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، وهيئات الحكامة الجيدة والتقنين. وجاء مشروع الدستور بمستجد آخر في مجال مراجعة الدستور مراجعة شاملة أو جزئية، لا يمكن أن تتم إلا بتصويت أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب وثلثي أعضاء مجلس المستشارين.