تزخر مدينة مكناس العاصمة التاريخية للمملكة بإرث فني وثقافي متنوع، يدل على مكانة هذه المدينة التي اتخذها السلطان مولاي إسماعيل عاصمة له خلال فترة حكمه، ومن أشهر أنواع الموسيقى التراثية التي اشتهرت بها المدينة نجد على رأسها فن الملحون والفن العيساوي، اللذان يحظيان بشعبية كبيرة وسط الساكنة إلى يومنا هذا. كما تعتبر مدينة مكناس عاصمة لفن الملحون الذي تشتهر به العديد من مدن المملكة وحتى الجارة الجزائر، وذلك بالنظر إلى عدد الفنانين الذين أنجتهم هذه المدينة وعلى رأسهم الحاج الحسين الحسين التولالي والحاج محمد بن سعيد السلاوي، وأحمد أكومي، والفنان سعيد المفتاحي. ولمعرفة المزيد عن فن الملحون، ربطنا الاتصال بالسيد أحمد السبتي، الكاتب العام لجمعية رحاب الإسماعيلية للملحون والموسيقى التراثية، التي خلدت خلال نهاية الأسبوع المنصرم اليوم الوطني لفن الملحون بتخصيص احتفالية كبرى ضمت سهرات فنية وندوات فكرية حول هذا الفن الأصيل، الذي قال عنه السبتي إنه شيخ الفنون، مضيفا أنه يعتبر من أقدم فنون القول في المغرب ويعتمد لغة رصينة ضاربة في جذور ثقافة العامية ولغتها، وقد كان مجالا للشيوخ والأولياء والحرفيين حيث كان يدون سجالاتهم ويخوض في جل، إن لم نقل كل مواضيع الحياة: التوسل، الغزل، وصف الطبيعة، الوطنية، التربية الدينية، والتربية الفنية، ليطال كذلك في الوقت الحالي المواضيع الحديثة: القطار، الحاسوب، الإنترنت، الهاتف والوسائل العصرية. وأضاف السبتي أن هناك قصائد لفن الملحون يمكن تسميتها بالثنائيات من قبيل قصيدة لخصام، وهي قصائد تغنى من طرفين أو طرف واحد، ذات طابع فكاهي تحكي صراع طرفين متنازعين. واختارت جمعية رحاب الإسماعيلية للملحون والموسيقى التراثية،يوم 18 مارس الماضي، يوما وطنيا لفن الملحون، وذلك تثمينا للرسالة الملكية السامية الموجهة إلى أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة حول فن الملحون، ودعما لطلب الأكاديمية تصنيف هذا الفن تراثا إنسانيا من طرف منظمة اليونسكو. وحول الدور الذي تقوم به الجمعية للحفاظ على هذا الإرث الثقافي، قال السبتي، إنهم قاموا بإنشاء مدرسة لتعليم فن الملحون، يزيد طلبتها عن 100 طالب، من بينهم طلبة أمريكيون قاموا بتقديم عرض فني خلال المهرجان الأخير الذي نظمته الجمعية. مضيفا أنهم قاموا كذلك بإنشاء إذاعة “راديو الملحون”، تعمل طوال اليوم من خلال تطبيق يتم تحميله على الهواتف يحمل اسمها. وبالإضافة إلى فن الملحون، تزخر مدينة مكناس بالعديد من الفرق الموسيقية الأصيلة المستوحاة من الطرق الصوفية،حيث ساهم تواجد عدد من الأضرحة والزوايا في مختلف مناحي المدينة في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي التاريخي المتمثل في الطرق التيجانية والقادرية والحمدوشية وكذا العيساوية وانتقاله من جيل إلى جيل لعدة قرون.