بالنظر إلى الجدل الواسع الذي يثيره موضوع المثلية الجنسية وسط المجتمعات المحافظة، يحتد النقاش بين الحين والآخر حول مجموعة من الحيثيات، التي تخص هذا الموضوع من قبيل التساؤل حول عدد المثليين الذين يعيشون في المغرب، حول وضعيتهم، وموقف المجتمع المغربي من نمطيتهم الجنسانية المختلفة، في هذا السياق نسوق لكم حوارا مع الناشط الحقوقي أحمد عصيد. * كيف يمكن تعريف المثلية الجنسية؟ يقصد بالمثلية الجنسية الميولات الجنسية المختلفة عن ميول الأغلبية، والتي تجعل بعض الأفراد يميلون إلى الممارسة الحميمية مع الجنس المماثل لهم، وهي ميول أثبت العلم الحديث بأن لها صلة بالتركيب الفيزيولوجي الغرائزي منذ الولادة، عكس ما كان يعتقد منذ القديم من أن المثلية مرض وانحراف خطير أو استلاب شيطاني. * لوحظ في السنوات الأخيرة تقدم ملحوظ تجاه الاعتراف بالحقوق الرسمية للأشخاص المثليين والمثليات ومزدوجي الميول الجنسية ومصححي الهوية الجنسية وثنائي الجنس… في بلدان عديدة، لكن بلدانا أخرى تعرف تراجعا حادا في هذا المجال. هل يمكن اعتبار المغرب واحدا من هذه البلدان؟ المغرب من البلدان التي يغلب فيها الطابو الجنسي على حرية النقاش والتعبير في هذا المجال، وأتذكر أن السلطة قد حكمت قبل سنوات على إذاعة خاصة بالدار البيضاء بأداء غرامة قدرها عشرة ملايين سنتيم عقابا لها على أنها فتحت الباب أمام نقاش صريح وجريء بين الشباب حول الممارسات الجنسية في بلادنا. والسبب في ذلك أن الدولة المغربية مثل غيرها من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط مازالت تستعمل الدين في المجال السياسي مما يجعلها تمارس الوصاية على النقاش العمومي وعلى سلوكات الأفراد وضمائرهم، وتجعل الدين آلية للضبط والتهدئة، وهذا يعني أن الكلام المسموح به في الجنس هو الجنس في الحياة الزوجية الذي يحتكره الفقهاء، معتبرين باقي الممارسات الجنسية المنتشرة في المجتمع مجرد ارتكاب للفواحش والانحرافات. * كيف تفسرون المضايقات والانتهاكات التي يتعرض لها المثليون الجنسيون بالمغرب من قبل المجتمع؟ هي اعتداءات تعود أساسا إلى الجهل بطبيعة المثلية الجنسية وبمعنى الفرد والحرية الفردية، فالأفراد في مجتمعنا يتربون منذ الطفولة على ضرورة الخضوع والانقياد للجماعة، وليس على أنهم أفرادا أحرار يفكرون في استقلالية، ولهذا يجدون صعوبة كبيرة في تقبل كل ما هو فردي أو مختلف، مما يؤدي إلى غلبة التقليد والاتباع على المبادرة والابتكار والإبداع، كما يكرس السلوك الاجتماعي التقليدي وصاية البعض على البعض ورقابتهم على النظام العام، إذ تزرع السلطة في أذهان المواطنين نوعا من ثوابت السلوك والتفكير تؤهلهم لأن يمارسوا رقابة ذاتية على أنفسهم وعلى محيطهم. * ماهي تجليات الاضطهاد والتضييق على الحرية التي يتعرض لها المثليون بالمغرب من قبل الدولة المغربية؟ وهل تستعمل الدولة الجنسانية لفرض الوصاية على المواطنين؟ أهم تجليات الاضطهاد والتضييق تبرز في الجانب القانوني حيث ينص القانون الجنائي المغربي في الفصل 489 على أن الممارسة الجنسية المثلية التي يسميها “شذوذا جنسيا” جريمة يعاقَب عليها بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 إلى ألف درهم، بينما الممارسة التي يعاقب عليها القانون هي اختيار فردي حرّ لا دخل للدولة فيه ولا للآخرين، وهذا التجريم القانوني هو الذي يعتمد ذريعة لدى المجتمع لتبرير الاعتداء على المثليين، كما يستغله أيضا التيار المحافظ الذي يرمي إلى الإبقاء على الوصاية الدينية على عقول الناس واختياراتهم. * لقد اعترف المغرب ومنذ عقود بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ووقع عليه، كما وقع على البروتوكولات والاتفاقيات المناهضة لكل أشكال التمييز المبني على الجنس، اللون، اللغة، العرق أو الدين. بل إن المغرب جعل من سمو التشريعات الدولية على التشريعات المحلية حجر أساس في دستور 2011 الذي يعد أسمى قانون في البلاد. إذا كان إذن الأمر كذلك، فما الذي يجعل الدولة المغربية تتمسك بالقانون الجنائي الحالي الذي يجرم المثلية الجنسية؟ السبب هو أن القانون الجنائي هو قانون للضبط الداخلي للمجتمع في إطار العلاقات التقليدانية التي ترعاها السلطة التي تحتكر الشأن الديني وتعتبره أساسا لشرعيتها، بينما الدستور هو واجهة للخارج يقدم الصورة التي تريد الدولة تسويقها عن نفسها لدى البلدان الأخرى، ولهذا توجد تناقضات كثيرة بين القانون الجنائي والدستور يتم تأويلها باستعمال مفهوم “الخصوصيىة”، كمثل الاعتراف بسمو المعاهدات الدولية على التشريعات الوطنية ثم القول إن ذلك يتم في إطار ثوابت المملكة. * أليس من المنطقي أن يوضع القانون الذي يحمي هذه الأقلية من المواطنين من الاضطهاد عوض قانون يضعهم في السجن؟ ثم ماذا نجد في السجن؟ العقاب؟ الإصلاح؟ العلاج؟ الحكم على المثليين بالسجن ظلم لهم ما في ذلك شك، لأنهم ليسوا مجرمين، بل يمارسون حياتهم وفق طبيعتهم التي وجدوا عليها منذ الولادة، والتي لم يختاروها، أما الحديث عن السجن من أجل “الإصلاح” أو “العلاج” فهؤلاء ليسوا منحرفين ولا مرضى لكي يعالجوا ولا يمكن تغيير طبيعتهم المثلية على الإطلاق، وكل المحاولات التي بذلها البعض مثل الآباء ورجال الدين باءت بالفشل الذريع لأنها محاولات لا عقلانية ولا واقعية، فميول المثليين تبقى دائما وتحتاج إلى نمط حياة يسمح باحترام تلك. * من أين يأتي خوف الناس من المثليين؟ يأتي من رعاية الدولة لهذا الخوف ودعمه بقوانين، إضافة إلى الأفكار السائدة في المجتمع عن المثليين بوصفهم مرضى أو ناقلين للأمراض، بينما الحقيقة أن كل الممارسات الجنسية حتى التي تعتبر “طبيعية” بين الرجال والنساء هي ناقلة للأمراض كذلك، إذا لم يكن هناك رعاية طبية واحتياطات، هذا يجعل المثلي منبوذا بينما هو مواطن كغيره ينبغي أن تعطى له فرصة الإسهام في خدمة مجتمعه. * يقول بعض المثليين “نحن لا نولد نساءً ولا رجالا وإنما نولد ذكورا وإناثا ونُبنى اجتماعيا نساءً ورجالا”، هل يشكل هذا البناء الاجتماعي النمطي المعياري والتقليدي ثقلا اجتماعيا على كاهل الأفراد ويحد من كيانهم وحريتهم، وإذا لم يلتزم أحدهم بمعايير المجتمع يقع اللوم على نمط الحياة والخيارات؟ نعم، فالمجتمعات التقليدية التي تغلب عليها المحافظة تكرس نماذج نمطية للرجال والنساء يتحدد بموجبها معنى الرجولة ومعنى الأنوثة، وكذا تقسيم الأدوار بين الجنسين سواء في العمل أو في الجنس أو العلاقات الوجدانية، مع العلم أن تلك الكليشيهات أبعد ما تكون عن حقيقة الواقع الذي يتم إخفاؤه بمساحيق النفاق الاجتماعي وسياسة الحظر والمنع لكل نقاش، من أجل إخفاء التفاصيل التي تخدش “حياء” المجتمع الذي هو قناع اصطناعي تجري وراءه أمور مناقضة تماما لما يقال ويعتقد. * ما هي العوامل التي تمنع الدول من إقرار المثلية الجنسية كحق طبيعي ؟ في الغالب المانع طبيعة المجتمع التي ليست طبيعة ثابتة بل تصنعها السياسات العمومية، فالنظام التربوي ووسائل الإعلام وأسلوب التربية داخل الأسرة قنوات تحدد رؤية الناس لبعضهم البعض وللدولة والمجتمع والتقاليد والقيم، ولا يمكن أن يوجد أي تطور بدون تطوير هذه القنوات جميعها، ولكن قد نجد أحيانا السبب كامنا في بعض السياسيين الأقوياء الذين يحظون بنفوذ كبير فيعكسون موقفهم الشخصي على السياسات العمومية والقوانين، وذلك مثل بوتين الرئيس الروسي الذي يُكن كرها شخصيا شديدا للمثليين، انعكس على مواقف الدولة الروسية، وقد يتغير الموقف بتغيير الطبقة السياسية والحكام. * كيف يؤثر ضعف المعرفة العلمية على احترام حقوق المثليين في المجتمع المغربي ؟ هذا عامل أساسي بالنسبة لي وعلى قدر كبير من الأهمية، فإذا تتبعنا مثلا البلدان الغربية المتقدمة وكيف تطورت نظرتها إلى المثليين فسنجد بأن هذه البلدان خلال العصور الوسطى التي عرفت هيمنة الجهل والتخلف والإقطاع والاستبداد الكنسي كان الناس يربطون المثلي إلى عمود ويحرقونه بعد تعذيبه، بينما توقفت هذه السلوكات في عصرنا واختفت كليا، والفضل في ذلك يرجع إلى العلوم مثل البيولوجيا والتشريح والطب النفسي ثم العلوم الإنسانية وخاصة التحليل النفسي، ولقد سادت نفس النظرة التحقيرية للمثليين في بلدان المسلمين.
* ماهو التقييم الذي يمكن أن تقدمه حول الوضعية التي يعيشها المثلي في المغرب؟ هي وضعية الحظر والحصار، ما يفسر العنف الذي مازال يتخللها من حين إلى آخر، فالمثليون ممنوعون من ممارسة حياتهم الخاصة بشكل خال من التهديدات، كما أنهم ممنوعون من التعبير عن أفكارهم بحرية. غير أنهم يقومون بين الحين والآخر بحملات لصالحهم وخاصة من جمعيات خارج الوطن تضم مثليين مغاربة، وقد أقدمت بعض الإذاعات الخاصة على تخصيص برامج للموضوع كانت لها نتائج إيجابية تتمثل في إشراك مواطنين عبروا عن آراء إيجابية فيها احترام للمثليين، كما عرفت إعطاء الكلمة لبعض المثليين الذين حكوا عن تجاربهم بحرية وهذا تقدم مقارنة بالسنوات الماضية.