أبانت المقاربة الاستباقية للمملكة عن نجاعة كبيرة في التعاطي مع التهديدات الأمنية رغم أن اعتمادها يتطلب عملا استخباراتيا دقيقا يقضي بتجميع البيانات الشخصية والمعطيات الجنائية حول المشاريع الإرهابية وشخصية المشتبه بهم. في المغرب، نجحت السلطات الأمنية في ترسيخ قواعد مقاربة استباقية لمواجهة التهديدات الأمنية، بشكل عام، وقد اتضح ذلك جليا من خلال تفكيك مجموعة من الخلايا الإرهابية ومطاردة ما يسمى “الذئاب المنفردة” التي تكون على استعداد للتواصل مع الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق للقيام بعمليات إرهابية. وقد أبانت تفاصيل تفكيك خلايا إرهابية أن تجميع البيانات الشخصية حول بعض الأفراد ساهم في استباق بناء “بروفايل الإرهابي” ما سهل عملية الإطاحة به وإحباط مشاريعه. وتبقى الصعوبات التي تواجهها المقاربة الاستباقية، كون العمليات الأمنية غالبا ما تستهدف شخصا بذاته، أي “الذئب المنفرد”، أثناء مرحلة الإعداد لتنفيذ الجريمة، وذلك بالاعتماد على وسائل الاتصال ورصد تحركاته على مواقع التواصل الاجتماعي. ومكمن الصعوبة أن أسلوب العمل العنقودي الذي تشتغل به التنظيمات الإرهابية، لا يسمح بالتوصل إلى شبكة الفاعلين في إعداد مشروع إرهابي. ورغم ذلك غالبا ما تفضي التحقيقات الأمنية التي يختص بها المكتب المركزي للأبحاث القضائية إلى التعرف على أفراد “قطيع الذئاب” قبل إيقافهم وعرضهم على القضاء المختص. بالمقابل، يفرض التعاطي مع التهديدات الناشئة عن عودة “مغاربة داعش” توسيع التعاون الدولي في المجال الأمني، وخاصة ما يتعلق بالعمل الاستخباراتي، فوجود مقاتلين أوروبيين من أصول مغربية، سرع وتيرة التنسيق الأمني ورفعه إلى أعلى المستويات، وقد أبانت العمليات الإرهابية التي هزت باريس مساء الجمعة 13 نونبر 2013، واستهدفت ستة مواقع بالعاصمة الفرنسية أودت بحياة 129 شخصا، أن التعاون الاستخباراتي بين المغرب وفرنسا كان وراء تحديد مكان تواجد العقل المدبر لهذه العمليات الذي أظهرت مقاطع فيديو نشاطه في تنظيم “داعش” بسوريا. إلى جانب التعاون الاستخباراتي، فرض التعاطي مع التهديدات التي يشكلها مغاربة “داعش” على الأمن الداخلي للمملكة، سرعة تداول المعلومة الأمنية والمواكبة السريعة للوسائل المستعملة في استقطاب هذه المجموعات إلى صفوف التنظيم، ففي عصر التواصل الاجتماعي يجري الحديث عن “استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي”، بصفتها واحدة من القنوات التي توفر المعلومة وتمكن من “قياس وفهم وجوه ملايين الناس الذين يتحادثون ويشجبون أشياء ويستحسنون أخرى بطريقة رقمية. وتتوافر حاليا مجموعة من البرامج الخاصة بالبيانات الضخمة، التي تهدف إلى فهم وسائل التواصل الاجتماعي والاستفادة منها”. وتسمح هذه التقنيات باستيقاء المعلومات من مصادر الجمهور والبحث في عدد من الظواهر بقياس مستويات العنف ومؤشراته والظروف التي تسمح به، واستقراء وتحديد النيات الإجرامية أو العناصر الإجرامية في سياق السعي لمنع الجريمة وملاحقة مرتكبيها.