أجواء هادئة في الشارع المغربي، ولا تدابير أمنية استعراضية خاصة في الساحة العامة، لكن المراقبين يؤكدون أن أعين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لا تنام، وأن المقاربة الوقائية والتدابير الاستباقية في ذروتها، درءا لخطر الارهاب. وإن كان ما يطلق عليه ب "الاستثناء المغربي" قد تعرّض لانتكاسة قوية بعمليات الدارالبيضاء 2003، ثم هجوم مقهى " أركانة" الشهير بقلب مراكش عام 2011، فإن المغرب حافظ، عدا ذلك، على أجواء الأمن والهدوء، لاسيما في مواجهة هزات ما بعد الربيع العربي، حتى وإن ظلت الإعلانات المتوالية من قبل السلطات العمومية عن تفكيك خلايا مرتبطة بتنظيمات ارهابية متشددة، تذكر المغاربة بأن التهديد يبقى قائما. وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت يوم 11 يونيو عن تفكيك خلية إرهابية تنشط بمدينة بركان ( شرق ابلاد) تابعة لما يسمى ب"الدولة الإسلامية"، خططت لاختطاف وتصفية سياح واغتيال مسؤولين عسكريين. وأوضح بلاغ لوزارة الداخلية أن الخلية خططت "لتنفيذ عمليات إرهابية خطيرة بالمملكة، تتمثل في اختطاف وتصفية من يخالف معتقداتهم الضالة بالإضافة للسياح الذين يرتادون المنتجعات السياحية بالمنطقة الشرقية للمملكة"، الأمر الذي حذا بالبعض إلى ربط هذه العمليات المجهضة بهجوم سوسة الذي استهدف منشأة سياحية، علمًا أن القطاع السياحي يكتسي أهمية بالغة بالنسبة للنسيج الاقتصادي في كل من تونس والمغرب. بالنسبة للباحث في الحركات الاسلامية والجهادية، الباحث محمد ضريف، فإن المنطق السليم يقتضي أن تتخذ السلطات العمومية الإجراءات الوقائية والتدابير اللازمة لحماية البلاد واستحضار فرضية اعتداء ممكن على يد شخص منفرد أو مجموعة صغيرة. وقال ضريف في تصريح لموقع CNN بالعربية إن هناك موجة من تنامي ثقافة التطرف والانتقال من المستوى العقائدي الفكري الى ممارسة العنف المادي، ممّا يفرض توخي الحيطة، لكنه شدد على تفادي السقوط في تعميم الشعور بالرعب في ظل اختلاف الأوضاع والخصوصيات، معتبرًا أن المغرب " مازال محصنا ضد تنامي هذه الموجة". ورفض ضريف تضخيم التخوّف من احتمال تحوّل مواقف فكرية تجاه سلوكات متحررة في الساحة المغربية إلى ممارسات ارهابية، في إشارة منه إلى التوتر والجدل الذي نشب حول فيلم سينمائي يتناول الدعارة، وحول بعض حفلات مهرجان " موازين"، وصولًا الى قضية الفتاتين اللتين تحاكمان بسبب ارتداء تنانير قصيرة، إثر الهجوم عليهما من قبل بعض المواطنين. كما يرى الباحث المغربي أن هذه المواقف المرتبطة بتراث " الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" ليست وليدة اليوم، وليست بالضرورة ذات دلالة على خطر إرهابي مادي يرتبط أساسا بمشاريع أيديولوجية محددة. يقاسم الباحث في الدراسات الأمنية والاستراتيجية عبد الرحيم منار السليمي فكرة ان المغرب ليس بمنأى عن التهديد الإرهابي، شأنه شأن أيّ دولة أخرى، فهو يوضح أن داعش حركة ارهابية عالمية، والأرقام تشير اليوم إلى حوالي 200 الف داعشي في العالم مابين المقاتل الارهابي في العراق وسوريا وليبيا وسيناء، وما يسمى بالذئب المنفرد الموجود خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا والمتطرّف المرشح للتحوّل الى مقاتل إرهابي. ويزيد السليمي في تصريح للموقع أن الضربات الاخيرة في الكويتوتونسوفرنسا فيها عناصر الترابط، رغم اختلاف الفعل الارهابي والاستراتيجية مابين الطائفية وضرب اقتصاد الدولة لتحويلها لفاشلة واستعمال الارهابي المحلي المرتبط عبر قنوات التواصل الافتراضي بداعش كما وقع في فرنسا. ووسط هذه المعطيات يبدو المغرب مهددا، حسب الباحث، لمجموعة أسباب: أولها ، مؤشرات الخطر التي تشير إليها أرقام الخلايا التي وقع تفكيكها سنة 2014، إذ وصلت إلى 14 خلية ، كما وصلت إلى الأشهر الخمسة الاولى من سنة 2015 إلى 8 خلايا، ممّا يعني ان الخطر يتزايد. الثاني حسب السليمي مرتبط بعدد المغاربة المقاتلين الارهابيين الأجانب الموجودين في الاراضي السورية والعراقية، فالرقم كبير ويصل إلى مابين 1500 و2000، بعضهم يستعد للعودة، الشيء الذي يرفع درجة الخطر، خاصة وأنه طيلة السنتين الماضيين لم تتوقف تهديدات مغاربة داعش عن تهديد المغرب. السبب الثالث يعود حسب الخبير الامني والاستراتيجي إلى الفوضى الامنية الموجودة في ليبيا وشمال مالي ممّا يسمح ، أمام غياب التعاون بين الدول المغاربية، بمحاولات اختراق الحدود ،خاصة الحدود الشرقية مع الجزائر والمنطقة الفاصلة في الجنوب مع موريتانيا. ورغم هذه المخاطر، يتمسك منار السليمي بأن درجة الخطر في المغرب أقل من تونسوالجزائر نظرا ل"خبرة القوات الامنية المغربية التي تراكمت منذ احداث الدارالبيضاء في سنة 2003، ولانخراط المغرب في تعاون ثنائي او جماعي لمحاربة الاٍرهاب الشيء الذي يمكنه من الحصول على المعلومات، فضلًا عن السياسات الامنية التي طورها المغرب مع داعش. وخلص السليمي إلى أن المغرب له القدرة على تقليص خطر داعش لكون الفعل الارهابي الداعشي المبني على حرب الشوارع بواسطة الذئاب المنفردة مثل حالة تونس يظل صعبا في المغرب مقابل النوع الثاني من العمليات الإرهابية المتمثل في العمليات الانتحارية والذي يظل ممكنا.