حظيت القارة الإفريقية باهتمام بالغ من لدن جلالة الملك محمد السادس خلال سنة 2017 وكانت المحور الرئيسي لعمل وأنشطة الدبلوماسية الملكية التي تكللت شهر يناير المنصرم بعودة المغرب التاريخية لحضنه القاري والتي ساندتها غالبية الدول الأعضاء ودافعت عنها وشجعتها رغم العراقيل التي حاول البعض وضعها. وشكل هذا الرجوع منعطفا حاسما في الرؤية الدبلوماسية التي حددها الجالس على العرش منذ سنة 2000 والتصور الشامل للسياسة المغربية الخارجية المبني على تعزيز وتنويع الشراكات مع الحلفاء التقليديين بدول الخليج والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية بالإضافة إلى دول الجنوب جنوب التي تربط المغرب مع أكثر من 40 دولة منها علاقات ثنائية لا تقتصر فقط على الجانب السياسي أو الاقتصادي بل تتعداه إلى جوانب أخرى أمنية وروحية. وهو ارتباط استطاع جلالة الملك محمد السادس بالسنوات الماضية تقوية موقع المغرب خلاله وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى ومرتكزة على معرفة دقيقة بواقع الدول الإفريقية والسعي إلى تقدمها وازدهارها وخلق استثمارات اقتصادية ضخمة لعل أهمها أنبوب الغاز الأطلسي الرابط بين نيجيريا والمغرب وبناء مركبات لإنتاج الأسمدة بإثيوبيا ونيجيريا فضلا عن برامج تنموية داخل إفريقيا كالمرافق الصحية ومؤسسات التكوين المهني وإنشاء قرى للصيادين وذلك كله عملا بمدأ “رابح-رابح”. وانسجاما مع روح الوحدة والتضامن بما يعود ذلك بالنفع على شعوبها عامة وعلى المواطن المغربي خاصة ويساهم في تحريك النسيج الاقتصادي الوطني وبما يخدم مصالح المغرب العليا وقضية وحدته الترابية. ولم تقتصر انشغالات الملك محمد السادس بالقارة الإفريقية واهتمامه الشخصي بها على الزيارات التي كان يقوم بها جلاته لعدد من بلدانها وإطلاق المشاريع التنموية بها بل حظيت بحيز هام أثناء خطبه الموجهة للأمة سيما الخطاب الأخير بمناسبة الذكرى 64 لثورة الملك والشعب حيث دعا الملك فيه إلى إحداث وزارة خاصة بالشؤون الإفريقية. وأجاب عبره على عدد من الأسئلة المطروحة بالداخل والخارج حول الأهداف الرئيسية من توجه المغرب الرسمي نحو إفريقيا قائلا بأنه ليس قرارا عفويا ولم تفرضه حسابات سياسية عابرة وإنما وفاء للتاريخ المشترك وإيمان صادق بوحدة المصير الواحد، مضيفا جلالته أن رجوع المغرب الحاسم ليس غاية في حد ذاته باعتبار أن إفريقيا كانت وستظل في مقدمة أسبقيات المملكة الرامية إلى خدمة الأفارقة وتقدمهم. هذا وأسهمت الدبلوماسية الملكية بالقارة الإفريقية خلال سنة 2017 في اختراق عدد من الدول التي كانت بالأمس القريب متحفظة في علاقتها بالمغرب وتم استصدار مجموعة من المواقف لصالح قضية الوحدة الترابية وتليين مواقف دول أخرى عرفت بدعمها لجبهة البوليساريو وحاضنتها الجزائر كان من بينها دولة جنوب إفريقيا التي ستتراجع ولا شك أو قل تراجعت عن موقفها السياسي إزاء الصحراء المغربية بطي صفحة الخلاف وجلوس صاحب الجلالة و رئيسها جاكوب زوما على هامش القمة الأوربية الإفريقية. والإعلان عن تدشين مرحلة جديدة واتخاذ قرار مشترك بتبادل السفراء على مستوى عال وهي خطوة لا تأتي بين أي طرفين حتى تسبقها حالة من القبول والرضى والإحترام المتبادل ما يدشن لمرحلة جديدة ويأسس لترجعات إفريقية مقبلة على شاكلة دولة جنوب إفريقيا ستضع قيادة البوليساريو والجزائر في مأزق دبلوماسي وأمام خيبات لا متناهية بالموازاة مع تأكد تلك الدول من صدق نوايا المغرب السياسية وتوجهاته التنموية نحو امتداده الإفريقي وأسرته القارية.