وعادت حليمة إلى عادتها القديمة! وكالة فرانس بريس (AFP)، الوكالة الرسمية التي تمولها وزارة الخارجية الفرنسية، عادت من جديد لتقاسم الادوار بشكل بئيس مع القناة الفرنسية “فرانس 24” التابعة بدورها لنفس الوزارة، حيث قررت أن تخلق “ثورة شعبية” وهمية في مدينة الحسيمة المغربية مستغلة مطالب بعض ساكنة المنطقة بتحسين اوضاعها الإجتماعية، شأنها في ذلك شأن ما يقع يوميا في مناطق مختلفة من العالم بما فيها فرنسا، التي خرج فلاحوها أكثر من مرة ليرفعوا مطالبهم بتحسين أوضاعهم المالية والاجتماعية. مهنيو قطاع الاعلام يعرفون أن مهمة وكالة الأخبار التي تحترم نفسها وتتقيد بالقواعد المهنية، مثل “رويترز” البريطانية أو “أسوشيتد برس” الأمريكية، هي نقل الأخبار لقرائها بدقة و بموضوعية، و تحليلها بتجرد، و ليس اختلاق أحداث وهمية، أو محاولة التهويل والنفخ في أحداث هامشية، و التنظير لها و تقديمها لزبنائها كحقيقة جامدة، كما فعلت وكالة” فرانس بريس” إبان الربيع العربي و تفعل الآن في الحسيمة. يتذكر المغاربة كيف وصفت هذه الوكالة سنة 2011 أحد شباب حركة 20 فبراير ب”تشي غيڤارا” المغرب، قبل أن تتبخر نبوأتها بالثورة و إسقاط النظام، و يكتشف العالم أن هذا الشاب ذو المستوى الدراسي جد متواضع، لم يكن سوى شاذ جنسيا يدمن على الخمر وهتك أعراض قاصرين، وقد انتهى به مساره وسوء أخلاقه في السجن، بل حتى لما تم اطلاق سراحه عاد الى السجن مرة اخرى بسبب العربدة ومهاجمة المواطنين في الشارع العام. وكالة “فرانس بريس” تعيد الكرة هذه المرة بمحاولتها خلق زعيم للحركة الإجتماعية التي تشهدها مدينة الحسيمة وإعطائها طابعا سياسيا. هكذا، وبدون استحياء، و في خرق سافر لأبجديات مهنة الصحافة، “طبَّلت” الوكالة الفرنسية للمسيرة “المليونية” المزمع تنظيمها نهاية الأسبوع المنتهي في مدينة تعد ساكنتها بحوالي 60 ألف نسمة، قبل أن تنشر قصاصة تتحدث عن مشاركة بضعة آلاف في ذات المسيرة. لم تكتب وكالة “كي دورساي”، صاحبة الدروس في الديمقراطية و الحكامة، حرفا واحدا عما وقع نفس اليوم في فرنسا خلال الدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية. فحسب قناة “ب ف م” (BFMTV)، فقد تأخرت مكاتب عديدة للتصويت عن فتح أبوابها أمام الناخبين بسبب انعدام الوسائل اللوجيستيكية وفساد بعضها في عدة مدن فرنسية، تماما كما يقع في غينيا بيساو، غامبيا والكاميرون وغيرها من الدول الإفريقية التي تسارع وكالة “فرانس بريس” لانتقادها. إن ما يقع في فرنسا خلال السنوات الأخيرة، برأي العديد من المراقبين والمتتبعين للشأن الداخلي في هذا البلد، لهو دليل قاطع على فشل النموذج السياسي والإجتماعي والثقافي الفرنسي، الذي تحاول فرنسا جاهدة تصديره الى مستعمراتها القديمة خاصة في إفريقيا. فالناخب الفرنسي نبذ الطبقة السياسية التقليدية وأفرز رئيسا جديدا من خارج الأحزاب معبرا بذلك عن استيائه من نموذج مستهلك وباتت صلاحيته منتهية. نفس الاستياء عبر عنه 26% من الفرنسيين الذين امتنعوا عن التصويت خلال الدور الثاني ليكبر حجم مقاطعي الانتخابات ب 6 نقط مقارنة مع رئاسيات 2012. مباشرة بعد إعلان النتائج مساء أمس الأحد، خرج آلاف المتظاهرين في حوالي عشر مدن من بينها العاصمة باريس، ليعربوا عن رفضهم للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحالي ويطالبون باستقالة إمانويل ماكرون حتى قبل أن يؤدي القسم. معظم هذه التظاهرات عرفت مواجهات مع رجال الأمن وانتهت بجرحى واعتقالات. ألم يكن، والحالة هاته، أجدر بوكالة “فرانس بريس” أن تهتم بشؤون بيتها الداخلي وتتمعن فيما يجري داخله قبل الخوض في شؤون الغير بنية مبيتة؟ !