الخط : إستمع للمقال في زحمة التدافع السياسي الذي يعيشه المغرب اليوم، تبدو حكومة عزيز أخنوش كسفينة تُبحر بلا بوصلة، محاطة بأمواج التذمر الشعبي، وتيارات التملص الحزبي، ورياح الإخفاق التي تضرب أشرعتها من كل الجهات. إنها حكومة عالقة بين وعود انتخابية براقة وأداء حكومي مخيب للآمال، وبين محاولات استعراضية إعلامية لم تعد قادرة على إخفاء التراجع الشامل في تدبير الملفات الكبرى. عندما تم انتخاب عزيز أخنوش لرئاسة الحكومة، كان الحديث عن رئيس حملته صناديق الاقتراع بشعارات طموحة، ومشاريع مبتكرة، وخطاب سياسي بدا للوهلة الأولى جريئًا وصادمًا في بعض مضامينه. إلا أنه، مع مرور الشهور، ودخول العد العكسي لاستحقاقات 2026، أصبح رئيس حكومة يعاني من عزلة سياسية، محاصرًا بقياديين من حزبه غير قادرين على الدفاع عنه، ووزراء يتنصلون من مسؤولياتهم، وحلفاء يستعدون لموعد الانتخابات من خلال توجيه انتقادات علنية، وذلك في مشهد يعكس هشاشة التحالف الحكومي، الذي يفتقر إلى الحد الأدنى من الانسجام السياسي. إن الأزمة لم تعد تقتصر على الأداء القطاعي، بل امتدت لتشمل بنيان التحالف الحكومي ذاته، حيث أصبح التملص السياسي هو القاعدة لا الاستثناء. وبدلًا من العمل على تعزيز الثقة بين أعضائها، غرقت الحكومة في صراعات داخلية عقيمة. وزراء ينأون بأنفسهم عن مسؤولياتهم، وحلفاء ينتقدون علنًا سياسات رئيس الحكومة، وصحفيون، كانوا يومًا جزءًا من ماكينة الدعم الإعلامي لأخنوش، ينسحبون بهدوء ويتركون الرجل وحيدًا في مواجهة عاصفة من الانتقادات. ومما يزيد من خطورة هذا الوضع استغلال الحكومة للمشاريع الملكية في محاولات دعائية مكشوفة، إذ كيف يمكن تفسير الفيديو الإعلاني الذي نشره رئيس الحكومة عن مشاريع في مدينة أكادير، وأقحم فيه والي جهة سوس ماسة؟ هذا الفيديو يطرح أسئلة ملحة حول حدود استغلال المشاريع الملكية في مواد إعلامية تهدف إلى تحسين صورة الحكومة في سباق انتخابي حامي الوطيس، حيث إن هذا الفعل ليس فقط تجاوزًا لأخلاقيات السياسة، بل أيضًا دليلًا على فشل الحكومة في تحقيق إنجازات على الميدان تجعلها تستغني عن الاستعانة بمشاريع ملكية لتلميع صورتها. لكن، ربما أخطر ما تواجهه هذه الحكومة هو التحديات الإعلامية والسياسية التي قد تهدد صورة المغرب في الخارج. ففي الوقت الذي كانت فيه الحاجة ملحة إلى استراتيجية إعلامية حكومية مدروسة للدفاع عن صورة المغرب في قضايا السيادة الوطنية والعلاقات الخارجية، انشغل رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بالتركيز على تحسين صورته الشخصية داخلياً عبر حملات دعائية اعتمدت على شركات المقربات والمقربين، متجاهلًا القضايا الحقيقية التي تهم الوطن في المحافل الدولية، إذ إن هذا التركيز على الاستعراض الإعلامي أظهر قصر نظر سياسي يعكس انشغال رئيس الحكومة بمصالحه الذاتية على حساب صورة البلاد بما يليق بمكانتها وسيادتها. كما أن حكومة أخنوش ليست فقط عالقة في فخ الأداء السيئ، بل أيضاً أسيرة لإشكالية شرعية الإنجاز، حيث إن تراكم الإخفاقات الحكومية وتراجع الثقة الشعبية أفرغا خطابها السياسي من أي مضمون حقيقي، وحوّلاها إلى حكومة تعيش على الهامش، عاجزة عن استعادة ثقة الناخبين أو تقديم حلول واقعية. المغرب اليوم بحاجة إلى حكومة تُدرك حجم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها، وقادرة على إعادة بناء جسور الثقة بين المواطنين والمؤسسات، والعمل بجدية على تحقيق التغيير الذي يتطلع إليه الملك والشعب في أفق 2030. لكن حكومة أخنوش، بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل، تحولت إلى جزء من المشكلة، غير قادرة على التعلم من أخطاء الماضي أو استيعاب دروس التجارب السابقة. إن المغرب الذي يتأرجح على حافة تطلعات أمة عريقة ومطالب شعب يسعى نحو غد أفضل، لا يمكن أن يُسجن في قبضة حكومة تتقاذفها الأزمات وتغرقها الخيبات، وعجزت عن بناء جسر واحد يربطها بثقة المواطنين، واختارت أن تستنزف وقتها ومواردها في تلميع صورتها، بينما يغرق المواطن البسيط في وحل التحديات الاقتصادية والاجتماعية. حكومة أخنوش، التي اختارت الاستعراض الإعلامي وسيلة للهروب من مسؤولياتها التاريخية، أظهرت أن سياساتها أقرب إلى العبث منها إلى الجد، وأن وجودها في المشهد السياسي هو عبء أكثر من كونه جزءًا من الحل، حيث تحولت إلى مثال حي لحكومة تنشغل بتزيين صورتها الفارغة، بينما تنكشف أوراقها يومًا بعد يوم أمام مواطن بات أكثر وعيًا بزيف وعودها وبريق شعاراتها الانتخابية. إنها تبدو وكأنها حكومة بلا بوصلة، تائهة بين شعارات جوفاء وأداء لا يرقى حتى إلى الحد الأدنى من المسؤولية الحكومية، تقف شاهدة على نفسها، مكشوفة أمام المواطنين. قد تنتظر مصيرها المحتوم: السقوط المدوي في صفحات التاريخ، كواحدة من أكثر التجارب الحكومية عجزاً وإثارة للجدل في مغرب القرن الواحد والعشرين. الوسوم أخنوش عزيز الحكومة المغرب