بعد ظهور نتائج 8 شتنبر 2021، بدأ عدد من قيادات الأحزاب يغيرون لهجتهم ويبدلون قاموسهم ويتوددون للحزب المتصدر للركوب معه في حافلة الأغلبية المقبلة، وتحول خطاب أولئك « القباح «، الذين كانوا يظهرون بمظهر الخصوم الشرسين الذين بنوا حملتهم الدعائية وبرنامجهم الانتخابي على مهاجمة الحزب الفائز بالانتخابات إلى حملان وديعة بين عشية وضحاها . إن قرار التموقع في المعارضة والأغلبية ليس نزهة في حديقة بل قناعة واختيارا شاقا، ينبغي أن يبنى على عدد من الأسس منها : -1 نتائج الاقتراع وكلمة الشعب ؛ -2التقارب الإيديولوجي والفكري ؛ -3التقاطعات بين البرامج الانتخابية ؛ -4 سوابق العلاقة بين الأحزاب سواء داخل الأغلبيات أو المعارضات السابقة . واليوم، وبعد ركوب الثلاثي المتغول حافلة الأغلبية، خارج المنطق السياسي، لا يحتاج المتتبع للمشهد السياسي إلى بذل الكثير من الجهد في التحليل، ليخلص إلى أن بيت الأغلبية السياسية ليس على ما يرام رغم تضخم خطاب الانسجام وكل المكياج الذي يوضع على وجه الأغلبية لتزيينها وإظهارها بمظهر الإئتلاف الذي يسوده التوافق والتنسيق الدائمان . والحقيقة أننا أمام أغلبية عددية ضامنة لتمرير القوانين في البرلمان وليس أمام أغلبية سياسية قادرة على الدفاع عن التجربة الحكومية بنفس القدرة والجرأة . فبعد مرور سنة ونصف السنة على تشكيلها، لا تزال الأغلبية عاجزة عن الدفاع المستميت عن حكومتها، ولم تستطع إنتاج هوية سياسية للمرحلة، بل إن بعض الأحزاب تخاف من ربط إسمها بالحكومة، وتضع ربع بيضها في سلة الحكومة بينما تحتفظ بثلاثة أرباع لوضعها في أي سيناريو محتمل، والمشكلة في الأحزاب المشكلة للحكومة أنها تريد أن تأكل في صمت وتدافع بصمت، وإذا اضطرت للكلام فهي تتحدث لغة الصمت الذي ينسب لها قولا ولا فعلا . إن التحالف المهيمن رغم القوة العددية التي يتوفر عليها بالبرلمان والحكومة والجماعات الترابية والنقابات ترك الفراغ على المستوى السياسي، بل إنه من المستحيل أن تتطابق أحزاب الأغلبية في ما يجري من أحداث ومشاكل مرتبطة بارتفاع الأسعار والسياق الصعب الذي نمر منه، حيث اختلفت أحزاب الأغلبية في ردة فعلها على هذه الأحداث، وعبر كل منها عن مواقف منفصلة تصل أحيانا إلى حد التناقض وإحراج الحكومة، مما أثار أسئلة عن أسباب هذا التباين وتأثيره المستقبلي على حالة الانسجام والتوافق داخل الأغلبية الحاكمة . لقد ذكرتنا الأغلبية الحالية بممارسة حزب المصباح، طيلة العشر سنوات التي أمضاها في الحكومة، لهوايته المفضلة بازدواجية الخطاب التي ظلت تلازم تدبيره جزءا من السلطة طيلة عقد من الزمن، الذي كان مولعا بالتواجد في كل الأمكنة في نفس الوقت، يريد الزبدة وثمن الزبدة، يعشق ملذات السلطة وصولجان المعارض، وكان دائم البحث عن المبررات التي تسمح له بممارسة الشيء ونقيضه. لذلك لا نريد أن نسبح في النهر مرتين . المؤكد أنه إذا استمرت هذه الضبابية والرمادية والبرودة في أداء الأغلبية الحكومية، فإنها ستوشك على التفكك بقوة الواقع مما قد يقود الحكومة إلى الانهيار. في المشاورات حول تشكيل الحكومة تقدم الاتحاد الاشتراكي لعزيز أخنوش بعرض سياسي جيد ذي قيمة فعلية، وأكد للكل أن التاريخ ليس أمرا نافلا مثلما حاول عديد من الجهلاء إقناعنا بذلك، وأكد لنا جميعا أن من يستند على مرجعية تاريخية هو حزب سيجد بالضرورة في المستقبل مكانا له بين من سيصنعون المغرب القادم، وعلى العكس من ذلك من صنع من عدم سيظل رهين ذلك العدم غير قادر على تقديم أي إضافة لوطنه . الحاجة اليوم ماسة لفعاليات حزبية مواطنة، جادة وجدية تؤمن بالوطن وبالمصالح العليا للوطن، فعاليات تواكب هذا الإبداع الملكي لجلالة الملك محمد السادس، وهذا الإبداع المغربي في مجال مقاومة الخيانة والانفصال واللصوصية بوطنية وبتقدير حقيقيين، تقفل الباب على المتسللين سهوا إلى ميدان السياسة، وهم كثر … هناك خلل حقيقي في الحكومة الحالية، فهي تفتقد إلى عنصر السياسي، حيث نجد الكثير من تدبيرها تقني، في حين اللمسة السياسية التي تقوم على الاستشعار والتفاعل وتحمل المسؤولية والجرأة في اتخاذ القرار، كلها أشياء غير ملموسة في هذه الحكومة …أما ما نواجهه اليوم في المغرب ففي حاجة إلى حكومة سياسية حقيقية . في تعقيب على رئيس الحكومة في جلسة 8 ماي 2023، يقول النائب عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية «إن حرصنا على الوضوح والانسجام هو ما يدفعنا إلى الاستغراب من وضع حكومتكم التي تفتقد لأبسط شروط الانسجام بين مكوناتها. إنها علة الولادة التي جعلتكم، أثناء تشكيل الحكومة، سجناء البحث بأي ثمن عن الأغلبية العددية للهيمنة على المشهد السياسي والبرلماني والجماعاتي، بدل الحرص على الانسجام لإقناع المغاربة بجدوى الحكومات في اللحظات الصعبة. ما نلاحظه اليوم، بكل أسف، تناقضات صارخة في مواقف الأحزاب المشكلة للحكومة، وبلاغات نارية لحزبين حليفين تنتقد الحكومة التي يشاركان فيها وينفذ وزراؤهما سياستها. أي معنى نريده للسياسة وللعمل الحكومي في ظل التهرب من تحمل المسؤولية المشتركة، والبحث عن الخلاص الفردي؟ مع الأزمة، انفضوا من حولك السيد رئيس الحكومة، وتركوك قائما، وقالوا لك اذهب وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون. ليس بهذا السلوك السياسي نتحمل المسؤولية أمام المغاربة. لقد تسرب ارتباككم السياسي إلى المؤسسة البرلمانية بفشلكم في تعبئة أغلبيتكم حين رفضت لجنة برلمانية مناقشة مشروع المرسوم بقانون رقم 2.23.195 في سابقة خطيرة لم يشهدها تاريخ المؤسسة التشريعية. وبلغتم ذروة الارتباك الحكومي مع التناقض والتضاد مع المعطيات الصادرة عن بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط، والمفترض أنها مؤسسات دستورية شريكة لكم. انظروا السيد رئيس الحكومة كيف بدأت حكومتكم ولايتها بالتغول، وأوصلتها الأقدار اليوم إلى الترهل.» الحكومة والهيمنة الإعلامية جاء في تعقيب النائب عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، على كلمة رئيس الحكومة في جلسة 8 ماي 2023 « ….تفاجأنا لهيمنة الحكومة وأغلبيتها في الإعلام العمومي (استضافة وزير الفلاحة، الكاتب العام لوزارة الفلاحة، وزراء ونواب، رئيس شبيبة حزبية، …). واستغربنا الهيمنة الإعلامية على أغلبية المواقع الإلكترونية والصحافة المكتوبة والإذاعات الخاصة لتمرير الرؤية الحكومية حول المنظومة الفلاحية ومخطط المغرب الأخضر. إننا نخشى على الديمقراطية والتعددية السياسية من مثل هذه الممارسات الإقصائية البائدة التي تحرم المعارضة البرلمانية من حقوقها المنصوص عليها في الفصل 10 من الدستور. « المسألة غير هينة، وغير سهلة، ويلزمها قليل من الكلام الهادئ والرصين لأن الموضوع ساخن ولا يتحمل تناوله بالنزق الذي يسببه البوليميك والانخراط فيه . ذلك أنه عندما تقرر وسيلة إعلامية ما، سواء من خلال مالكها الوحيد أو من خلال ملاكها المتعددين، أن تصبح ناطقة رسمية باسم الحكومة، تقطع خطوة كبرى جدا في الانفصال عن المحيط المهني الذي وجب أن تشتغل فيه الصحافة . المسألة اختيار ؟ نعم، والمسألة تندرج في تصور كل واحد للمهنة، ولارتباطات المهنة ؟ نعم مرة أخرى . لكنها بالفعل خطوة غير هينة . وفي الغالب الأهم يؤدي المرتبطون هذا الارتباط اللامهني في نهاية المطاف ثمن هذا الارتباط عندما تنكشف الأمور وتسقط الأوهام ويجدون أنفسهم على رفين اثنين : على رف المهنة، التي لم يعودوا مهتمين بممارستها إلا بقدر المصالح المادية والمكتسبات الزائلة التي تسمح لهم بتحقيقها ؛ وعلى رف الوطن، الذي يشرع في النظر بريبة لمن يؤجر صوته أو قلمه، والكاميرا التي يصور بها لهذا الشخص أو ذاك، لهذا الحزب أو ذاك . سوى أننا ملزمون بقولها: ولاء الصحافي يجب أن يكون لوطنه أولا، ومهنة الصحافة ليست مهنة عادية . هي تقترب في كثير من تفاصيلها من المهن الحساسة التي يسمح لها بالخروج والتنقل في الحالات الاستثنائية لأنها تمارس دورا يقترب كثيرا من دور الجندية ودور الأمن ودور حماية الوطن في جبهة أخرى هي الجبهة الإعلامية . البعض ينسى أو يتناسى، ويعلنها مدوية بشكل واضح ووجه مكشوف ويقول « لقد بعت والسلام « ، لكن الأمر يبقى على خطورته الأولى : لا مجال للارتزاق، ولا ثقة في أصحابه، تماما مثلما لا ثقة في الذين يغتصبون الصحافة ويقدمون أنفسهم كبراحين للحكومة . للتأمل ليس إلا بكل هدوء، حسبما يسمح به مقام الانتماء للوطن ، وهو مقام لا يتقبل إلا قليل الهدوء ( المغرب أولا ). إن الحزب يختص، من بين كل المؤسسات المجتمعية ( الجمعيات، النقابات، مؤسسات الإعلام …) بالممارسة السياسية وتأطير المواطنين وتأهيلهم لممارسة الشأن العام، كما يعمل على تكوين النخبة السياسية، خدمة للمواطنين وتلبية لحاجاتهم المتنوعة والمختلفة وتحت مراقبتهم ومحاسبتهم …وهذا أوج ما وصلت إليه الديموقراطيات المعاصرة بعدما استكملت نضجها المجتمعي واستقرارها السياسي… الحزب إذن وسيلة من وسائل ممارسة الشأن العام السياسي، يتقاطع مع كثير من المؤسسات المجتمعية الحديثة، من غير أن تتمكن أي منها من أن تنوب عنه في تربية المواطنين على ممارسة حق المشاركة السياسية، وإن ذهب بعضهم عن جهل أو خلط مع سبق الإصرار إلى التبشير ببديل عن الأحزاب السياسية، يحصرونه في جمعيات محسوبة على المجتمع المدني أو الصحافة أو ما شابهها … مباشرة بعد تشكيل حكومة التناوب تكونت معارضة من طرف جهات دعت إلى ضرورة إخلاء المكان للخبرة التقنوقراطية، واعتبرت أن الفريق الحكومي دون خبرة وتجربة . إن دعوة مثل هذه كانت في العمق دعوة إلى استمرار حالات الاستثناء، والتراجع عن تقدمات وفتوحات حصلت في الممارسة السياسية المغربية، وهي تقدمات لم تحصل عبثا، بل جاءت كحصيلة لصراعات وتوافقات عرفها الواقع السياسي المغربي فكرا وممارسة، وأن هذه الدعوة كانت أيضا دعما لذلك التحالف التقنوقراطي الذي أسندت إليه الأمور في السابق، والذي يعود اليوم من النافذة مصبوغا بألوان حزبية … إن الإعلام الجاد والهادف ركيزة من الركائز الأساسية لتحقيق الديموقراطية والتنمية . فالديموقراطية لا تقوم على اختيار المنتخبين فقط بل على مساهمة المجتمع كله . إن الأحزاب والنقابات والجمعيات والإعلام …ركائز محورية للديموقراطية، فإذا كانت الأحزاب تقرر فالجمعيات تقترح، تراقب وتنتقد، وتطالب بالتغيير والتصحيح، والنقابة تدافع عن مصالح العمال والصحافة سلطة رابعة مستقلة عن كل السلط، وما نلاحظه اليوم هو خدمة بعض، وبعض كبير، للحكومة ! الاتحاد الاشتراكي والتقنوقراط إدريس لشكر: « التقنوقراطي لم يتحزب لأنه لم يتجرد من أناه «، 21 يونيو 2020، وفي حوار مباشر مع أحد المواقع الإلكترونية، أكد إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، رفض حزب القوات الشعبية رفضا مطلقا لأي دعوة إلى حكومة تقنوقراطية، باعتبار أن هذه الدعوة تروم تبخيس العمل الحزبي والفعل السياسي، الاتحاد الاشتراكي لم ولن يقبل بحكومة تقنوقراط، حكومة لا تخضع للمحاسبة السياسية، الاتحاد الاشتراكي لم ولن يقبل بحكومة تقنوقراط لأن في هذا ضرب للنضالات الديموقراطية التي خاضها حزبنا، وتراجع لا ديموقراطي عن التراكمات والمكتسبات الديموقراطية التي تحققت في بلادنا عبر مسار نضالي طويل وعسير موشوم بالرصاص والنار… في احتفالية الذكرى ال 60 لتأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وفي تجمع جماهيري عظيم بالعرائش، يوم الجمعة 24 يناير 2020، يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي: « … فالكفاءة يجب أن تكون داخل الإطار السياسي والنقابي لأنها معرضة للمحاسبة، وها نحن نرى اليوم كفاءات لا طعم ولا لون لها، فماذا سنقول لها غدا عندما نصل إلى صناديق الانتخابات …» « إن بلادنا لا تزال محتاجة الى الوسيط الحقيقي، أي الفاعل السياسي الميداني …» «.وإن كل نموذج تنموي جديد لن يستقيم إذا لم نجلس الآن للحديث حول من يتحمل مسؤولية تنفيذه بواسطة صناديق الاقتراع لتجديد النخب والكفاءات …» يعتقد البعض واهما ومخطئا، أن الإصلاح لا يحتاج إلى نخبة سياسية / كفاءات سياسية، بدعوى أن للإصلاح طابعا تقنوقراطيا محضا، وإنجاحه يحتاج إلى تقنوقراط، وإذا كان البديل التقنوقراطي قد جرب لأزيد من أربعة عقود، وراكم خلال هذه الحقبة الطويلة إخفاقات متتالية، فإن البعض الآن يروم تمديده تحت غطاء المجتمع المدني .هذه الوضعية تنعكس سلبا على العمل الحزبي؛ عزوف عن الأحزاب وعداء للفاعلين السياسيين فبحث عن بدائل ( أجدى ) و (أنفع ) خارج البديل الحزبي؛ بدائل غير ديموقراطية، طبعا؛ الإدارة، الجمعيات، الصحافة …أطر اشتغلت في الإدارة، أحرزت مكاسب وامتيازات، سميت تكنوقراط فحصلت على حقائب وزارية، أخرى ركبت الجمعيات وأخرى لجأت إلى الصحافة ( المستقلة )، هؤلاء الذين قدحوا العمل الحزبي، فانخرطوا في هذا الحقل أو ذاك، لأنهم اعتبروا أن الأحزاب عاجزة عن تحقيق طموحاتهم، بل إنها مؤسسات بدون جدوى، وقد ترسخ هذا الموقف من الأحزاب لما تم الابتعاد عن المنهجية الديموقراطية بعد استحقاقات شتنبر 2002 حيث تم تعيين وزير أول خارج الأحزاب… لقد كان حزب الاتحاد الاشتراكي في السبعينيات والثمانينيات و…خزانا للكفاءات العليا والمقتدرة، العالية والمتميزة، في مختلف المجالات والتخصصات، لكن ولأسباب سياسية تمت محاصرتها والتضييق عليها، تم تهميشها وإقصاؤها، وأسندت المسؤوليات إلى من لا يستحقها، وبتهميش كفاءات الاتحاد ضيع المغرب فرصة الاستفادة من قوة تلك الأطر، على اعتبار أن حصيلة ما تحقق اليوم، هي دون ما كانت تعده به إمكانات وقدرات تلك النخبة المناضلة … إن القاطرة هي الكفاءات السياسية … بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة، الجمعة 12 أكتوبر 2018، كان خطاب جلالة الملك، وهو يعلن باسمه الشخصي وباسم كل المغاربة في كل مكان من هاته الرقعة الجغرافية والتاريخية والحضارية التي تسمى المغرب، الملل الجماعي والعياء التام والكامل من الانتهازيين، ومن الذين يريدون من المغرب أن يعطيهم فقط، ولا يريدون بالمقابل أن يعطوه شيئا . المغرب « يجب أن يكون بلدا للفرص، لا بلدا للانتهازيين، وأي مواطن، كيفما كان، ينبغي أن توفر له نفس الحظوظ، لخدمة بلاده، وأن يستفيد على قدم المساواة مع جميع المغاربة، من خيراته، ومن فرص النمو والارتقاء «، هكذا تحدث جلالة الملك، وهكذا التقط المغاربة العبارة بكل الوضوح التام والكامل وفهموا المغزى منها والمراد من قولها وعرفوا أيضا المعنيين بها… المغرب» يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين «، هكذا شدد جلالة الملك على حاجة المغرب أيضا « إلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات « . لذلك يبدو الرهان اليوم واضحا للغاية، غير قادر على مداراة نفسه: هذا البلد محتاج للقادرين على الدفاع عنه، المستعدين لبنائه وتنميته والصعود به، المفتخرين بالانتساب إليه، المصارحين بحقائقه كلها صعبها وسهلها، حلوها ومرها ، لكن المنتمين له لا إلى أي مكان آخر. إ جاء خطاب العرش ليعلن وجوب اجراء قطيعة نهائية مع الريع والعبث، يقول جلالة الملك « …بناء مغرب الأمل والمساواة للجميع . مغرب لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة، ولا للتصرفات المحبطة، ولا لمظاهر الريع، وإهدار الوقت والطاقات .. لذا، يجب إجراء قطيعة نهائية مع هذه التصرفات والمظاهر السلبية، وإشاعة قيم العمل والمسؤولية، والاستحقاق وتكافؤ الفرص .» وهكذا يتبين، بكل وضوح وصرامة، أن جلالة الملك يدعو وجوبا إلى إحداث قطيعة، قطيعة نهائية؛ قطيعة بالمعنى البنيوي، القيمي، السياسي والسوسيولوجي مع السلوكات والتصرفات التي تعيق استكمال بناء مغرب الأمل والمساواة … وجب إذن، القطع مع ثقافة النهب والعبث، والتأسيس لثقافة العمل والمسؤولية. المغاربة الذين يعبرون، بكل اللغات، عن تبرمهم ومللهم من الانتهازيين والناهبين، سمعوا ملك البلاد يقول إن الحاجة ضرورية اليوم لكفاءات صادقة ومخلصة. إن هذا الملك يريد العمل، ويبحث عن الصادقين للعمل معه . لا ننكر أن العثور على هؤلاء الصادقين هو عملة صعبة في زمننا هذا، ولكن نعرف أن المغرب هو بلد كفاءات، وبلد شباب وبلد وطنيين مواطنين قادرين على إبداع كل الطرق والحلول للنهوض ببلادهم والسير معها جنبا إلى جنب في كل مراحلها، وأساسا في مرحلتها الجديدة المقبلة . إن قدر المغرب ليس أن يبقى رهينة الذين يقفلون على الكفاءات المخلصة والمحبة لوطنها منافذ الطموح والمسؤولية في بلادهم، وهم من جعلوا الانتخابات وسيلة اغتناء عوض أن يجعلوها وسيلة خدمة للمواطنين والمواطنات، وهم سبب حقيقي من أسباب بقاء المغاربة غير مستفيدين من كثير الإصلاحات التي وقعت في البلد، رغم أهمية هاته الإصلاحات وثوريتها وعدم تحققها في بلدان أخرى… هناك اقتناع، هناك توافق بين الملك وبين شعبه، أن الحاجة ماسة إلى الكفاءات الحقيقية الجديدة، والطاقات المواطنة التي يمتلئ بها خزان هذا البلد حد الإبهار . وهذه المرة كانت واضحة أكثر من المرات السابقة، وتقول باسم الشعب وباسم الملك معا إن الحاجة ماسة لضخ الدماء الجديدة في العروق، التي لم تعد تستطيع الاشتغال بشكل سليم …ان المسالة تهم مستقبل بلد بأكمله .