الخط : إستمع للمقال الأسبوع الماضي رحل عن دنيا الناس الفانية اسمان شكلا بالنسبة إلى ذاكرة جيلي مرجعين ملهمين في تطوير وإثراء خيالهم خلال سنوات المراهقة الأولى، وشحذ أسلوبهم في الكتابة وتوسيع آفاقهم خلال بداية المشوار الصحافي. يتعلق الأمر بالكاتب الصحفي أحمد عمر، مؤسس وأول رئيس تحرير لمجلة "ماجد" بالقاهرة عن عمر يناهز ال85 عاماً، وبالصحافي والكاتب والسياسي الفلسطيني المغربي بلال الحسن الذي رحل في باريس عن عمر يناهز 85 أيضا. عندما صدرت مجلة ماجد كان عمري تسع سنوات وقد اكتشفتها أواسط الثمانينات فصرت مدمنا على قراءتها أنتظر بشغف وصولها إلى المكتبة الصغيرة التي فتحت جنب بيتنا، وصارت مغامرات "زكية الذكية" و"النقيب خلفان" جزءا من طفولتي. في تلك الفترة كانت القصص الوحيدة المتوفرة بالعربية هي قصص محمد عطية الأبراشي، ومجلتي "المزمار" و"مجلتي" القادمتين من العراق، ومجلة "ماجد" القادمة من أبو ظبي. أما بالفرنسية فقد كانت القصص المصورة متوفرة بكثرة نشتريها من السوق حيث كانت تعرض مثل أكوام الملابس المستعملة. "بليك لوروك"، "روديو"، "ييما"، "طرزان"، "راهان ذو الشعر الناري" ... كنت أوفر عشرة ريالات كل يوم لكي أستعير "المزمار" أو "مجلتي" من صاحبة المكتبة، أما "ماجد" فقد كانت تصل مرة في الأسبوع، وأحيانا تتأخر بسبب شركة التوزيع التي كانت ترسل الجرائد والمجلات مع سائقي التاكسيات، فينسى هؤلاء في غمرة بحثهم عن الزبائن إيصال الجرائد إلى دكان البائع. كنت قد بدأت في مراسلة المجلة كلما تمكنت من توفير ثمن طابع البريد، وكم كنت أشعر بسعادة غامرة عندما أفتح عددا منها وأجد إسمي منشورا بين لائحة أصدقاء "ماجد". وأذكر أنني بدافع الحصول على مكافأة شاركت غير ما مرة في المسابقات التي كانت تنظمها المجلة، سوى أنني لم أفز قط. عندما تجاوزت سن مجلات الأطفال وبدأت أكتشف عوالم الأدب اكتشفت في ذات كشك الجرائد جريدة اسمها اليوم السابع التي كانت تصدر من باريس والتي أطلقها ياسر عرفات من تونس، وكان يكتب فيها خيرة الأدباء العرب، وكان بلال الحسن قد جمع حوله جوزيف سماحة، ومحمود درويش، وإميل حبيبي، وسميح القاسم، وشاكر مصطفى، وحسن حنفي، ومحمد عابد الجابري، وطارق البشري، وصلاح محمد إبراهيم، وأنور عبد الملك، وبرهان غليون، ومحمد الباهي وغيرهم. كانت اليوم السابع هي الجريدة التي فتحت أمامي بوابة الصحافة مشرعة، كما كانت أكبر محرض لي على الأدب، فقد كانت الصفحات الأدبية بالجريدة تتزاحم فيها أقلام ستصبح في ما بعد أسماء لامعة في سماء الأدب مغاربيا وعربيا. كان حلم كل كاتب مغربي أن تنشر له "اليوم السابع"، أو "الوطن العربي"، أو "المستقبل"، أو "المشاهد"، حتى يصنع له اسما يستطيع أن يقارع به أسماء أدباء الداخل الذين تكرسها الملاحق الثقافية للجرائد الحزبية التي ينتمون إليها. كانت باريسولندن عاصمتين للصحافة العربية المهاجرة الممولة من طرف الأنظمة وتجار النفط والثوار وجوابي الآفاق من كل صوب وحدب. أذكر أنني كنت أنتظر وصول "اليوم السابع" على أحر من الجمر لكي أفتش صفحاتها بحثا عن مقال لي، لكن لسوء حظي لم تنشر لي الجريدة أي شيء مما أرسلت. لكنني لم أفقد الأمل وثابرت. أذكر أنني شاركت في مسابقة كانت تنظمها جريدة "المسلمون" السعودية فأرسلوا لي حوالة بريدية بمائة دولار. ثم جاءت جريدة "القدس العربي"، وتعرفت على الصديق الراحل أمجد ناصر خلال تغطيتي لمهرجان ربيع الشعر بفاس لجريدة العلم التي صرت متعاونا معها وصرت أرسل كتاباتي لأمجد لينشرها في الصفحات الثقافية للقدس العربي. ثم بدأت جريدة "الحياة" اللندنية تصل إلى المغرب، وكان بلال الحسن أحد كتابها ومسؤوليها، وصادف أن التقيت المسؤول عن صفحاتها الثقافية خلال تغطيتي لمهرجان أصيلة لجريدة "الصباح" التي شاركت في إطلاقها سنة 2000، واقترح علي أن أصبح مراسلا للملحق الثقافي للحياة من المغرب، فأصبحت أنشر فيها مقالات أدبية وتغطيات وحوارات مع كتاب ومثقفين مغاربة مقابل حوالات شهرية تعادل راتبي في جريدة "الصباح". وأذكر أنني ذات مرة لم أعثر على فاكس لإرسال موادي الصحافية لمكتب لندن فتوجهت لمكتب الحياة بالرباط وكان في عمارة حديثة بالقرب من فندق حسان، فصعدت وطرقت الباب ففتح لي رجل بشوش تتدلى من شفتيه الباسمتين سيجارة تكاد تكون ثابتة، ودعاني للدخول واستعمال الفاكس بنفسي لأنه لا يجيد استعماله. كان محمد الأشهب هو مدير المكتب، وقد تعرفت عليه فور فتحه للباب، فقد كنت التقيته ولم يكن حينها يعرفني سوى بالاسم عندما حملت مقالة غاضبة حول "اتحاد كتاب المغرب" لمكتب مجلة "المنبر الليبرالي" التي أصدرتها نادية برادلي وكان يدير نسختها العربية محمد الأشهب. بعد ستة عشر سنة من ذلك اللقاء العابر سوف تتوطد عرى صداقة متينة مع محمد الأشهب وسوف نطلق معا جريدة "الأخبار" سنة 2012، بمعية زوجته الصحافية إقبال إلهامي، وقد ظل الأشهب منذ ذلك الوقت وإلى وفاته رحمه الله مواظبا على مواكبة الجريدة قراءة وكتابة. وفي تلك السنوات لكي تكون كاتبا أو صحافيا فيجب أولا أن تصنع لك اسما وأن تكرسه بشكل منتظم عبر النشر، وليس الأمر كما هو عليه اليوم إذ يكفي أن يجلس الواحد أمام كاميرا هاتفه ويرتجل بعض الجمل التي يسرقها من هنا وهناك لكي يصبح أشهر من نار على علم. لقد سهلت وسائل التواصل الاجتماعي السبل نحو الشهرة، فأصبح أي شخص مهما كان تافها بمستطاعه أن يصبح مشهورا. بالأمس كان الوصول إلى الشهرة يتطلب المرور عبر حواجز كثيرة ونقط جمارك وتفتيش بلا عدد، فلا يصبح المرء مشهورا في الأدب أو الصحافة أو الفن أو السياسة إلا إذا كان فعلا يستحق ذلك. الوسوم اعتقال رشيد نيني المغرب الملك محمد السادس مشاهير