الخط : إستمع للمقال سعت بعض الكتابات والمقالات، هنا وهناك إلى استخلاص ما سمته "رسائل" إيجابية في الخروج الإعلامي الأخير للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وبالرغم من محدوديتها فقد رأت عن قصد تبليغي أو عن حسن نية، أن عبد المجيد تبون كان إيجابيا إزاء المغرب، ووضعت لهذا الخروج سياقا أوسع عندما أدرجت في التحليل تصريحات وزيره في الخارجية، أحمد عطاف، عن مشكلة عقارات السفارة الجزائريةبالرباط. فما هي حقيقة هاته الرسائل وما حقيقة سياقها ومنطلقاتها؟ في مقال صدر بالموقع المعروف والمحترم في أوساط النخبة العربية والمغاربية منها على وجه الخصوص، «العربي الجديد»، صدر يوم الثالث من أبريل الجاري، بعنوان «رسائل إيجابية جزائرية باتجاه المغرب»، يرى أنه اجتمعت ثلاث «إشارات إيجابية ترد من الجزائر باتجاه المغرب»، مضيفا بأن «روحا تنحاز إلى إيجابية وأقرب إلى المعنى التصالحي» تجلت أساسا في تكرار الرئيس تبون للقول ب«الباب المفتوح لجيراننا في الغرب» من أجل الانضمام إلى «مبادرة اللقاءات وكيان التنسيق المغاربي الجديد»، ثم تعضيد ذلك ب« تكراره مرّتين أن المبادرة ليست موجّهة ضد أي دولة من دول المغرب العربي». في مناقشة هذه النقطة، لا يمكن أن نغفل بأن السيد الرئيس عبد المجيد تبون تحدث عن المغرب بالإشارة الأقرب إلى التنكر له أكثر مما هي إشارة إيجابية باتجاهه، فهو يتحدث عنه باعتباره «جيران الغرب»!!! وتارة أخرى بالضمير الغائب، وتقديره دولة «من دول المغرب العربي»! وإذا كانت المعاني من مقدماتها فكيف يعقل أن نفهم في قول الرئيس توجها إيجابيا إزاء المغرب الذي يحيل عليه بالجغرافيا (غربا) أو بالتلميح (ضمير مستتر) دون أن يكلف نفسه عناء تسميته؟.. أليس من حسن الإشارة... تلطيف العبارة؟ كما لا يمكن أن نسلم بإيجابية قيام هاته المبادرة نفسها، إذا ما استحضرنا واقع الأمر الموجود مؤسساتيا في المغرب الكبير، ونقصد بذلك وجود اتحاد المغرب العربي، منذ قرابة 35 سنة! فكيف تكون الدعوة المستجدة إشارة إيجابية، والحال أنها تنطلق من الصفر، عوض أن تعمل على تنشيط وإحياء الإطار الموجود، منذ إعلان تأسيسه في مراكش سنة 1989؟ ألم يكن من الأفيد أن تبدأ الجزائر من توفير شروط تنشيط اتحاد موجود بخمس دول عوض الانطلاق من مبادرة من عدم تبدو بأربع دول فقط، كما في المشروع الأصلي للسيد الرئيس تبون قبل أن تتحفظ عليها موريتانيا وتبتعد عنها ليبيا؟ وفي السياق ذاته، ألم يكن من الأجدى، في إطار تعزيز حسن النية توجيه الدعوة إلى المغرب، وإشراكه منذ البداية عوض «تقديم عرض في الهواء الطلق» ودعوته إلى الانضمام، أو بالأحرى الالتحاق، إذا شاء ذلك «والباب مفتوح»! نحن في المغرب نعلق على ذلك بالمثل العربي: "الجاي بلا عرضة، يبات بلا عشا"! والأهم من ذلك، نلاحظ غياب معطى جوهري في مقاربة هذه «الإشارات الإيجابية» من لدن دولة الجوار الشرقي للمغرب، ويتعلق بالموقف العملي الذي بمقدوره أن يترجم النوايا والإشارات ونقصد به فتح الحدود وإعادة ربط العلاقات: كيف يكون الباب مفتوحا والحدود مغلقة؟ ألم يكن من الأجدر أن تقوم الجزائر بمراجعة موقفها من هاتين القضيتين أولا قبل الحديث عن توسيع المبادرة، بالرغم من ملاحظتنا عليها أعلاه؟ والملاحظ كذلك أن الذين يذهبون نحو القراءة الإيجابية لتصريحات تبون لا يستحضرون الأهم منها وهو الموقف المطلوب إزاء اليد الممدودة لملك المغرب إلى جيرانه وبخصوص الرئيس، حيث تحدث العاهل المغربي أكثر من مرة عن اليد الممدودة والعمل المشترك، بل اقترح حتى الشكل الذي يمكن أن تتخذه مبادرة العمل المشترك وأعطى الصلاحية فيها للرئيس تبون ليحدد جدول أعمالها!! لقد تحدثنا بدون أن نشير إلى قضية الصحراء المغربية. التي كرسها المغرب نظارات يرى من خلالها العلاقة مع العالم! ومع ذلك فقد رأى البعض في تصريح تبون «أنه لا يريد الحديث عن مزيدٍ من التشرذم العربي».. نزوعا إيجابيا. بالعودة إلى مضامين الحوار، نجد أن تصريحه ورد في الحديث عن الجامعة العربية وعلاقتها بالملف، وذكر بهذا الخصوص أن القرار الوحيد كان في 1960، وهو ما لم يكن دقيقا، بل كان خطأ فادحا في التاريخ (انظر مقالا سابقا في برلمان.كوم عن الموضوع) لأن القرار الذي أحال عليه عبد المجيد تبون يخص مورتانيا. أما حقيقة الأمر فهو أن رئيس الجزائر هو العربي الوحيد الذي مازال يعلن الدعم الكامل للانفصال، وأنه وحده النشيط دوما والخارج عن الصف العربي، الذي يلتف حول مغربية الصحراء. أما حيث يستطيع الإساءة بالمغرب فهو لا يتردد سواء في الاتحاد الإفريقي أو الأممالمتحده أو غيرهما، علاوة على أنه تحدث عن الصحراء بصيغة مستفزة يرد فيها المغرب باعتباره... دولة محتلة والقضية قضية تصفية استعمار!!! أما الإشارة الثالثة فتتعلق بقضية عقارات السفارة وفيها ورد بأن «أحمد عطاف، اعتبر قرار المغرب بشأن أزمة المباني والممتلكات التابعة لسفارة الجزائر في الرباط بأنه قرار نعتبره لائقاً»، والحقيقة أنه كذلك، من الأصل! وما سجلنا هو الغياب القطيع في طريقة عمل الديبلوماسية الجزائرية، في قضية جاءت بمثلها فوق ترابها ومع سفارة المغرب في الجزائر. وأن التسليم بصواب الموقف المغربي كان تحصيل حاصل لأن القضية خاسرة! بعد كل هذا، نقول بأننا أكثر تشبثا بالإشارات الإيجابية من الرئيس، عندما يكون لها وجود ومعنى، كما أن الوضع يتطلب موقفا شجاعا ورزينا وحكيما ينتصر للمستقبل... كما يصر المغرب حتى أن الكثير من المراقبين يتساءلون عن سر الصبر المغربي إزاء جوار عدواني.. ونخاف أن يصدق في هاته المواقف الجزائرية المتطايرة في سماء الديبلوماسية ما قاله ذات يوم مؤرخ المملكة المرحوم عبد الوهاب بمنصور، ومفاده بأن «الجار كلما كان في وضعية صعبة، حاول التسويق لمواقف طيبة ونوايا حسنة»، إلى أن يتخطى وضعه ويستأنف حقيقة الأفعال التي يدمر بها آمال الشعوب المغاربية.. وإن غدا لناظره لقريب!