لم يتأخر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في تكذيب ما ورد على لسان وزير خارجيته أحمد عطّاف عندما صرّح أمام البرلمان الجزائري أنه لن يتخلى على قضية الصحراء والقضية الفلسطينية على حدّ قوله. جاء تصريحه هذا في أعقاب حديث أدلى به وزير الخارجية لمنصة "أثير" التابعة لقناة الجزيرة قال فيها إن بلاده حريصة على إيجاد حل في العلاقات مع المغرب. جاء تصريح تبون الذي كان يتحدث أمام نواب البرلمان الجزائري ليؤكد فعلا أن الكلام المعسول الذي أطلقه عطاف لا يعدو أن يكون مسايرة إعلامية للمساعي الحثيثة التي أطلقتها الإدارة الأميركية في الأسابيع القليلة الماضية وفتحت نقاشا معتبرا حول قضية الصحراء المغربية. كلامه المعهود كان رداً أيضاً على بعض المتفائلين الذين توهّموا للحظة أن تصريحات الوزير أحمد عطاف قد تمثل منعطفا جديدا في العلاقات المغربية الجزائرية. عطّاف الذي ذكر خلال لقائه الإعلامي أنه يحاول الاتصال بنظيره المغربي ناصر بوريطة هاتفيا دون أن يتلقى رداً، ربما كان يتحدث بسذاجة مصطنعة في محاولة لاستمالة الرأي العام العربي وإيهامه بأن المغرب هو المسؤول عن أزمة العلاقات المغربية الجزائرية. ترويج هذا الخطاب محاولة مفضوحة للتنصّل من مسؤولية هذا النظام عن تأزيم المنطقة بأسرها وتعطيل مشروع اتحاد المغرب العربي والقضاء على آمال أجيال عريضة من سكان شمال إفريقيا الذين كانوا يأملون ركوب قطار التنمية والتعاون من خلال تفعيل هذا التكتّل الإقليمي والاقتصادي. تصريحات تبون هي حقيقة نظام الكابرانات، ومراوغات وزير الخارجية المفضوحة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تغيّر الواقع القائم على استمرار نهج العداء تجاه المغرب ومعاكسة وحدته الترابية. ما دام هذا النظام مصرّاً على وضع النزاع المفتعل في الصحراء على قدم المساواة مع القضية الفلسطينية، فلن ينخدع المغرب والمغاربة أبداً بالمغازلات والمجاملات المتلاعبة بمشاعر بعض المخدوعين. تظاهرُ نظام الكابرانات بمظهر الضحية في نزاع هو المسؤول الأول والأخير عنه لا ينطلي على أحد. على من يكذب عطاف عندما يقول إنه يحاول الاتصال بناصر بوريطة دون جواب؟ ألا يعرف رئيس الدبلوماسية الجزائرية القواعد المتعارف عليها دوليا فيما يتعلق بالتنسيق والتواصل مع الجيران؟ ألا تمتلك بلاده سفارة في قلب الرباط؟ تبادل الأدوار لعبة مفضوحة، والسعي إلى كسب جميع أطراف اللعبة لا يمكن أبدا أن يُسعف هذا النظام أو غيره في التحايل على الحقيقة الساطعة التي تؤكد أن تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر يمرّ أولا وأخيرا باعتراف الجزائر بمغربية الصحراء وتفكيك ميلشيا البوليساريو ونزع سلاحها، وإنهاء وجودها في تندوف. ما لم تتخذ الجزائر هذه القرارات السياسية الشجاعة فلا مجال لإطلاق التصريحات الإيجابية أو التلاعب بالمواقف الإعلامية المتقلّبة. وإذا كان أحمد عطاف يتصل فعلا بنظيره ناصر بوريطة ولا يتلقى جوابا، فعليه ربما أن يصحّح رقم الهاتف الذي حصل عليه. هذه كذبة أظهر من الشمس في كبد السماء لأن نظام الكابرانات يعلم أن المغرب ينهج منذ عقود طويلة سياسة اليد الممدودة. من المستحيل أن تتجاهل وزارة الخارجية اتصالات نظيرتها الجزائرية وهي تهتدي إلى يومنا هذا بالتوجيهات الملكية الصارمة في هذا المجال. لم تمض إلا بضعة أشهر على إعلان جلالته في خطاب العرش في يوليوز الماضي عن مواصلة سياسة اليد الممدودة تجاه الجزائر، واعتبارها من الثوابت الراسخة التي لا يمكن أبدا التراجع عنها. في هذا الخطاب قال جلالة الملك: "نؤكد مرة أخرى لإخواننا الجزائريين، قيادة وشعبا، أن المغرب لن يكون أبدا مصدر أيّ شر أو سوء، وكذا الأهمية البالغة التي نُوليها لروابط المحبة والصداقة والتبادل والتواصل بين شعبينا، ونسأل الله تعالى أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم فتح الحدود بين بلدينا وشعبينا الجارين الشقيقين". فلماذا يصرّ المسؤول الجزائري على الكذب البواح على مرأى ومسمع من العالم؟