حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    قيوح يشرف على تدشين المركز اللوجيستيكي "BLS Casa Hub" بتيط مليل    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة الأساتذة المتدربين بين عشوائية المرسومين و الماركوتينغ التربوي في القطاع الخاص
نشر في برلمان يوم 28 - 05 - 2017

يعيش الشارع المغربي إحتقانا لم يعشه منذ حراكه في حركة 20 فبراير سنة 2011. و لا يخفى على أحد أن أحد أهم الأسباب التي جعلت الشارع يتحرك و يغلي في الأيام الأخيرة هو عزم الحكومة على اتخاذ قرارات مصيرية بخصوص قطاع التعليم باعتباره أحد أهم القطاعات الحيوية في البلاد، بل إنه المحرك الأساس لباقي القطاعات الأخرى نظرا لكونه من يزودها بمواردها البشرية. فإذا صلح حال التعليم سيصلح حال جميع تلك القطاعات و سيصلح حال المواطن معها، فما المشاكل التي يعشها قطاع البناء أو قطاع الصحة مثلا سوى نابعة من ضعف التكوين الذي يتلقاه أطر هذين القطاعين، مما يدل على أن جودة التعليم لها تأثير مباشر على كافة مجالات الحياة في أي مجتمع يريد أن يكون مجتمعا عصريا و حداثيا.
هذا يفسر لماذا كون الأساتذة هم أكثر الفئات التي تشارك في الحراك الشعبي الأخير بل إنها الفئة المتزعمة له، و هذا راجع ليس فقط إلى كونها معنية بشكل مباشر بالتوجهات الخطيرة التي تنهجها سياسة الدولة في القطاع، بل لكونها كذلك أكثر الفئات تحسسا لخطورة هذه السياسة التي تضرب في صميم المجانية التي كان دوما يتمتع بها التعليم في بلادنا. هكذا فإن الأساتذة المتدربين عندما يرفضون الفصل بين التكوين و التوظيف فإنهم في حقيقة الأمر يرفضون أن يتم تجريد التعليم العمومي من القيمة المضافة الوحيدة التي كان دائما يتفوق بها عن القطاع الخاص، و هي جودة موارده البشرية. ففي حالة عدم سحب المرسومين الوزاريين الذين يدافع عنهما ابن كيران باستماتة، سيجد العديد من الأساتذة المؤهلين لممارسة المهنة، و الحاصلين على شهادة الأهلية التربوية من مراكز التكوين أنفسهم رهن إشارة القطاع الخاص. حيث سيبقى هو الأمل الوحيد لهم من أجل الخروج من شبح البطالة و الفقر اللذان يهددان كافة الشباب المغربي. هكذا فإن مشروع ابن كيران يكمن في تقديم الأساتذة على طبق من ذهب للمستثمرين في المدارس الخصوصية.
إننا نعلم منذ سنوات أن التوجه العام للدولة المغربية منذ حكومة التناوب، هو الإجهاز على المدرسة العمومية، و خوصصة التعليم بشقيه المدرسي و الجامعي. إلا أن هذا التوجه بدأ يأخذ مع حكومة العدالة و التنمية منحى خطيرا و بدأت عملية الخوصصة هذه تتم بسرعة مضطردة. حيث قامت هذه الحكومة بالترخيص لإنشاء جامعات خاصة بما في ذلك كليات الطب، كما أنها اعترفت بديبلومات مدارس المهندسين المعماريين المقدمة من القطاع الخاص، و حررت المدارس الخصوصية في التعليم المدرسي من الالتزام ولو الشكلي بالبرامج المقررة، أو بجدول الحصص الأسبوعية الذي يحدد الغلاف الزمني اللازم لتعلم كل مادة، ففتحت الباب أمام تعدد المناهج الدراسية و المضامين المدرسة بتعدد المدارس و بتعدد الطبقات و الفئات الاجتماعية، حيث أصبح التعليم في المغرب تعليما طبقيا بامتياز.
هكذا لا يمكن أن نفصل النضال الذي يخوضه الأساتذة المتدربون أبدا عن النضالات التي خاضتها مختلف فئات الشعب المغربي ضد الإجهاز على القطاع التعليمي، كما لا يمكن أبدا فصل نضالاتهم عن النضالات التي خاضها معظمهم في الساحات الجامعية بتأطير من مختلف الفصائل الأوطمية تحت شعار "سياسة التعليم سياسة طبقية".
لكن مع كل ذلك يمكن أن تقدم الحكومة مبرراتها التي تتمثل في كون التعليم الخاص أصبح واقعا لا يمكننا تجاهله و أنه لا مجال لأي دعوة إلى العودة للوراء و إقفال جميع المؤسسات التعليمية الخاصة، فالذين يدرسون في هذه المدارس هم أبناء المغاربة من حقهم أن يستفيدوا من خدمات أساتذة أكفاء و ذوي مستوى عال من التكوين، أسوة بتلامذة التعليم العمومي. كما أن الدولة تتكلف في مختلف المجالات و القطاعات بتكوين مواردها البشرية و أطرها العليا، حيث لا تلتزم بتوظيف خريجي المدارس العليا للهندسة و الاقتصاد أو خريجي كليات الطب و الصيدلة…، فالأساتذة ليسوا أفضل من هؤلاء و عليه يجب أن ينطبق عليهم ما ينطبق على هؤلاء من فصل التكوين عن التوظيف و ضرورة بحث الخريجين الجدد عن العمل في القطاع الخاص دون الاعتماد على الوظيفة العمومية أسوة بالمهندسين مثلا.
إلا أن هذين المبررين يتجاهلان ميزتين أساسيتين يختلف بهما قطاع التعليم عن أي قطاع آخر: فالميزة الأولى هو أن التعليم قطاع حيوي لا يقل أهمية عن قطاع الدفاع الوطني و القطاع الأمني، إن لم يكن يفوقهما أهمية: كما في النموذج الياباني حيث لا تتوفر هذه الدولة على قوة عسكرية حقيقية منذ انهزامها في الحرب العالمية الثانية أو النموذج السويسري الذي يتجه منذ نهاية الثمانينات نحو إلغاء قوات الجيش و لولا بعض الظروف العالمية كالحرب الباردة و انتشار الإرهاب لكانت سويسرا اليوم تعيش دون جيش، حيث يمكن أن نتصور هذين الدولتين دون جيش لكن في المقابل يستحيل أن نتخيل وجودهما دون تعليم.
هكذا فالتعليم يساهم بشكل كبير في ضمان بقاء الدولة و مؤسساتها عبر بنائه للمواطن، و بالتالي لا يجوز أبدا خوصصته و تركه لأهواء رجال الأعمال أو لأيديولوجيات المدراء التربويين للمدارس الخاصة. فلا يمكن أبدا أن نقارن هذا القطاع بقطاع الهندسة المعمارية أو الإلكترونية!!! فالأستاذ ليس هو المهندس، فهو لا يصنع آلات جامدة يمكن تشكيلها و تطويعها كما نشاء، أو يبني بنايات من طوب و إسمنت تبقى جامدة دون حراك، بل إنه يساهم في بناء العقول التي هي ذوات حرة متميزة بالكرامة الإنسانية.
هذه الميزة الأولى تحيلنا إلى الميزة الثانية التي تجعلنا نقف مساندين للأساتذة المتدربين و نعتبر نضالهم المشروع ضد المرسومين هو نضال ضد السياسة الطبقية في القطاع، و معركة تهدف إلى صيانة المدرسة العمومية باعتبارها مرفقا عموميا يجب أن يضل مفتوحا في وجه جميع الفئات التي يتكون منها هذا الوطن. و هذه الميزة تكمن في كون سياسة الخوصصة التي تقوم بها الدولة هي خوصصة عشوائية جعلت القطاع يغرق في حالة من الفوضى باعتراف المسؤولين الكبار للوزارة أنفسهم، و خصوصا وزير التعليم السابق محمد الوفا، الذي حاول القيام بمجهودات لتنظيمه إلا أنها كانت عشوائية و لم تملك رؤية شمولية، كما أنه سرعان ما أبعد من منصبه بشكل يثير الكثير من التساؤلات حول قوة الوبيات المتحكمة في الوزارة. فقد حاولت وزارة التربية الوطنية مثلا مرارا و تكرارا أن تلجم المدارس الخصوصية عن سياسة النفخ في نقط المراقبة المستمرة لتخدع بها آباء التلاميذ و المدارس العليا دون جدوى، كما أنها حاولت مرارا و تكرارا منعها من تشغيل أساتذة التعليم العمومي دون أن تستطيع لذلك سبيلا.. مما يدل على ان الوزارة الوصية نفسها غير قادرة على تنظيم القطاع و تقنينه، و غير قادرة كذلك على ضمان حد أنى من الجودة فيه.. فقد أصبح فتح مدرسة خصوصية أسهل من فتح محل بقالة، و أصبح تسييرها شبيها بتسيير مقهى، فنجد مدارس خصوصية تغلق أبوابها في الأيام التي تشاء و تفتح أبوابها في الأيام التي تشاء، و تنظم المراقبة المستمرة بالشكل التي تريد و في الموعد الذي تريد دون أي مراعاة لمقرر السيد الوزير الوصي على القطاع المنظم للسنة الدراسية، و لا للمذكرات الوزارية المنظمة لتدريس كل مادة من المواد، أو المنظمة للعملية التربوية. كما أنها تضيف مواد و تحذف مواد أخرى حسب نوع الطبقة التي تدرس أبناءها فيها، أو حسب الإيديولوجية التي يتبناها مالكها أو مديرها التربوي. و لعل الواقع يصبح أكثر كارثية بخصوص التعليم الثانوي التأهيلي حيث هناك غياب شبه تام للتجارب العلمية في مختلف المدارس الخصوصية خصوصا تلك التي تستهدف أبناء الطبقة الوسطى و الأقل، فهناك مدارس ليست مجهزة حتى بمختبر علمي، كما أن هناك تلاعبات خطيرة في الغلاف الزمني للمواد، فنجذ اهتماما كبيرا بمواد التي سيمتحن فيها التلميذ نهاية السن عبر مضاعفة الغلاف الزمني للمواد المبرمجة في الامتحان الوطني مثلا و حذف تام للمواد التي أمتحن فيها في الامتحان الجهوي!!! في اعتداء خطير على حق التلميذ في تعلم مختلف المعارف التي ستساهم في تشكيل شخصيته و بناء مواطنته الحقة، و ليس فقط الحصول على نقطة جيدة في الامتحان نهاية السنة الدراسية.
إضافة إلى هذا الوضع الكارثي بخصوص تدريس المواد هناك وضع آخر لا يقل خطورة عن السابق، و يتمثل في عدم وجود أي ميثاق أخلاقي يلزم المدرسة الخصوصية باعتبارها تقدم خدمة هي عبارة عن حق أساسي للمواطن. فالعلاقة بين التلميذ و المدرسة الخصوصية هي علاقة تجارية محض، يحكمها منطق الربح و الخسارة. علما أنه لا يجوز لنا إطلاقا أن ننظر للمدرسة الخاصة كمقاولة تهدف إلى الربح، فنبرر بذلك كافة الأفعال التعسفية التي يمكن أن تمارس في حق التلميذ بدعوى أن السيد مالك المدرسة لم يفتحها كمؤسسة خيرية. إلا أننا مع الأسف نلاحظ مجموعة من السلوكات التي يتم الاعتداء فيها بشكل سافر على حقوق التلاميذ في تعليم صحي دون أن يوجد أي رادع أو قانون يمنع ذلك.. فكما أن الخضار يحق له أن يرفض بيعك كيلو بطاطا متى شاء بدعوة أنك لم تعجبه أو لأي سبب آخر، نجد معظم مؤسسات التعليم الخصوصي تحتفظ بحقها في طرد المتعلم لأنه لم يعجبها في أي وقت و في أي مكان وتحت أي ظرف، حيث شاهدت بنفسي مديرا تربويا يطلب من التلميذ أن يتبعه إل مكتبه ليأخذ شهادة مغادرته في سلم المدرسة و في تمام العاشرة صباحا أي أثناء تغيير الحصص، حيث حضر التلميذ بشكل عاد من الثامنة إلى العاشرة لدرس مادة الفيزياء كأي تلميذ ينتمي للمؤسسة، بينما وجد نفسه مع الساعة العاشرة أجنبيا عنها لا يملك حق حضور الحصة مادة الفلسفة الموالية من العاشر إلى الثانية عشر زوالا!! كل هذا فقط لأن التلميذ لم يعجب السيد المدير التربوي، أو صدر منه سلوك لم يرق له!! هكذا بكل بساطة تم طرد التلميذ من المدرسة و تم حرمانه أحد أبسط حقوقه و أكثرها قدسية و هي الحق في التعلم هذا الحق المنصوص عليه في كافة المواثيق الدولية و في كافة دساتير العالم بما فيها الدستور المغربي. ناهيك عن قيام معظم المدارس الخصوصية بطرد التلاميذ المتوسطي الأداء أو ضعافه، و الاحتفاظ فقط بالمتفوقين بدعوة الحفاظ على الجودة، علما أنه لو كانت هناك جودة لما كان التلميذ المطرود ضعيفا. بينما في حقيقة الأمر الهدف الرئيسي من الحفاظ على التلاميذ المتفوقين فقط في المستويات الإشهادية هو تلميع صورة المؤسسة و استثمار النتائج التي حصل عليها تلامذتها المحتفظ بهم في المركوتينغ التربوي لاستقطاب تلاميذ آخرين سيتم طرد غالبيتهم بغربلتهم جيدا عند بلوغهم المستويات النهائية من كل سلك. و طبعا لن نغفل عن ذكر امتحان الدخول التي تجريه معظم المدارس الخصوصية، و المضحك المبكي في هذا الامتحان هو أن هذه المدارس تجريه حتى للتلامذة الراغبين في الالتحاق بالقسم الأول من التعليم الابتدائي، بل هناك مدارس تجريه حتى لتلامذة التعليم الأولي، في مشهد سريالي جنوني يتم الضرب فيه بعرض الحائط لكافة القوانين و المواثيق الحقوقية و الدساتير و القيم الأخلاقية!! فتصوروا معي مثلا أن تقوم مستشفى بوضع شروط للمرضى الذين ستقبل استشفاءهم بها، كأن تضع مثلا شرطا بأن يكون المريض مصابا بمرض تبلغ نسبة شفائه منه تسعين بالمئة فترفض علاج من حالتهم خطيرة حتى لا تتأثر سمعتها و حتى تستثمر نسب الشفاء المرتفعة بها في الماركوتينغ الصحي.
نعم هكذا هو القطاع التربوي الخصوصي بعد أن تمت خوصصته في وطننا العزيز، إنه وضع فوضوي لا يسود فيه أي شكل من أشكال التنظيم القانوني و لا حتى الأخلاقي إلا بعض المؤسسات التي يحافظ أصحابها أو مدراؤها التربويين على بعض الحس التربوي و الإنساني.
لكن الذي يهمنا بخصوص قضية الأساتذة المتدربين ومسألة توجيههم للقطاع الخاص، هو الوضعية التي تعيشها الموارد البشرية في هذا القطاع، حيث يكفي أن نعلم أنه لا وجود لأي قانون أساسي ينظم عمل أساتذة المدارس الخاصة، هكذا فإن مهنة الأستاذ هي المهنة الوحيدة التي تمارس دون أن ينظمها قانون أو ضابط. فمن هو أستاذ المدرسة الخصوصية؟ إنه كائن هلامي لا تعلم الوزارة الوصية شيءا عنه، و بالتالي لا يمكنها أبدا مراقبة عمله، فحتى لو قام السيد المفتش بزيارته و كتب في تقريره أن هذا الشخص لا يصلح بأن يزاول المهنة، فهذا لا يلزم المدرسة الخصوصية بتوقيف الأستاذ أو تكليفه بمهام أخرى غير التدريس، و حتى لو قامت المدرسة بالاستغناء عنه فبإمكانه حزم حقائبه و السفر من طنجة إلى أكادير مثلا ليشتغل في مدرسة أخرى هناك دون أن تدري المدرسة الجديدة شيءا عن ماضيه المهني. كما أنه يمكن للأستاذ في المدرسة الخصوصية أن يغادرها إلى مدرسة أخرى ىقدمت له عرضا أفضل مثلا أو أن يغادرها لأي سبب آخر في أي وقت من السنة الدراسية و تحت أي ظرف دون سابق إنذار، و تاركا وراءه جيشا من التلاميذ سيحرمون من الدراسة لأيام إن لم يكن لأسابيع أو شهور، أو قد لا تجد مؤسستهم أستاذا آخر يعوض السابق فتلجؤ لخدمات موجز عاطل عن العمل مغامرة بمستقبل تلامذتها، و منه سيتحول هذا الأستاذ الموجز الجديد إلى أستاذ تعليم خصوصي آخر دون أي قانون ينظم طرق و آليات الولوج إلى المهنة. كما أنه إذا كان أستاذ التعليم العمومي هو الذي يقوم بإدخال نقط تلامذته إلى منظومة مسار و هو المسؤول الوحيد عن أي خطئ بها، فإن نقط تلامذة المدرسة الخصوصية يدخلها المدير التربوي مما يترك هامشا كبيرا للتلاعب بها، و هذا راجع إلى كون الوزارة لا تعرف من هو الأستاذ الذي يدرس في القطاع الخاص و تجهل كل شيء عنه فلا يمكنها أن تفتح له حسابا خاصا في منظومة مسار. فهناك غياب تام لقانون ينظم مهنة الأستاذ مما يجعلها هكذا في متناول القاصي و الداني، و كل من هب و دب.
هكذا فإن الحكومة عندما تفصل التكوين عن التوظيف فهي تطالب الأساتذة المتدربين أن يدخلوا غمار المنافسة مع من هم أكثر تنافسية منهم، ليس بمعيار الجودة إطلاقا، و لكن بمعيار التكلفة الإنتاجية، فالأستاذ خريج المراكز التربوية سيطالب بأجر أعلى من الأستاذ الحاصل على الإجازة فقط، وهذا من حقه، لذلك ستفضل معظم المؤسسات الخصوصية اللجوء لمن يطلب أقل مادامت تعتبر نفسها مقاولات ربحية فقط، و ليست مؤسسات تربوية. كما أن الأستاذ المتدرب بعد قضائه فترة تدريبه سيتخلى خلالها عن عباءة الطالب أو العاطل عن العمل و سيلبس عباءة الأستاذ المربي، علما ان هذا الأمر أصبح واضحا وجليا فقط بعد ثلاثة أشهر من التكوين في تصريحات العديد من الأساتذة المناضلين، و بالتالي فإنه لن يقبل على نفسه الانصياع الأعمى وراء رغبات و أهواء المدير التربوي أو مالك المدرسة، هذه الرغبات التي لا تعترف سوى بمنطق الربح و الخسارة، في إقصاء تام للبعد التربوي السامي. و بالتالي لن ينصاع الأستاذ المحترف إلى طلبات تضخيم نقط التلاميذ أو التدريس في غلاف زمني غير كاف و لا يراعي زمن التعلم عند التلميذ، أو جعل فروض المراقبة المستمرة تأخذ طابعا شكليا و فولكلوريا، أو تدريس مادة غير تخصصه فقط لتغطية نقص الموارد البشرية في المؤسسة، أو إقصاء تلميذ أو تغليب كافة تلميذ على آخر فقط لأن المدير طلب منه ذلك دون مراعاة لمبدأ الاستحقاق أو البعد التربوي و النفسي للأمر. ناهيك عن الاشتغال لمدة تتجاوز عدد الساعات القانونية لعمل الأساتذة و ما يترتب عن ذلك من ضعف جودة الأداء التربوي للأستاذ و مخاطر على صحته قد يعاني منها في المستقبل..
كل هذا و ذاك و في غياب قانون ينظم مهنة الأستاذ، كما يوجد قانون ينظم مهنة الطبيب و المهندس المعماري و الممرض و تقني كهرباء المنازل بل حتى مهنة المستشار الفلاحي!! فسيصعب إقناع المدارس الخصوصية اللجوء إلى خدمات الأستاذ المحترف و تقديم له أجرا يوازي أو يفوق الأجر المعمول به في قطاع التعليم العمومي يحفظ له مكانته الاعتبارية في المجتمع.
لذلك كان من الأفضل للحكومة الإسلامية عوض أن تبرز عضلات قواتها القمعية أمام الأساتذة و عوض أن تقوم بتهشيم رؤوس الأستاذات، أن تنصب على مهامها الأساسية. و أن تفكر في طرق حقيقية لتنظيم القطاع، و عوض أن تهرب المرسومين المشؤومين في عز الصيف و في عز العطلة المدرسية، كان عليها قبل ذلك أن تقدم مشاريع قوانين تنظم المهنة في القطاع الخاص و تحد من جشع المستثمرين للمصادقة أمام البرلمان في عز النهار و أمام الملأ، و بكل افتخار. آنذاك فقط لن يكون هناك أي سبب للأساتذة الجدد لرفض العمل في المؤسسات الخصوصية مادامت الحقوق محفوظة، و مادامت ظروف العمل هي نفسها في التعليم العمومي إن لم تكن أفضل، و مادام الأستاذ سيحتفظ باستقلاليته التربوية، و يحافظ على حريته في اتخاذه للقرارات التربوية بخصوص تلامذته، علما أن هذه الاستقلالية ليست شكلية بل إنها جوهرية، و هي الضامن الأساسي لتحقيق جودة العطاء، و أن هذه الحرية هي الوحيدة الكفيلة بجعل الأستاذ هو المسؤول الوحيد و الأوحد على قراراته التربوية المتمثلة في نقطه و فروضه و مضامين درسه المعرفية، ناهيك عن مساهمة الاستقرار المالي و الاجتماعي للأساتذة و تأثيرها المباشر على مردوديتهم التربوية.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن مواقف صاحبها ولا تلزم موقع برلمان.كوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.