احتضنت مكتبة الأمير بندر بن سلطان، مساء أمس الأحد، افتتاح الدورة الثالثة والأربعين من موسم أصيلة الثقافي الدولي، في دورته الخريفية، والتي اهتمت أولى ندواته بموضوع "الحركات الانفصالية والمنظمات الإقليمية في إفريقيا"، التي تباحث خلالها خبراء سياسيون من دول القارة والمنطقة العربية. وفي هذا الصدد، أكد محمد زكرياء أبو الذهب أستاذ العلاقات الدولية، أن العديد من الدول الإفريقية، تعرف تكوُّن حركات انفصالية مدعومة، وهو ما يشكل تهديدا خطيرا على الإندماج الإقليمي بالمنطقة، مبرزا أن ميليشيا البوليساريو، من بين الحركات الانفصالية المرتبطة مع الإرهاب والجريمة العابرة للقارات المنظمة، والتي تشكل خطراً على المنطقة وعلى التماسك والاندماج الإقليمي. وأبرز أبو الذهب، أن موضوع الندوة «الحركات الانفصالية في إفريقيا» يخص جميع الدول الإفريقية والمغرب بالخصوص، مبرزا أن إفريقيا تحتاج للمغرب، الذي أصبح قاطرة الدعامة للتنمية الشاملة بإفريقيا. وأبرز ذات المتحدث خلال مداخلته، أن المغرب حريص على التصدي لظاهرة الحركات الانفصالية والأفكار المتطرفة، لذلك فإفريقيا مدعوة من أجل تكثيف الجهود للتصدي للإشكالات الحقيقية التي تعرفها المنطقة، كالأمن الغذائي والتنمية والتقلبات المناخية، يقول المتحدث. من جهته، أشار محمد المدني الأزهري، الأمين العام السابق ل"تجمع دول الساحل والصحراء" أنه منذ سقوط الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، انتشر السلاح والقواعد العسكرية في المنطقة، وتحولت إلى ساحة "لأبشع أنواع الإرهاب والتدخلات الأجنبية". وأبرز الأزهري خلال الندوة، أن الانتقال السياسي وعودة الجيش للسلطة في ليبيا مثلا، أدى إلى أزمات مجتمعية معقدة، مشيرا إلى أن التدخلات الأجنبية في منطقة الساحل "تنتقص من سيادة المنطقة". وأوضح ذات المتحدث، أن دولة النيجر كمثال تقع في قلب منطقة الساحل الصحراوي، وتهددها وتحيط بها المخاطر، فمن الشمال تحدها ليبيا التي تعاني فوضى أمنية والانتشار المكثف للإرهابيين، ومن الغرب تحدها مالي التي يسيطر على شمالها ووسطها الإرهاب بمختلف فصائله، ومن الجنوب الغربي، خاصة المثلث الحدودي «مالي – بوركينا فاسو – والنيجر» يمثل بؤرة قوية للإرهاب، وتهديدا يوميا لحياة الناس، وفي الجنوب الشرقي تنشط بوكو حرام ويمتد نشاطها حتى الشرق في بحيرة تشاد. وفي سياق متصل، قال ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، إن "الاهتمام الذي توليه هذه الطبعة من "موسم أصيلة" للحركات الانفصالية وللمنظمات الإقليمية في إفريقيا، دليل على الأهمية المتجددة لهذا المنتدى، وعلى يقظة القائمين عليه؛ وإن التحديات الأمنية التي تواجه قارتنا اليوم هي تحديات تبقى في مجملها غير مسبوقة. وأضاف في الجلسة الافتتاحية للدورة 36 لجامعة المعتمد بن عباد المفتوحة التي تأتي ضمن موسم أصيلة الثقافي الدولي، ألقاها السفير المدير العام للعلاقات الثنائية والشؤون الإقليمية، فؤاد يزوغ، إن "قُرابة نصف ضحايا الإرهاب في العالم سقطوا في إفريقيا، لاسيما وأن التنظيمات الإرهابية صارت تتمدد وتفرض سيطرتها بشكل متزايد ومستمر في مساحات ومناطق جغرافية على امتداد القارة". وذكر بوريطة أن "إفريقيا هي المنطقة الأكثر تأثرا بالأزمات والنزاعات والحروب؛ وهي القارة الأكثر تضررا من تداعيات التغيرات المناخية، وما أفرزته من تهديدات للأمن الغذائي وما رافقها من تحولات ديموغرافية بفعل النزوح والهجرة القسريتين، فأزمة الغذاء على سبيل المثال أثرت على حيوات أزيد من 300 مليون مواطن إفريقي". وأوضح ذات المتحدث، أن "إفريقيا تواجه أيضا آفة تهريب السلاح والمخدرات؛ حيث أصبحت القارة مفترق طرق رئيسي لتهريب المخدرات، وجرى إغراقها بملايين من قطع السلاح التي يجري استعمالها بشكل غير قانوني وبدون ترخيص؛ هذه النشاطات الإجرامية، التي تدر على أصحابها من تجار المآسي والحروب أرباحا طائلة، تقوض سيادة وأمن واستقرار الدول وتدمر شعوبا بأكملها". وأورد أن "هذه الآفات قد تفاقمت بسبب حدود مخترقة ومنظومات أمنية ضعيفة وهشة، زادت الوضعية تعقيدا؟ علاوة على ذلك، فإن غياب الحكم الرشيد والمؤسسات القوية ولد حالة من عدم الاستقرار، السياسي والاجتماعي، وأصيبت العملية الديموقراطية بهشاشة مزمنة أعلنت عن نفسها في بلاغات الانقلابات العسكرية المتتالية". وأوضح "هذا الكلام يقودني إلى الحديث عن النقطة الموالية: وهي النزعات الانفصالية، وبحديثنا سابقا عن "التراكم المكثف" للتحديات التي تواجه إفريقيا، والنزعات الانفصالية هي تجل آخر لهذه الوضعية الصعبة، فإفريقيا هي القارة التي تضم العدد الأكبر من الحركات الانفصالية في العالم، ولن يكون من باب الاجتهاد إن قلنا أن وجود الجماعات الانفصالية عامل مباشر لنشوب الحروب الأهلية والتطاحنات العرقية والإثنية، وتمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي وتقويض أسس واستقرار الدول". ولفت إلى أنه "سبق وقد أكدنا بمراكش في ماي 2022، خلال انعقاد المؤتمر الوزاري السابع للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش، والذي ضم قرابة 80 دولة، على أن: "انتشار الحركات الانفصالية في إفريقيا يزعزع الاستقرار ويساهم في المزيد من إضعاف الدول الإفريقية. وهو ما يخدم في نهاية المطاف داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية المتطرفة العنيفة". وتنظم "مؤسسة منتدى أصيلة"، تحت رعاية الملك محمد السادس، الدورة الثانية (الخريفية) من "موسم أصيلة الثقافي الدولي ال43′′، في الفترة بين 16 أكتوبر الجاري و5 نونبر المقبل، وذلك بعد تنظيم الدورة الأولى في الصيف. ويعرف برنامج المشاركين والمدعوين حضور شخصيات مغربية، وعربية وإفريقية، من بينها الشيخ تيجان غاجو، نائب رئيس الجمعية الوطنية للسنغال، رئيس معهد بانافريكان للاستراتيجية ووزير الخارجية الأسبق، ومحمد مثقال السفير المدير العام للوكالة المغربية للتعاون الدولي بوزارة الخارجية المغربية. إضافةً إلى محمد صالح النظيف، الممثل الخاص للأمين العام لغرب إفريقيا ورئيس مكتب الأممالمتحدة لغرب إفريقيا، ومحمد المدني الأزهري، الأمين العام الأسبق لمجموعة دول الساحل والصحراء (سين صاد)، وفكتور بورغيس وزير خارجية الرأس الأخضر الأسبق، علاوة على عبد الفتاح موسى مفوض السلام والأمن في المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (سيدياو).