"الأفكار والتحاليل مثلها مثل الجنس البشري تماماً، فهي لا تحتمل نتائج (زواج الاقارب) حتى لا تلد الكائنات المشوّهة..." بهذه العبارة علق الدكتور عبد اللطيف أكنوش، أستاذ تاريخ المؤسسات السياسية والاجتماعية، على "الحوارات الصديقة" التي يجريها فؤاد عبد المومني مع بوبكر الجامعي وعمر إحرشان ومن يدور في فلكهما. ومن جملة ما كتبه أيضا الأستاذ عبد اللطيف أكنوش في تدوينة منشورة على حسابه الشخصي في موقع فايسبوك، "إذا بقات الأفكار كاتدور في نفس الوسط الاجتماعي بين مجموعة قليلة من البشر، خاصة إذا كانوا شيبانين وفي سن متقدمة.. بحال الاخوان عبد المومني وبوبكر الجامعي، وكتتزاوج حصرياً بيناتهم داخل منظومة تزاوج الأقارب أو l'endogamie، كاتضعاف وكاتصبح هزيلة ومريضة باستمرار وعاجزة على الإنجاب...وحتى ملّي كاتفرّخ أفكار جديدة، كاتكون هاذ الأفكار مشوهة..." استحضرت هذه المقتطفات من تدوينة الأستاذ عبد اللطيف أكنوش بعدما استمعت لشذرات من حوار أجراه فؤاد عبد المومني مع بوبكر الجامعي وباقي الرفاق، وأدركت حينها بأن الأفكار التي تتلاقح في نسق متشابه تفرز فعلا كائنات مشوهة، لكن عندما تظل هذه الأفكار حبيسة الماضي، وتنطق من إيديولوجية متقادمة، فإنها تنجب فكرا شموليا متطرفا، "يجعل صاحبه يبحث في الواقع عما يدعم الفرضية التي جاء بها معه، ويتجاهل فيه ما يزعج نظريته"، كما قال الفيلسوف اليساري الفرنسي. Louis Pierre Althusser ومرد هذا الحديث عن "الحوارات المشوهة"، هو ما قام به فؤاد عبد المومني مؤخرا عندما أعطى لنفسه حق مصادرة وعقل حرية المؤسسات العمومية في التواصل المؤسساتي. فقد استنكر فؤاد عبد المومني على مؤسسة الأمن الوطني ومديرها العام التفاعل الإيجابي مع وسائل الإعلام وتوطيد الانفتاح المرفقي لجهاز الشرطة على محيطه الخارجي، وكأنه يرغب في أن ينكفئ هذا الجهاز على نفسه، ويتجرد من طابع المواطن، ليخلو الجو لفؤاد عبد المومني وباقي محاوريه لينهشوا في سمعة الأمنيين باستعمال قاموس "الرصاص" الذي خلفته سنوات السبعينات من القرن الماضي.
ومن المفارقات العجيبة، أن فؤاد عبد المومني الذي يقدم نفسه مدافعا عن حرية التعبير هو نفسه الذي ينافح اليوم من أجل عرقلة انفتاح المؤسسة الأمنية وتلجيم مقاربتها التواصلية. فهل يعلم فؤاد عبد المومني بأن الإعلام الأمني الذي تجسده حاليا المقاربات التواصلية لجهاز الشرطة هو تمرين حقوقي بامتياز؟ لأنه يوطد شفافية الجهاز الأمني من جهة، ويكرس المفهوم المتجدد للسلطة القائم على التفاعل المتواتر والإصغاء الدائم للمواطن من جهة ثانية، ويكرس الرقابة المواطنة على عمل المؤسسات الأمنية من جهة ثالثة. وهل يدرك فؤاد عبد المومني بأن حضور المدير العام للأمن الوطني في مواد إعلامية هو جزء من تطبيقات الإعلام الأمني والتواصل المؤسساتي، المعتمد في مختلف دول العالم بما فيها الأكثر تقدما وتحضرا. فالإعلان الصحفي عن توقيع اتفاقية شراكة بين المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ليس مجرد ترف إعلامي، أو ماركوتينغ تسويقي كما يعتقد واهما فؤاد عبد المومني، وإنما هو رسالة واضحة موجهة للمواطنات والمواطنين مؤداها "أن جهاز الأمن حريص على تكوين موظفيه في مجال حقوق الإنسان بما يسمح بأنسنة الوظيفة الشرطية وجعلها في مستوى تطلعات المواطن". والإعلان الرسمي عن استقبال المدير العام للأمن الوطني للمسؤولة الأولى عن الاستخبارات الاسبانية، ليس مجرد إعلان عن نشاط رسمي، كما فهمه بسوء نية فؤاد عبد المومني، وإنما هو إعلان يتقاطع مع اهتمامات المواطنين وتطلعاتهم الأمنية، لأنه يجسد مستوى الإقبال الدولي والاقليمي على التجربة المغربية في مجال الأمن العام وفي ميادين مكافحة الإرهاب ومختلف صور الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية. فإذا كانت مدارك فؤاد عبد المومني تبقى قاصرة عن إدراك أبعاد ومقاصد التواصل الإعلامي للمؤسسة الأمنية، فإن المغربيات والمغاربة ليسوا مسؤولين عن جهله أو سوء نيته، لأنهم يتطلعون لتعزيز آليات الإعلام الأمني الذي يشكل ببساطة جوهر النفاذ للحكامة الأمنية. فالتواصل والقرب والشفافية والتفاعل الدائم كلها هي مدخلات تطوير المرفق العام الشرطي، الذي لازال فؤاد عبد المومني ينظر له بمنظار الستينات ويتحدث عنه بأفكار عدمية هي أقرب إلى الكائنات المشوهة.