استعار أحمد رضى بنشمسي نفس العبارة التي استعملها في وقت سابق الشاب آدم (عادل أيت الشرع)، ضحية سليمان الريسوني، عندما كان يتحدث عن سعة وحجم تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش الأخير. فقد قال مدير التواصل بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط بهذه المنظمة الأمريكية على هامش مشاركته في "لايف حقوقي" بأن التقرير راعى التفاصيل بشكل دقيق بدعوى أن " الشيطان يكمن في التفاصيل". ومن سخرية الصدفة أن ضحية سليمان الريسوني استعمل نفس العبارة وذات الإيحاءات عندما كان بصدد التعقيب على تقرير أحمد رضى بنشمسي ورفاقه في هيومان رايتس ووتش، معتبرا أن ما قامت به هذه المنظمة هو" تلاعب بقضيته وإسراف في الخوض في التفاصيل بعيدا عن حيثيات الملف"، متهما صائغ التقرير "بإقحام الشيطان عمدا في خندق التفاصيل لطمس عدالة قضيته". لكن بعيدا عن هذا الرشق اللغوي والقانوني، يستنبط العديد ممن استمعوا لمرافعات أحمد بنشمسي وهو يدافع عن تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش الكثير من التناقضات والكلام غير الحقوقي، بل إنه يتلمس بشكل واضح انتقائية مفضوحة في كلام محاوره عمر إحرشان عضو جماعة العدل والإحسان، وكذا تعارض المصالح وانتفاء الصفة عند مسير الحوار فؤاد عبد المومني، الذي تعتبره هيومان رايتس ووتش ضحية مفترضة وهو في نفس الوقت من كان يتولى توجيه بوصلة الحوار وتفريق الأدوار بين المتدخلين والمحاورين. العدل والإحسان.. حتى أنا مظلومة بزز أصيب العديد من المهتمين والمتابعين للنقاش الحقوقي ببلادنا بخيبة أمل كبيرة عندما التحف عمر إحرشان جُبة "العدلاوي"، أي مريد جماعة العدل والإحسان، وتنصل في المقابل من كل الأردية والمشتركات الجامعة بين سائر المغاربة. فالعضو السابق للأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان سجل "مؤاخذات" على التقرير الأخير لمنظمة هيومان رايتس ووتش بدعوى أنه جاء مشوبا بالانتقائية، لكونه لم يتحدث عن حالة حسن بناجح، الذي يعتبر رفيقه في الجماعة. والمثير حقا أن عمر إحرشان مارس انتقائية مفضوحة أكثر من انتقائية هيومان رايتس ووتش، خصوصا عندما حصر النقاش الحقوقي فقط في حالة عضو جماعة العدل والإحسان! بل أكثر من ذلك، انبرى عمر إحرشان ينافح عن "مأذونية عائلة حسن بناجح" التي قال أن السلطات سحبتها من عائلة هذا الأخير، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى جدية ومصداقية شعار الجماعة الذي تدعي فيه محاربة الفساد واقتصاد الريع! فهل توريث المأذونيات رغم وفاة المستفيد لا يعتبر ريعا مفضوحا؟ وهل حسن بناجح بحاجة للمأذونية أكثر من باقي المغاربة؟ وهل من حق عمر إحرشان أن يطالب بتدخل هيومان رايتس ووتش في قضية توريث المأذونيات؟ أم أنه العبث عندما يتجسم في صورة مطالب حقوقية؟ لكن يبقى جواب أحمد رضى بنشمسي حول تهمة "الانتقائية" هو الأكثر غرابة ولا منطقية في الرصيد الحقوقي لمنظمة هيومان رايتس ووتش! فقد ادعى مدير التواصل بمنطقة MENA داخل المنظمة بأن تقريرها الأخير انصب فقط على رصد "تكتيكات الدولة العميقة بشأن الشخصيات المعروفة"، بينما لم يعالج قضايا الأشخاص غير المعروفين تحت ذريعة أن "الدولة تحاكم هؤلاء بشكل مباشر دونما حاجة للبحث عن تكتيكات ملتوية ". وهذا الزعم، الذي يبدو أنه استدعى كثيرا من "الفهلوة" من جانب أحمد رضى بنشمسي، يجعلنا نتساءل باستغراب كبير عن مدى شهرة وأهمية شرطية معزولة (وهيبة خرشش) حتى يتم إدراجها ضمن تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش؟ وما هو الصدى العالمي لمحمد زيان وهشام منصوري وعفاف برناني موزعة الهاتف وخادمة النظافة السابقة في مكتب توفيق بوعشرين حتى يتم تسليط الضوء عليهم بكثير من التفاصيل التي يرفل وينتعش داخل ثناياها الشيطان؟ الجواب لا يحتاج لكثير من التمحيص والنباهة! إذ لا تتوافر لمحمد زيان وهشام منصوري وعفاف برناني ووهيبة خرشش أية شهرة دولية أو أهمية حقوقية عابرة للحدود الوطنية. لكن ما يجمع بينهم ويؤلف بين قلوبهم هو أنهم يدورون جميعا في فلك المعطي منجب! وهذا الأخير يدور طبعا في فلك هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات التي تراهن على متعددي الولاءات الوطنية. أكثر من ذلك، زعم أحمد رضى بنشمسي بأن معدي التقرير استغرقوا أكثر من سنتين للتدقيق في الملفات المعروضة عليهم، والحال أن المحاكمات الأخيرة لمحمد زيان اندلعت منذ أقل من سنة، وهو ما يجعلنا في مواجهة تناقضات فجة يمكن اعتبارها "نزق حقوقي مشوب بالتضارب في الأقوال". بنشمسي.. يناقض هيومان رايتس ووتش من يستمع لأجوبة أحمد رضى بنشمسي في معرض جوابه على "مؤاخذات" الساحة الإعلامية والحقوقية الوطنية حول التقرير الأخير لمنظمة هيومان رايتس ووتش، يتفاجأ بحجم التناقض والتضارب بين تقرير المنظمة وبين جواب مدير التواصل داخلها بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فالرجل ادعى بأن التقرير لم يقص نهائيا وجهة نظر الدولة الرسمية، مدليا بجواب غريب مؤداه بأن هيومان رايتس ووتش أدرجت بلاغات رسمية سابقة لمؤسسات عمومية وطنية في صلب تقريرها! وهذا الجواب هو اعتراف صريح بإقصاء الجواب الرسمي للدولة المغربية، لأنه يقر بعدم تحصيل رد من الدولة على خلاصات تقرير المنظمة، واقتصارها فقط على سرد بلاغات سابقة صدرت في سياق مختلف كان يتعلق بالإخبار وليس بالتعقيب الحقوقي. وفي سلوك مماثل، ادعى أحمد رضى بنشمسي بأن منظمة هيومان رايتس ووتش لم تقل يوما بأن سليمان الريسوني أو توفيق بوعشرين أبرياء من التهم المنسوبة إليهما بدعوى أن المنظمة ليست "محكمة". وأردف حديثه بأن التقرير تحدث فقط عما اعتبره "عدم احترام شروط المحاكمة العادلة"! وبالرغم من أن هذا الكلام هو تطور إيجابي ملحوظ في خطاب أحمد رضى بنشمسي مقارنة مع نهج منظمة هيومان رايتس ووتش منذ انطلاق محاكمات توفيق بوعشرين وعمر الراضي وسليمان الريسوني، إلا أنه كلام يصدح بمفارقات غريبة! فكيف يمكن الحديث عن شروط المحاكمة العادلة والمنظمة لم تستمع أصلا للضحية أو للضحايا؟ وكيف يمكن تقييم شرعية الإجراءات المسطرية ومنظمة هيومان رايتس ووتش لم تسجل إفادات الضحايا ولم تكلف نفسها تحصيل جواب المؤسسات العمومية المعنية بإنفاذ القانون. بل كيف يمكن الادعاء والزعم بأن هيومان رايتس ووتش لم تتجاهل مصالح الضحايا في ملف توفيق بوعشرين، وراهنت فقط على مراقبة مشروعية المحاكمة، وهي التي كانت قد أوفدت عبد العزيز النويضي كملاحظ لها في بدايات المحاكمة، رغم أنه كان قد انحاز بشكل كلي لتوفيق بوعشرين وصرح إعلاميا في اليوم الموالي لتوقيف هذا الأخير " بأنه لا يمكن فصل الأسلوب الذي تم من خلاله اعتقال توفيق بوعشرين عن مواقفه وتحليلاته". فالمنظمة الحقوقية التي تتبنى مواقف مسبقة لا يمكن لها أن تفضي إلى خلاصات موضوعية. ولعل هذا ما جعل الفاعل الحقوقي رشيد لزرق يتهم وقتها منظمة هيومان رايتس ووتش بعدم الحياد، بدعوى أن صفة ملاحظ، باعتباره ناقلا لأطوار المحاكمة، تشترط في صاحبها أن يكون "محايدا وأن لا يدخل علاقاته الشخصية على تقييمه الحقوقي". أكثر من ذلك، أنكر أحمد رضى بنشمسي تهمة ازدراء بعض المنابر الإعلامية الوطنية، مدعيا أن ما نشر في "الإعلام المقرب من السلطة" غير صحيح! ورغم أن هذا الكلام يعج أصلا بالتشهير بالصحافة لأنه يقيم عمل المنابر الإعلامية على أساس خطها التحريري ومدى قربها من السلطة، فهو أيضا يتناقض مع ما جاء في تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش. فالتقرير، وعلى عكس ما قاله أحمد رضى بنشمسي، تحدث بكل صراحة عن عمود الأحد في موقع شوف تيفي، واتهمه بمناصرة قضية الصحراء المغربية واستهداف الجزائر، وتحدث عن المسار المهني للسيد محمد خباشي، كما وصم موقع "Le360" القرب من المحيط الملكي. فمن يجدر بالتصديق: هل تقرير هيومان رايتس ووتش أم كلام أحمد رضى بنشمسي؟ والمؤسف حقا في كلام أحمد رضى بنشمسي أنه كان يتحدث دائما بالضمير المستتر والمبني للمجهول! فقد كان ينسب الانتهاكات المزعومة أحيانًا للمخزن وأحيانا للدولة العميقة وفي أحيان أخرى كان يستعمل عبارة "هم" و "هوما". وهذا الكلام يفتقد للموضوعية الحقوقية ويجعلنا ندخل في متاهات نظرية المؤامرة. كما أن إسدال وصف "معارضي الملك أو معارضي النظام" على وهيبة خرشش ومحمد زيان وتوفيق بوعشرين والآخرين هو إسدال معيب، يحاول خلط الأوراق وإقحام النظام السياسي في قضايا ذات طابع إجرامي. مزاعم.. ولا إثباتات. اعترف أحمد رضى بنشمسي بأن هيومان رايتس ووتش لم تجزم مطلقا باستعمال المغرب لنظام بيغاسوس! وأقر بأن المنظمة لم تتحر حول هذا الموضوع، وإنما استعارت فقط ما سبق أن نشرته منظمة العفو الدولية بخصوص هذا الموضوع. ورغم أن هذا الاعتراف هو تطور إيجابي ومفاجئ في نفس الوقت، إلا أنه يدفعنا للتساؤل عن الأساس الذي جعل هيومان رايتس ووتش تتماهى مع موقف منظمة العفو الدولية بخصوص نظام بيغاسوس؟ كما يثير هذا الجواب مرة أخرى مسألة مزاعم بيغاسوس المنسوبة للمغرب وغير المقرونة بإثباتات. فهيومان رايتس ووتش تعترف على لسان مدير التواصل بمنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط بأنها لم تجزم باستعمال المغرب لبرمجيات بيغاسوس وإنما استعملت فقط (من الباطن) خلاصات منظمة العفو الدولية! وهذا دليل صارخ على أن هناك بعض المنظمات الحقوقية التي تتبنى المزاعم رغم أنها غير مشفوعة بإثباتات، فقط ينبغي أن تكون هذه المزاعم مدفوعة وموجهة بخلفيات جيوسياسية. ومن مفارقات حوار أحمد رضى بنشمسي كذلك أنه حاول بشكل شعبوي إضفاء الشرعية والمشروعية على تحول هيومان رايتس ووتش من منظمة حقوقية إلى "لوبي سياسي واقتصادي". فقد قال بجرأة غير حقوقية بأن من حق المنظمة تأليب الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ضد مصالح المغرب، وحشر هذه المسألة ضمن ما وصفه ب "المناصرة الحقوقية". لكن المفارقة الأغرب، هي تلك التي أطلقها بوبكر الجامعي، الذي حاول ربط استئناف العلاقات المغربية الاسرائيلية بما قال أنها " محاولة بعض المسؤولين المغاربة استدرار عطف اللوبي اليهودي للتنصل من تبعات تقرير هيومان رايتس ووتش!" فالرجل ذهب بعيدا في التنجيم الحقوقي، عندما تكهن بأن المغرب قبل استئناف علاقاته مع إسرائيل كان قد اطلع على نوايا هيومان رايتس ووتش وحاول استباقها وإجهاضها في مشيمتها! إنها فقط عينة وشذرات صغيرة من نمط تفكير بعض "الحقوقيين" الذين يقدمون الدروس للدولة في مجال حقوق الإنسان. فمنهم من يطالب بضرورة تبني منظمة هيومان رايتس ووتش لموقف حازم بشأن مأذونية حسن بناجح وحقه في الريع بعد وفاة المستفيد الحقيقي منها، وهناك من يصطف خصما وحكما في ندوة حقوقية، وهناك شخص ثالث يعالج واقعية حقوق الإنسان بفنجان المنجمين وأصحاب التمائم واستشراف المستقبل، وهناك شخص أخير يعترف صراحة بأن منظمة هيومان رايتس ووتش إنما كانت تستعير كلام أمنستي عند حديثها عن مزاعم بيغاسوس!!!!