إقليم أزيلال : أصوات الغضب التي لا تنتهي رغم أن إقليم أزيلال يزخر بالعديد من المؤهلات الاقتصادية كالصناعة التقليدية والجلباب البزيوي وفخار دمنات وصناعة الأسلحة التقليدية... ورغم امتلاكه لإمكانات طبيعية هائلة ترتبط أساسا بالسياحة الجبلية وطبيعة خلابة وساحرة، تتشكل عبر جبال الأطلس الغنية بمؤهلاتها الاركيولوجية وخيراتها الغابوية وأنهارها الجارية ومياهها المتدفقة وسدودها الكبيرة، ورغم أن البنيات التحتية بهذا الإقليم عرفت قفزة نوعية في مجالات الطرق والماء الصالح للشرب ( 67 في المائة) والكهرباء ( 71 في المائة) والتغطية الصحية (88 في المائة)، حيث بلغ الغلاف المالي الإجمالي المخصص ما بين 1975 و 2006، 1072 مليار سنتيم، وفاق عدد المشاريع 7421 مشروعا، حسب الإحصائيات الرسمية. فإنها تبقى دون طموحات ما تتوخاه الساكنة ،نظرا لقلة الموارد الذاتية وكثرة المطالب التي تزداد يوما عن يوم ،لكن ما هي الأسباب الحقيقية وراء الاحتجاجات والمسيرات التي ينظمها سكان إقليم أزيلال؟ هل ذلك يعود إلى تهميش المخزن للمنطقة؟ أم غياب البنيات التحتية الضرورية؟ أم أن ذلك يرتبط بالنمو الديمغرافي وتنامي مستوى الوعي هناك؟ خاصة إذا علمنا أن عدد الاحتجاجات فاقت 108 احتجاجا خلال الثلاث سنوات الأخيرة. ولتوضيح الأمور أكثر حول ظاهرة الاحتجاجات وتناميها خلال السنوات الأخيرة بإقليم أزيلال، استقت الجريدة آراء مختلف فعاليات المجتمع من إعلاميين ومنتخبين وحزبيين وجمعويين وحقوقيين... لاستجلاء الأمور وتوضيحها وتبيان مكامن القوة والضعف فيها، حيث كان لنا اللقاء التالي: عبدالحكيم زاكريم : مدير جريدة " أحداث أزيلال ". إقليم أزيلال من بين الأقاليم التي عاشت التهميش منذ الاستقلال و لكن لم تكن هناك ردود فعل نظرا للوضع الأمني الذي كان سائدا بالبلاد آنذاك والذي يتجسد في قمع الحريات العامة، و لكن مع الانفتاح بدأ المواطنون يعبرون عن مشاكلهم, مع العلم أن ساكنة المنطقة لديها وعي سياسي و اجتماعي كبير بمشاكلهم و مسؤولية الدولة تجاههم, و كانوا يشعرون ب "الحكرة" و التهميش في الجبال, و لكن مع هذا الانفتاح بدأوا يعبرون عن ذلك عن طريق الاحتجاجات, ومما أججها هو أن المسؤولين شرعوا في الاستماع لهم أي أن هناك مخاطب و الذي لم يكن من قبل. إن الخصاص مهول لدرجة لا تتصور بحيث أن قبيلة آيت محمد مثلا تصلها خلال ربع ساعة لقطع مسافة 5 كلم و نفس المسافة من آيت محمد في اتجاه أحد الدواوير ساعتين, لأن هؤلاء يعانون من غياب الربط بالطرق المعبدة و شبكتي الماء و الكهرباء، و هذا ما أجج الإحساس بالدونية و للامبالاة... عزيز هيبي : فاعل جمعوي بالنسبة للاحتجاجات التي شهدها الإقليم و التي شملت أكثر من 70 في المائة من جماعات الإقليم (42 جماعة و بلديتين) : كل جماعة لها أسباب خاصة بها، لأنه لا يمكن أن يكون الاحتجاج دائما مرتبط بالمطالبة بتحسين البنية التحتية من طرق و ماء و كهرباء و خدمات اجتماعية متنوعة... و هي مطالب مشروعة في أي بقعة وجد فيها الإنسان بغية تحسين ظروف الاستقرار و المعيشة ،غير أن الإشكال هنا يتعلق بسببين : هناك أسباب مباشرة و تكمن انتقال مواطنين في مسيرة احتجاجية بشكل تلقائي إرادي وهناك أخرى التي من ورائها الدافع السياسي بتحريك بعض المنتخبين لأغراض سياسوية محضة . أما الدافع الموضوعي وهو حينما يكون موضوع الطلب هو الماء و الكهرباء، فهو طلب مشروع عير مقترن بدافع سياسي و يبقى في محض إرادة الساكنة و دافع من أجل تحقيق هذا المطلب. حقا إن تأجيج الوضع يمكن اعتباره ناتج عن تنامي الوعي بأزيلال , والناتج بدوره عن تضحيات و جهود مجموعة من الفاعلين الإعلاميين و الجمعويين الذين بدأوا يشتغلون بشكل سريع لتغطية جميع المناطق، و لكن لا يمكن اعتباره دافع لتحريك الاحتجاجات حيث للإعلام دور تسليط الأضواء و لفت انتباه المسؤولين من أجل ظاهرة معينة أو مطالب معينة أو حالة محددة . أما بالنسبة للدافع الأساسي لتحريك بعض الاحتجاجات خاصة خلال هذا الشهر و الذي كانت فيه مسيرة آيت عبدي صوب الرباط و تم التحقق من بعض المصادر بأن هذه المسيرة التي انطلقت من إقليم آخر في اتجاه الرباط كانت بدافع سياسي من طرف مرشح برلماني و الذي تناولته بعض وسائل الإعلام , نتكلم عن جماعات : تاكلفت و آيت عباس و تابيا هذه الجماعات نعتبرها مرحليا بؤر الصراع السياسي , لأن تحريك قبيلتين من أجل الصراع بينهما على مرعي, أفضى إلى قتيل و جرحى، هذا دافع سياسي من أجل المحطة المقبلة 2012(قبيلتي آيت عبدي و آيت داود و علي بتاكلفت)، لأن سبب تأجيج وضع معين من أجل هدف معين و لا هدف سوى إثارة الانتباه بأن هؤلاء الذين يحركون هاته المسيرات هم من يضبطون المنطقة أمنيا و وبالتالي الحفاظ على ذاك المقعد . إذن الغاية السياسية تطغى على الغاية المشروعة التي هي توفير مرعى . أما احتجاج أيت عبدي فقد تم خلال سنتي 2006/2007 للمطالبة بالخبز و فك العزلة و بالفعل فقد دخلوا في تنسيق مع العامل من أجل بلورة بعض المشاريع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أجل فتح طريق تربط بينهم و بين المراكز الحضرية و فك العزلة عنهم , و تم الانتهاء من الدراسة و الإعلان عن الصفقة وتم إخبارهم بذلك، و إذا بهم يقررون بأن .يتوجهوا إلى الرباط للاحتجاج ، و هو نفس الخبر الذي أكده المدير الإقليمي للتجهيز و النقل بأزيلال . إن سرعة تحريك العملية الاحتجاجية و التوجه مباشرة نحو العمالة ، يطرح علينا سؤال غريب جدا و هو ما دور الجماعات المحلية للحد من هاته المسيرات الاحتجاجية رغم أن موضوع الاحتجاج هو من اختصاص الجماعة ؟ نتكلم عن الظاهرة الإرادية و ليس السياسية من أجل إثارة انتباه المعنيين من أجل رفع الحيف و الظلم عن السكان و تزويدهم بشروط الاستقرار .و هناك مشكل التأطير لأن الأحزاب السياسية بهذا الاقليم، لم تعد تلعب دورها بتاتا و لا تظهر إلا من محطة لأخرى، و لم يعد ذلك التجاوب بينهم و بين الساكنة، في غياب الحوار و المناقشة و المشاركة ...وبما أن رابطة التأطير لم تعد موجودة بين المواطن و ممثليه ، فإن الاحتجاج هو الوسيلة الوحيدة لاثبات الذات، حتى أن الجماعات باتت تظهر أنها غير قادرة على تحمل مسؤولياتها. و هناك إشكال آخر و هو النزعة القبلية , فعندما نرغب في استحضار مجموعة من الإكراهات التي تتسبب في هذا الوضع سنتكلم عن القبلية و التعصب و العرقية/اللغوية – مثلا – قامت هيئة السلام الأمريكية بإنجاز مشروع صغير بقبيلة آيت عيسى بتلوكيت و قامت أخرى مجاورة لها بتدمير المشروع بدعوى أنهم هم أصحاب الحق و أصحاب البلد و شرفاء و حضارة... يعتقدون أن للقبيلة شرف على أخرى والضحية دائما هو المواطن .. إبراهيم المنصوري : فاعل سياسي من خلال تجربتي المتواضعة أرى أن الاحتجاجات مرتبطة بمجموعة من العوامل أهمها شساعة الإقليم جغرافيا وانعدام البنيات التحية بكل جماعات الإقليم وظهور وسائل الإعلام التي يرى من خلالها المواطن الازيلالي أن العالم قرية صغيرة، حيث يشعر أنه فعلا تنقصه عدة أشياء. فمثلا جانب التعليم، فرغم المجهودات المبذولة بهذا القطاع فإنها لا تكفي ويبقى الخصاص واضحا ونفس الشيء بالنسبة للسياحة ، حيث انعدام البنيات التحتية لذلك من فنادق ومطاعم ومركبات... وفي ظل هذا الوضع فهناك عطالة قاتلة ناتجة عن النقص الحاد في المعامل والمصانع وانسداد آفاق التشغيل بهذا الإقليم ، مما يساعد البعض على استغلال الشباب ودفعه إلى القيام بمسيرات واحتجاجات على الأوضاع المتردية، مما يضفي عليها الصبغة السياسية، حيث يصبحون هدف سهل الاستغلال في مجال الاحتجاج، معتقدين أنه الصواب. نعم هناك خصاص في الإقليم، إنها مسؤولية المسؤولين، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي، مثلا إقليم أزيلال يحتل المراتب الأولى في الصناعة التقليدية ويزخر بالمنتوج البزيوي والفخار والنحت على الخشب و ... إلا أنها تبقى غير مهيكلة، ولا يمكن إرجاع الإقليم بجرة قلم جنة فوق الأرض، ولا يمكن فك العزلة عن جميع الدواوير خلال ظرف وجيز، فهناك صعوبات وإكراهات متعددة.بالإضافة إلى النزعة القبلية كما هو الشأن بالنسبة لقبائل أيت عبدي. كما لا يمكننا أن ننكر مجهودات عامل الإقليم الذي يشهد له بالجدية وحسن التواصل مع فعاليات المجتمع المدني والسياسي والمنتخبين، ولكن يد واحدة لا تصفق، يجب أن تتضافر الجهود لايجاد حلول لجميع المشاكل. محمد وغاض : رئيس بلدية أزيلال وعضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي وعضو الكتابة الإقليمية. فيما يتعلق بموضوع الاحتجاجات ، فهذا راجع إلى مجموعة من الأمور وهي تهميش المنطقة من طرف المخزن لمدة لا يستهان بها، كونها كانت ضمن مناطق المغرب الغير النافع وبقيت معزولة. هذا التهميش أدى إلى نقص مهول في العديد من المرافق والتجهيزات التي أصبحت ضرورية لضمان تنمية المنطقة، ولضمان العيش الكريم والرغيد لساكنة المنطقة. نحن نفتخر كون الساكنة تحب منطقتها وتحب أن تبقى فيها، وقد جاءت الاحتجاجات من حبهم للأرض والبقاء بالجبل عوض الهجرة نحو المدن والمساهمة في خلق تجمعات غير لائقة، فمدينة أزيلال ليس بها دور الصفيح، إذن من الضروري المطالبة بالطريق لفك العزلة عنهم وببعض المرافق الأخرى كالمدرسة والمستوصف والمصالح الأخرى المهمة .هذا بالإضافة إلى جفاف العديد من العيون نتيجة توالي السنوات العجاف، والتي كانت تستفيد منها الساكنة والتي باتت تطالب بتزويدها بالماء الشروب. ونسجل بأن هناك تقدم جد مهم في مجال كهربة العالم القروي، حيث يحتل إقليم أزيلال المراتب الأولى في هذا المجال، حسب الإحصائيات الرسمية . كما أن الاحتجاجات جاءت من الوعي الموجود والمتنامي، الشيء الذي دفع إلى تكرارها بمناطق أخرى لان الشعار المتداول بين هؤلاء هو " لما غوتي ما يسمعك حد " وهي فكرة خاطئة لان هناك أولويات ولابد من بعض الوقت لسد الخصاص . لا يمكن النظر إلى هذه الاحتجاجات بشكل سلبي بل يجب توجيهها وتوعية المواطن بكيفية تناول الدولة للأمور.ونسجل بكل افتخار الأهمية التي أولاها سيدنا لهذه المنطقة، حيث تم الشروع في العديد من المشاريع الضخمة كربط مدينتي دمنات وأزيلال والدواوير المحيطة بهما بالماء الشروب من سد الحسن الأول والذي هو في طور الانجاز. وكذلك هناك مشاريع على مستوى المجال الحضري كمحطة تصفية المياه العادمة، وهي الأمور التي كانت تقتصر على المدن الكبرى وأصبحت الآن ضرورية لمنطقتنا للحفاظ على الأودية. هذا بالإضافة إلى عدة سدود التي سيتم تشييدها بالإقليم، كونه خزانا للمياه، وكذلك تهيئة موقعي أوزود وبين الويدان. نتمنى أن تتوسع هذه الأهمية كي نوصل لهؤلاء حقهم وبالتالي تشجيعهم على البقاء بأرضهم الذي هو الجبل. محمد أزهار: رئيس المجلس القروي لايت عباس شهد إقليم أزيلال مجموعة من الاحتجاجات نتجية الخصاص المهول في البنيات التحتية، وهناك دوافع أخرى سياسية وكذا ظهور حرية التعبير، إلا أن العنصر الغالب في هذه الاحتجاجات هو العامل السياسي كونها في الغالب ما تكون مدفوعة من هذا الطرف أو ذاك. بخصوص جماعة أيت عباس فهي بدورها لا تخرج عن هذا النطاق حيث نظمت الساكنة مجموعة من المسيرات في اتجاه العمالة والقيادة للمطالبة بتغيير احد أعوان السلطة الذي يعرقل مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ولكن الأمور ساءت مع مرور الأيام. أما الوقفة الاحتجاجية التالية، فقد نظمها 4 أعضاء من المعارضة ضد القرار الذي اتخذته الأغلبية في شأن البناء العشوائي الذي استفحل بالمركز والذي تعدى 22 مخالفة، وهناك حتى الترامي على الملك العمومي نتيجة تساهل ضباط الحالة المدنية فيما يخص الإشهاد على تصحيح الإمضاءات على عقود البيع والشراء، وبذلك يكون المجلس قد ساهم في هذه الظاهرة ،مما دفع بالمعارضة إلى استغلالها واتخاذها كمطية لرفع بعض اللافتات التي تشير إلى فشل مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وعون السلطة( مقدم) رغم أن الجماعة لا علاقة لها بالاثنين، وكذا الصفقات العمومية . وبهذه المناسبة فالأبواب مفتوحة إلى كل من يرغب في حضور جلسات فتح الاظرفة. كما أن ساكنة أيت عباس سبق لها أن قامت بمسيرة للمطالبة بتعبيد الطريق الرابط بين سكات ودوار انفزكين رغم إخبارهم بأنها مبرمجة برسم سنة 2010. هناك سبب آخر وهو عندما ينظم مجموعة من الأشخاص مسيرة أو لقاء مع مسؤول إقليمي للمطالبة بتنفيذ بعض المشاريع تعطى لهم وعود وأحيانا تلبى لهم رغباتهم/ مطالبهم، في حين لا تلبى للمجالس التي يقدم ملتمسات تلو ملتمسات والتي تبقى بدون جواب. في الأخير نسعى جاهدين إسماع صوتنا للجهات المعنية للتدخل لفك العزلة عن هذا الإقليم الذي تقل موارده الذاتية بكثير عن مطالب الساكنة التي ما فتئت تزداد وتتكاثر للمطالبة بالخبز والماء والكهرباء والمدرسة والمستشفى ووو... إعداد: عبد الكريم جلال