" الحكامة والتنمية الترابية" كانت موضوع مائدة مستديرة ، نظمتها الجماعة القروية لتيموليلت في نسختها الخامسة، بشراكة وتعاون مع مركز الدراسات في الحكامة والتنمية الترابية، يومه السبت 25 ماي 2013 بمقر الجماعة. هذا الملتقى العلمي حضره عدد من الأساتذة الباحثين من جامعات وكليات متنوعة ( طنجة، مكناس، سطات، بني ملال، المحمدية، مراكش) إضافة إلى فاعلين مدنيين ومتتبعين آخرين للشأن التنموي والجمعوي بجماعة تيموليلت ونواحيها. استهلت الجلسة الأولى بكلمة تقديمية وترحيبية لرئيس الجماعة السيد السملالي ، رحب من خلالها بمختلف الحاضرين، ومبرزا الدور الكبير الذي أصبحت تلعبه مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العمومي،ومؤكدا على أن الوثيقة الدستورية الجديدة حبلت بمستجدات للحكامة، أهمها ارتكاز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر وعلى التعاون والتضامن وتامين مشاركات السكان المعنيين في تدبير شؤونهم. مضيفا أن الجهات والجماعات الترابية الأخرى تساهم بدورها في تفعيل السياسات العمومية للدولة وفي إعداد السياسات الترابية وتنفيذها وتتبعها. معتبرا في ذات السياق أن هذه الأمور كلها لن تتم إلا باعتماد وسائل وموارد مالية كافية وموارد بشرية لها من الكفاءة ما يؤهلها للقيام بمهام الإعداد والتنفيذ والمتابعة والتقييم ، ولها من القدرة ما يجعلها تعمل على توظيف أنماط وأساليب التدبير الجيد والحكامة الجيدة. من جهته توقف السيد محمد رضوان رئيس قسم الجماعات المحلية بعمالة ازيلال، في كلمته عند مفهوم الحكامة الجيدة ومبادئها وقيمها، واعتبرها تعبيرا عن ممارسة السلطة السياسية وحسن إدارتها لشؤون المجتمع ومواردها ، كما أنها مفهوم استعجالي تبناه المنتظم الدولي لتجاوز حالة الخلل القائم في التنمية ومشاريعه التنموية التي تستهدف تحسين مستواه المعيشي. مضيفا أن هذه الحكامة هي أيضا آلية من آليات التدبير الرشيد والحكيم ، تهدف إلى تحقيق التوازن في شتى الميادين وهي دعامة ومدخل أساسي لتحقيق التنمية البشرية المستدامة. من جانب آخر، أكد السيد رضوان أن الحكامة الجيدة اختلفت تعاريفها من منظومة إلى أخرى، إذ هناك من ربطها بالديمقراطية أو الأمن واحترام حقوق الانسان، القانون، المراقبة والمحاسبة والشراكة.. لكن يجمع الكل على أهميتها الكبرى في التدبير الجيد للشأن العام للمواطنين. ولم تفته الفرصة للتأكيد على أن الجماعات الترابية باعتبارها وحدات ترابية أصبحت تلعب دورا أساسيا في هذا الموضوع، حيث يتم تسخيرها لتثبيت مبدأ القرب الخدماتي للمواطنين عل ارض الواقع، رغم مجموعة من النقط السوداء التي قد تعتري مسلسل التنمية بهذه الوحدات الترابية. من جانبه، وفي كلمته التقديمية، أسهب الدكتور احمد حضراني رئيس مركز الدراسات حول الحكامة والتنمية الترابية بمكناس، في التعريف بالمركز وتشكيلته وأهدافه ورؤاه من جهة، وفي تعداد انشغالات المركز واهتماماته التي تنصب حول المطالب الاجتماعية والقضايا المجتمعية والمشاركة في السياسات العمومية وتحديات الحكامة الجيدة، وذلك من خلال انخراطه في مقاربة تشاركية من اجل صنع سياسات عمومية تتبنى الحكامة كاختيار رشيد للتدبير الجيد للشأن العام الوطني والمحلي، وما يستلزمه ذلك – يضيف- من إيجاد أساليب حديثة بقصد تنمية ترابية شاملة مندمجة ومستديمة وفي شكلها المركب والتراكمي والمتجاوز للمقاربة التقليدية. أما في مداخلته الثانية حول مبادئ الحكامة الجيدة والتنمية الترابية وفقا للدستور الجديد، فقد اعتبر الحضراني أن دستور 2011 أسس وبصورة واضحة لمبادئ الحكامة الجيدة والتنمية المستدامة في علاقتها بالجماعات الترابية ، معتبرا بذلك أن هذا الدستور قد توفق في هندسة العلاقة الجدلية بين كل من السياسات الترابية والتنمية المندمجة والمستدامة( الفصل 136) ، كما اعتبر أن التنمية باعتبارها حقا من حقوق الانسان، فان تحقيقها هو ترجمة للحكامة، وحضنها الحضين هو الوعاء الترابي المحلي ، الذي يمكن اعتباره المشتل القاعدي لترجمة اختيارات المركز.وذلك لن يتأتى إلا بمساهمة جميع الجهات والجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسات العمومية للدولة وفي إعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين خصوصا. ودعا بعد ذلك إلى ضرورة مراعاة مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام، حيث أن المرافق العمومية يجب أن تخضع دائما لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية وللمبادئ والقيم الديمقراطية، وهو ما يعكس الحرص على تطويق التدبير المحلي بمبادئ الحكامة الجيدة. مشددا في ختام مداخلته على الأهمية القصوى للنصوص القانونية التفصيلية في هذا الإطار بما يضمن تنزيلا سليما لهذه المبادئ والتشريعات ،و أن ذلك كله يحتاج إلى روح تنهض بها. يذكر، بان أشغال هذا الملتقى العلمي الخامس، عرف مجموعة من المداخلات الأكاديمية ، التي تقدم بها عدد من الأساتذة الباحثين في مواضيع مختلفة ، والتي لها ارتباط وثيق بموضوع الحكامة الجيد والتنمية الترابية . منها ما تعلق بالتسويق الترابي ودوره في تحقيق التنمية المجالية للباحثة فتيحة بشتاوي، أكدت فيه على ضرورة العمل على تحسين تسويق المنتوج الترابي من خلال استعراض المقومات المؤهلات التي يتوفر عليها التراب لضمان استقرار الاستثمارات والتأثير في المستثمرين والسياح عن طريق تقديم عروض تظهر قيمته بشكل اكبر. كما اعتبرت الأستاذة بشتاوي ان تدبير المجال أصبح يعتمد على مبدأ التنافسية المجالية. فالتسويق الترابي – في اعتقادها- يتجلى في تحقيق تنمية مجالية من خلال تحريك القطاع الصناعي عبر خلف مناطق صناعية وتحريك القطاع السياحي عبر استقطاب السياح من خلال توفير الظروف الملائمة لك، علاوة على تحريك القطاع الخدماتي وجلب الاستثمارات وخلق فرص الشغل وتحسين المشهد الحضري. تلتها مداخلات أخرى، أبرزها مداخلة الاستاذ عدنان الزر وقي الذي قدم قراءة نقدية للمسالة الترابية في ظل المخطط التشريعي الذي أعدته الحكومة الحالية،وتوقف عند نقط القوة ونقط الضعف والثغرات التي تشوب هذا المخطط ، رغم انه يعتبر سابقة مهمة في تاريخ العمل الحكومي المغربي. حيث ابرز أن الدستور الجديد لم ينص على إلزام الحكومة بإعداد مخطط تشريعي ولم ينص على اختصاص البرلمان بالتصويت عليه. وأكد كذلك، على أن أهمية مناقشة محتويات هذا المخطط تتمثل في كوننا أمام وثيقة مرجعية هامة تعتبر هي الوسيلة التي ستعمل الحكومة على تفعيل الدستور في أهم مقتضياته خاصة منها ما تعلق بوضع القوانين التنظيمية ، أو ما سماه المرحلة التأسيسية التي يمر منها التاريخ الدستوري والقانوني والسياسي المغربي، والتي تحتاج- حسب تعبيره- إلى تحليل سياسي عميق. من ناحية أخرى اعتبر الاستاذ عدنان أن دراسة هذه الوثيقة ستمكننا من معرفة منهجية عمل الحكومة ورؤيتها لكيفية بلورة السياسات العمومية بشكل عام، مع التركيز على حضور المسالة الترابية في هذا المخطط في أفق تفعيل مسلسل الجهوية الموسعة. أما المداخلات الأخرى ، فقد ارتكزت حول الإصلاح الجهوي في ظل الدستور الجديد للأستاذ رشيد لبكر، والبعد المالي لمشروع الجهوية المتقدمة للأستاذ امحمد قزيبر ، ثم الجهة و إعداد التراب: الاكراهات وسبل التجاوز للأستاذ احمد المالكي من كلية الحقوق بمراكش. اختتم الملتقى بمناقشات عامة تفاعل فيها الحاضرون مع مداخلات الباحثين، وأجمعت اغلبها على ضرورة اعتماد آليات ومبادئ الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام وطنيا وجهويا ومحليا، بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة والشاملة لمواطنين.