في الأيام القليلة الماضية ،احتضنت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالسويسي ، ندوة دولية كبرى في موضوع »تقويم السياسات العمومية وأنساق الحكامة بدول المغرب العربي على ضوء الربيع العربي «، و تميزت هذه التظاهرة العلمية بمشاركة عدد من الخبراء والباحثين الدوليين المشهود لهم بالتجربة والخبرة من المغرب وأوروبا والمنطقة العربية ، وقد تم تنظيم هذا الملتقى العلمي تحت إدارة وإشراف الدكتور محمد حركات رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والحكامة العامة ، ومدير المجلة المغربية للتدقيق والتنمية . و يعرف برنامج الأممالمتحدة الإنمائي الحكامة بأنها منظومة جديدة من العلاقات والمساطر والآليات والمؤسسات التي تتداخل في ما بينها ، وتتقاطع في إطارها مصالح المجموعات والأفراد، وتمارس على أساسها الحقوق والواجبات، ويتم الارتكاز عليها من أجل إيجاد الحلول للمشاكل والخلافات والنزاعات، يتم الانطلاق منها للعمل على تذويب التراتبية وتشجيع علاقات التشارك بين المسيرين والمساهمين، وبين مختلف الفاعلين داخل المجتمع، وضمان حسن التنظيم وتوزيع المسؤوليات،وتقوية القدرات والكفاءات ودعم التواصل الداخلي و الخارجي.. والحقيقة أن هذا المصطلح الذي بدأت الدولة تهتم به خلال السنوات الأخيرة ، سبق للدكتور حركات أن طرحه للنقاش منذ أكثر من 25 سنة مضت، وأولاه أهمية كبرى خلال الحديث عن الإصلاحات الدستورية التي أفرزت دستور 1996 ، الذي ارتقى بالمجلس الأعلى للحسابات إلى مؤسسة دستورية، بل إن الدكتور حركات الخبير الدولي في التدقيق والحكامة الشاملة ، ظل طيلة سنوات تدريسه داخل المؤسسات الجامعية بالداخل والخارج ، يشدد على الدور الكبير الذي يلعبه التدبير الجيد والتقويم الشامل للسياسات العمومية في نجاح البناء الديمقراطي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة ، ويحرص أشد الحرص على إنجاز الأبحاث والدراسات في هذا المجال ، وهكذا أشرف على عدد كبير من أطاريح الدكتوراه والسلك الثالث، التي تلتقي في معظمها حول موضوع الحكامة والتدبير الجيد للشأن العام ، وتكفي الإشارة إلى أنه كان من الباحثين الاقتصاديين الأوائل ، الذين انصهرت أسماؤهم بمواضيع المراقبة والشفافية والافتحاص ومحاربة الفساد والرشوة والتدبير الجيد وأخيرا الحكامة .. وبدا هذا المفهوم السحري » الحكامة « يغري رجال السياسة ، حيث انتقل استعماله من الوسط العلمي الجامعي إلى الوسط السياسي ، وهو ماجعله يتردد في خطب القادة السياسيين والمسؤولين الحكوميين ، وللتذكير فقط ، تردد هذا المصطلح أكثر من مرة في التصريح الحكومي الذي قدمه الأستاذ عباس الفاسي رئيس الحكومة السابق ، حيث أكد أن » الحكامة الجيدة تعتبر مدخلا رئيسيا لإقرار التنمية في بلادنا ، حيث تولي الحكومة عناية خاصة لتحسين الحكامة ،والعمل على محاربة الرشوة والفساد ، وتخليق الحياة العامة ، ودعم شفافية التدبير الاقتصادي ، وتقييم السياسات العمومية ، ومراجعة نظام الرخص والامتيازات ، ومحاربة المخدرات، وتخليق التدبير المحلي . وأفرد دستور فاتح يوليوز 2011 بابا خاصا للحكامة الجيدة وهو الباب الثاني عشر الذي يشمل الفصول من 154 إلى 160، و الإحالة على الفصول من 161 إلى 170 التي تهم مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية، وهيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها ، ، بالإضافة إلى وجود هذا المصطلح في فصول أخرى من الدستور . وتضمن برنامج الحكومة التي يقودها الأستاذ عبدالإله بنكيران ،أيضا الحديث عن مفهوم الحكامة ، حيث تردد حوالي 36 مرة مقرونا بقطاعات وبمؤسسات وسياسات، وتم التأكيد على » أن الولاية التشريعة الحالية ،ولاية استثنائية بامتياز لأنها مرتبطة بمحطة أساسية تهم التنزيل السليم للدستور ، المدخل الأساس لكسب تحديات الحكامة الجيدة والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ..« وهكذا تمت الإشارة إلى اعتماد نظام الحكامة الجيدة وإرساء سلوك جديد قائم على الشفافية وتحديد المسؤوليات وسيادة القانون وتثمين الموارد البشرية والصرامة في ربط المسؤولية بالمحاسبة ، وترسيخ الحكامة الرشيدة الضامنة للكرامة والحقوق والحريات والأمن ، والإلحاح على تقوية الحكامة الجيدة في التدبير العمومي ، من خلال إصدار ميثاق للمرافق العمومية يحدد قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية والأجهزة العمومية الأخرى كما يشير إلى ذلك الفصل 157 من الدستور . إن الحكامة الجيدة والتنمية الاقتصادية وجهان لعملة واحدة وهي بناء المجتمع الديمقراطي المتماسك والقوي والمتضامن حسب تعبير الخبراء الاقتصاديين، فهل ستكون آلية الحكامة في بلادنا بمثابة العصا السحرية التي ستجد الحلول لجميع المشاكل والإكراهات والتوعكات، وبالتالي التمكن فعلا من بناء هذا المجتمع ؟ أم أنها ستكون مجرد مصطلح رنان يستعمل للتسويق الخارجي فقط ؟ ذلك ما ستكشف عنه الأيام والأسابيع والشهور القليلة المقبلة .. عبدالفتاح الصادقي