و كان بسام يا سادة يا كرام يشهد ما يقوم به عنترة من الفعال ، وكيف يبرع في النزال ، و كيف يجندل الأبطال في ساحة الوغى و القتال ، فزاد حسده له و أضرمت نار الحقد في كبده ، وأضمر أن يقتله غدرا إن وجد لذلك سبيلا ، فجعل يدير عينيه عليه و يرقبه لعله يجد منه فرصة سانحة .. و كان عنترة يلتقي الأبطال و لا يتأخر في ذلك أو يتقهقر، و يحمل حملات الأسد الغضنفر، ثم إن الغادر بسام لما رأى الغبار قد انعقد ، و الرؤية لم تعد ممكنة و كأنما حل الظلام و ارتفع ، من كثرة العجاج و النقع ، و ما بقي أحد يعرف أحد ، أتى من وراء عنترة و حمل عليه و صوب السنان إليه ليطعنه في ظهره غدرا و غيلة، و الغدر يا سادة ياكرام من أخلاق اللئام .. و إذا بنبلة أقامت في صدره و خرجت تلمع من ظهره، فزعق و مال عن الجواد و تمدد على الأرض و المهاد .. و اعلموا يا سادة يا كرام أنه كان من أصاب بسام هو شيبوب أخو عنترة ، و كان لما رآى القوم قد خرجو للقتال ،و خاف على أخيه عنترة من شرب كأس الحمام ، و هو غير موجود …فعدا يبحث عنه و هو كالبرق تحت الغمام حتى لحقه، و هو في الوغى يلاقي الفرسان ، فصار يحمي ظهره من كل ضربة غادرة أو طعان ….. فرآى ما عزم عليه العبد بسام ، و رآه وهو يهجم على أخيه في الظلام ليغدره بطعن السنان ، فجرد قوسه و ركب السهام ، وضربه بنبلة في صدره فخرجت من ظهره و سقاه في الحال كاس الحمام ، و جرى من القصة ما جرى و صار ….. هذا كله و عنترة منشغل بقتال الأعداء و الأبطال و لا علم بهذه الأعمال و الفعال ،حتى وصل الى المتغطرس و هو يشير لفرسانه بالرمح و يحرضهم على القتال ، فعلم أنه قائدهم و المقدم عليهم من دون الرجال ، و لما رآى المتغطرس الفرسان تتقهقر قدام عنتر، تقدم و صدم عنتر ، بقلب مثل الصخر المرمر و كان من أفرس اهل زمانه و أشجع فرسان عصره ، وهوفارس شديد و بطل صنديد لا يصطلى له بنار و لا يعتدى له على جار .. فلما التقى بعنتر في القتال ، تطاعنا بالرماح و خفقت منهما الارواح ، فاشتد من عنتر الغضب فصاح به و هاجمه مهاجمة الأسد و طعنه بحنق فخرق ما عليه من الزرد …و مزق أحشاءه و الكبد فنفرت أصحابه كما ينفر القطيع من الذئاب ،و تشتتوا في البراري و الوديان و كل بحث لنفسه عن الامان و اختبأ عن العيان و هذا ماكان .. أما ما كان من بني عبس فإنه لما أن تم القتال ، و جمعت العبيد الأسلاب و الأموال، و ساقت الخيول و الجمال،قصدت فرسان بني عبس الديار و هم يثنون على شداد و إخوته الأمجاد،و يمدحون عنتر و شجاعته ، و عنتر فرحان بهذا المقال و شداد أيضا لا يسعه المكان ، لأنه كان يعلم انه بسببه ارتفع قدره بين الرجال و السادات الكرام .. ثم إن عنترة أتى إليه و قبل يديه ، فاستقبله شداد و قبله بين عينيه و كذا فرحت به جميع بني قراد ..و طلب زخمة الجواد من أخيه شداد أن يعامله مثل الأولاد و يلحقه بنسبه ، لما ظهر عليه من أدب و نجابة ،و قام به من فعال و أعمال ، و هو يستحق أحسن و أفضل الأنساب ،فتبسم شداد من ذلك و لم يجب بجواب ، و كان عنترة يسمع ما كان بينهما من كلام … وسار الجميع طالبين المضارب و الخيام ، و العبيد و الرعيان وراءهم يسوقون ما ضاع منهم و ما غنموه من اموال .. و عنترة من ورائهم و هم له أمام ، و قد سمع كا ذكرنا جميع ما قالاه من الكلام فكتمه و أخفاه في فؤاده و لم يبده لا في خطاب أو نظام، تم إنه تذكر حبه لعبلة ابنة عمه فزاد به الهيام، فأنشد يقول : انا الفارس المقدام و البطل الذي ….تذل له الفرسان يوم المهالك فلما سمعوا منه ذلك الإنشاد ،ما من أحد الا و له شكرله و زاد ، و لم يزالوا سائرين حتى وصلوا إلى الخيام و شيبوب في عدوه بينهم كأنه ذكر النعام ، و قد أظهر الفرح و المسرات و هو يسوق ما حصل من الخيل و الأسلاب حتى وصلوا إلى الحي ، و استقروا يرتاحون من تعب الحرب .. و لما خلا المكان ..قال عنتر لأمه زبيبة : يا أماه قد سمعت اليوم كلاما بين عمي زخمة الجواد و مولاي شداد ، و ما عرفت معناه ، و قد أورثني ما سمعت الأسقام، و طرد من عيني المنام ، فأخبريني من هو أبي لاعرف نسبي بين الأنام .. قالت له يا سادة يا كرام : ياولدي أنا أقول لك الحقيقة …..ذلك أنه في صغري أخذت مسبية من طرف عدد من الفرسان …… في الغد ترقبوا حكاية جيدة من حكايات أبي الفوارس عنترة