يا سادة يا كرام صلوا على رسول الأنام كان كل هذا يجري و يحدث و عبيد بني عبس ينظرون و يرون ما يفعل عنترة بالفرسان ، و كانوا يتمنون لو أنهم يعجلون في القضاء عليه و الانتهاء منه حتى يعودوا إلى ساداتهم الربيع بن زياد و ساش بن زهير بالخبر السعيد و هو موت عنترة … أما من بقي من فرسان بني قصطل فقد حاروا في أمورهم من فعل عنترة و قدرته على شق الصفوف و قتل الألوف ، ولما رآى قائدهم غالب ما حل برجاله من ضيم ، علم انه لا بد له من مواجهة عنترة بنفسه و مبارزته في الميدان، وقال في نفسه : لا أحد يأخذ بثاري من هذا العبد إلا رمحي و سيفي .. فقال له أصحابه : لو كنت خرجت إليه من الأول كنت أعفيت الرجال من القتل و القتال وجندلت هذا العبد و خلصتنا منه في الحال .. قال غالب : اعلموا أن الاجل محتوم و الرزق مقسوم …و ابن ثلاثة لا يموت ابن يومين و ابن يومين لا يموت ابن يوم ..و أنا الذي فرطت في قتال عبد السوء هذا .. ثم انه نهر جواده و كان جوادا أدهم حالك اللون كالليل الدامس بقوائم كالعمد …و عيناه كأنهما سراجان تتوقد و هو على ظهره كأنه برج مشيد و كان غالب كبير الرأس تابث الأساس صلب الأوصال عريض الأكتاف خبيرا بالقتال كثير الأهوال ، و ملاقاة الابطال فلما خرج إلى الميدان صال و جال و تفكر أفعال عنترة برجاله فانشد يقول: رمتنا صروف الدهر من قوس صرفه …على يد عبد لا يبالي بحتفه و أراد ان يتم شعره و إذا بعنتر قد فاجأه و لاقاه بصدمته و أجابه بالقول : تعايرني يا ابن اللئام بأنني ..كلون الدجا ها قد بليت بسعفه ثم حمل عليه بما بين يديه، ثم طعنه بين ثدييه فخرج السنان يلمع بين كتفيه ، تم انقض على باقي أصحابه مثل انقضاض الباشق على العصفور ، فبددهم و نشرهم على الرمال و انتهى منهم في الحال .. و رآى عبيد شاس و الربيع ما حدث لفرسان بني المصطلق فتفرقوا في البراري خائفين أن يدركهم عنترة و ساروا ناشدين الديار ،و عاد عنترة و سيفه يقطر بالدما الى حيث ترك نسوان بني عبس ، فاستبشرن بقدومه و فرحن بالخلاص و النجاة على يديه ، اما عبله فتبسمت في وجهه و شكرته على صنيعه و قالت له : لله درك يا أبيض الفعال و يازين المجال و يا غاية الآمال و يا مليح الخصال … و لما كلمته بهذا الكلام الذي كان على قلب عنترة مثل العسل و كالعافية على جسد العليل، شكرها على كلامها و ردها الى هودجها برفق .. و ساروا جميعا في فرح و سرور و هم يذكرون فعال عنترة و كيف استطاع أن يتغلب على الفرسان و يسقيهم الموت و هو مفرد و هم كثرة .. حتى وصلوا الى حي بني غطفان فوجدوا أهله منشغلين بإعداد الولائم المعتبرة ينتظرون قدومهم إليهم و قد استبطأوهم ، فلما استقر بهم المجلس أخبرت نساء أزواجهن بما و قع في الطريق و كيف قام عنترة بالدفاع عنهم و منع بني المصطلق من الوصول إليهن .. فلما سمع شداد ذلك زادت رغبته في ولده عنتر و افتخاره به ،و لم يعرف بم يجازيه ، فعند ذلك قام من بين الحاضرين و أخذه من يده و قبله بين عينيه و أجلسه بين السادات ، و قعد عنترة لحظة من أجل خاطر أبيه ، ثم قام ووقف بين العبيد على ما جرت به العادات و قال : و الله يا مولاي لن أغير في خدمتك الغاية … و ضحك شداد من حسن أدبه ، و طيب أخلاقه ، و ما من سادات بني غطفان الا من تعجب من شجاعته و دماثة أخلاقه ، و هابه و قدره كل التقدير و قربه كل القرب ..و أجلسوه بينهم و نادموه بالحديث و الأخبار ..و اسقوه من صافي الشراب و داروا عليه بالكاسات و زادوا عليه بالاكرام و الإنعام و الاهتمام .. فعند ذلك انشد عنترة هذه الأبيات صلوا على سيد السادات : امزج بماء كأسك و اسقني ….فلقد مزقت مدمعي بدماء و اشرب على ظهر الرياض ثلاثة ..تنفي الهموم بعاجل السراء و داموا على شرب المدام مدة سبعة ايام بالتمام و الكمال ، و لم يمض يوم إلا و بنو غطفان يزيدون من قدر عنتر و أبيه شداد و من معه من الرجال الأجواد من بني قراد ….. ترقبوا في الغد حلقة جديدة من حكايات عنترة