إننا إذن بصدد علمانيتين، علمانية تعرف الحقيقة فتنقلها كما هي، وهي والله تغنينا من تتبع نقدها. و علمانية مزوَّرة مزوِّرة، وهي والله التي تتعبنا في تتبع حجاجها الفاسد. فلم لا تفعلون كما فعل بوعلي؟ لم تريدون إسقاط التاريخ الأوربي الكنسي على التاريخ الإسلامي* ( لا أنفي وجود أخطاء كثيرة وقعت، تلك الأخطاء التي لا تدفعنا إلى ترك الدين، بل تدعونا إلى تصحيحها). ولم تريدون إقناعنا ببراهينكم العجيبة بأن العلمانية صالحة لكل زمان ومكان؛ وصالحة للمجتمع المسيحي والمسلم والهندوسي والبوذي. يكفيكم ما قاله بوعلي. ولعمري إن ما يقوله محمد سعيد عشماوي في كتابه" الإسلام السياسي " لا يستحق الرد بعد هذا كله إلا من أجل بيان تهافت وكذب بعض العلمانيين العرب. وإلا فما يخلص إليه بوعلي لأشد وقعا عليهم من وقع كلامنا. فقد شهد شاهد من أهلها، وعلى أهلها جنت براقش، وما براقش في جدالناهذا - الذي نتمنى أن يكون بالتي هي أحسن – إلا بوعلي. لنستمع إليه ولتكن رصاصة الرحمة لكل من يعاند ويكابر ويستمر في الجحود والإنكار، اسمعوا إليه حيث يقول: " قد كان الدين الإسلامي – بعكس المسيحية – منذ نشأته دينا من ناحية، وحركة اجتماعية سياسية من ناحية أخرى".(ص153). إن هذا الكتاب أعتبره مهما للغاية. و إذا كان من الأدبيات الأولى التي يطلع عليها اليساري العلماني الحقوقي الديمقراطي، فإني أرى أنه يجب أن يكون أيضا من الأدبيات التي يطلع عليها المؤمن بالدين الإسلامي وبالشريعة الإسلامية. وهذه لعبة يتقن العلمانيون لعبها جيدا، وهذا ما تجلى في محاضرة الأستاذ أحمد عصيد بدمنات. وهذا ديدنهم، فهم ما فتئوا يستشهدون بجمال البنا وجمال عبد الرزاق و محمد سعيد عشماوي...محاولين بذلك نقض الفكرة الإسلامية من داخل الصف الإسلامي والمؤسسة الإسلامية متمثلة في الأزهر الشريف، فلم لا نلعب هذه اللعبة، فنتتبع ما يقوله أمثال بوعلي ياسين. إن العلمانية المغربية، والعربية عموما، تحمل في ذاتها محفزات الفشل والسقوط. علمانية تصرح أحيانا بالعداء للإسلام وضمره أحيانا أخرى، وإن المجتمع المغربي والعربي لقادر إن شاء الله تعالى على نقض عرى هذه الفكرة الهدامة. و إن مبتدأنا ومنتهانا من هذا كله أن يرجع العلمانيون المغاربة على صف التوحيد الخالص، لأن الذي دمر المسلمين ليس الإسلام وإنما بعدهم عنه، وبكلام بوعلي أختم فأقول: " عندما وحد المسلمون الله، وحدوا العرب والقبائل".(ص89)