1- الفحش وقطع الرحم: ظهرت مؤخرا على وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة إنتاجات إعلامية تحاول نقل الصورة الاجتماعية كما هي، فما هي هذه الصورة؟ إنني أركز هنا على مستوى " الفحش اللغوي"، فقد ظهر في السوق اللسانية معجم جديد وتراكيب لغوية لم تألفها الأذن المغربية قطعا؛ معجم فاحش متناقض مع التقاليد ناهيك عن الدين، يُظهر السقوط الأخلاقي المدوي الذي أصاب مجتمعنا. و تساعد وسائل الإعلام( عبر الأفلام، الموسيقى الشبابية بالخصوص...) في هذا الأمر بإشاعته ناسية أن للإعلام وظيفة أسمى من ذلك. لكن ماذا نفعل بالإعلام الذي يتحكم فيه الرأسمال ومنطق الأرباح؟ إعلام النظام العالمي العلماني الجديد، هذا الإعلام الذي لا حظ له من الأخلاق الراقية إلا الفتات، ثم يتعلل بكونه ينقل الصورة الحقيقية كما هي وكأننا نحن –المشاهدين- لا نعرفها. كل هذا بسبب الحرية المطلقة؛ ابحث عن أصل الداء تجده جرثومة اسمها: الحرية. فباسم الحريات تنتهك الأعراض، وباسم الحريات تنتهك الأسماع، وباسم الحريات تنتشر الفاحشة. فكيف سيكون المعجم اللغوي داخل العائلة عندما تنتقل هذه المجوعة اللغوية الفاحشة إلى ألسن الآباء و الأمهات؟ يسمع الأطفال سبابا بين الأبوين ما أنزل الله به من سلطان؛ سباب كله فحش. أما بالنسبة لي شخصيا، فلم أعد أستغرب عندما ينطق طفل لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات بكلمات بذيئة. ثم كيف تكون العلاقة بين الأبوين والأطفال الذين تُوجه لهم مثل هذه الكلمات من قِبل الوالدين؟ إن من إعجاز الحديث النبوي ومن نبوءاته الخلابة أنْ جمع في حديث عجيب بين أمرين قد يبدوان متباعدين. يقول صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة"( رواه أحمد، الجزء الثاني، رقم 162). إن النتيجة المنطقية المحتملة لعائلة يسود على لسانها المعجم الفاحش أن تنقطع علاقات المودة بينها، لهذا لن نستغرب عدم زيارة الأخ لأخيه و الابن لأبيه ...إن الكلام الفاحش يزيل عاطفة المودة والشفقة، لذلك فمجرد ما يكبر الأب أو الأم لا مكان لهما إلا دار العجزة ثم تنقطع الأخبار بعد ذلك. 2- الافتراء على الأولين: عندما تغيب الرؤية الدينية داخل مجتمع ما فإن الأخلاق تبعا لذلك تضمحل وتذوب تاركة المجتمع في أتون حرب إفسادية لا طاقة له بها. إن الوازع الديني يؤثر في الأخلاق البشرية أيما تأثير، ولقد نبه ديكارت إلى هذه المسألة عندما أكد إلى أن الاعتراف بوجود الله عز وجل ضروري لبناء العلاقات الإنسانية على أساس العدل لا على أساس المنفعة. ولقد أثبتت التجارب الكثيرة أن الإنسان مستعد وميال إلى تحييد الأخلاق بمجرد ما تتاح له فرصة ذلك، لذلك جاء الدين لتزكية النفس. فتصوروا معي إنسانية مبنية على أساس العقل البشري وما يراه في مصلحته؛ إن هذه كارثة ستؤدي بالتأكيد إلى تضارب المصالح النابعة عن اختلاف الرؤى، فمادام لكل منا عقل فالأكيد أن مخرجات العقول ستختلف تبعا لاختلاف الطاقات والجهد المبذول والرغبة في الإصلاح. ولقد سمح غياب الوازع الديني في مجتمعاتنا بظهور ظاهر ة الكذب بشكل فاضح، وقد تجسد على المستوى القانوني في أكل حقوق اليتامى والأرامل بواسطة شهادة الزور التي ليست إلا تجليا مكشوفا لقدرتنا غير الأخلاقية على الكذب. و إن ضياع الحقوق المالية لجزء يسير من نتائج هذه الظاهرة، إذ إن الأموال يمسكن استرجاعها، وإن الله يقتص للمسروق من السارق طال الزمن أو قصر. ولكن الأخطر أن تمتد ألسنة الناس في هذا العصر إلى الكذب كي يصلوا إلى مبتغاهم المتمثل في تشكيك الناس في هذا الدين، ولو أنهم اتبعوا لذلك سبيلا عقليا منطقيا لكان ذلك مستساغا مقبولا، ولكنهم يجعلون الكذب مطيتهم، فيرمون الصحابة بالتدليس، ويتهمونهم بأنهم اختلقوا أحاديث كثيرة. و لقد كان علم الرجال؛ علم الجرح والتعديل، قد عمد إلى تصفية الحديث صحيحه و ضعيفه، فانتخب لنا أحاديث تعد أوثق الأحاديث. فإن كتابا مثل البخاري يحتوي على 7563 حديثا لدليل على ما نقول، إذ إن البخاري فيما وصلنا عنه أنه كان يحفظ مئات الآلاف من الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يذكرها كلها لأن هناك ضوابط وقواعد تفرض على المشتغلين بجمع الأحاديث في ذلك الزمان سلك طريق وعرة تفضي بالباحث إلى معرفة الحديث الصحيح من غيره. ولأن هذا الزمان كثر فيه اللغط واستأسد فيه مثيرو الفتن نجد كثيرا من " المفكرين " يطلقون أشد العبارات ويؤلفون أكثر الكتب هجوما على الإسلام، لا لشيء إلا لاتباع هوًى عندهم الله أعلم به؛ فمنهم من يريد الشهرة ومنهم من يريد المال الذي يأتي من مؤسسات بحثية خارجية لها أهدافها الواضحة في محاربة الإسلام... ولقد تم استغلال تقصير الدولة الكبير في أداء وظيفة كبرى من وظائفها، والتي هي حماية الأمن العقدي للمسلمين، تحت دعوى حرية التعبير واحترام المواثيق الدولية، والتي لا تضمن هذا الحق إلا لفئة دون أخرى. يشير الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الفتنة الكبرى التي سيعرفها آخر الزمان، فتنة الافتراء على الأولين، و اتهامهم بما ليس فيهم قائلا: " إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم "( مسلم، كتاب الإمارة، الناس تبع لقريش والخلافة في قريش، 1822). وقال أيضا: " سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم و إياهم"(مسلم، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها،6). لقد احتاط فعلا جامعو الحديث، فأوصلوا لنا هذه الثلة المنتقاة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن هناك جما غفيرا من الأقلام ما تزال مشككة فيها لغاية في نفسها. وإن مشاهدةً للقنوات التلفزيونية لكفيلة بالتعرف على هؤلاء الذين يتخذون الفكر الإسلامي غطاء لتمرير أفكارهم الداعية إلى علمنة المجتمع( محمد شحرور، جمال البنا، مصطفى بوهندي...).