1 من المفارقات السياقية التاريخية التي لا نستحضرها أثناء حديثنا عن العلمانية أن الوضع الأوروبي مهد لاستقبال الدين العلماني، لقد كانت لدى الأوربيين قابلية لاحتضان حالة الخروج من الدين كحل للمأزق اللاهوتي. لكن هذا لا يمنع من القول إن العلاقة بين الدين وأوربا لا زالت متينة لدرجة تجعل أوروبا الحالية تدافع عن اعتبار الحروب التي دارت بين العثمانيين والمسيحيين الأرمن مجازر وجرائم حرب ضد الإنسانية، وأيضا لدرجة أنها تفكر ألف مرة في قبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوربي، و لدرجة أنها لا تستطيع أن تعتبر جرائم الصهاينة ضد الفلسطينيين جرائم ضد الإنسانية. لقد وقفت العلمانية الأوربية حائرة أمام هذه الأحداث، فلا تدري أ تطبق المبادئ العلمانية فتلوم الصهاينة وتحضن الأتراك؟ أم تنساق وراء لا وعيها و لا شعورها الجمعي كما تفعل الآن، خالقة نوعا من التناقض الجارف الذي يجر العقل العلماني الغربي إلى حتفه. تبرز هذه العلاقة الغامضة بين العلمانية والمسيحية في أوربا في مناظرة "يورغن هابرماس" الألماني مع ألماني مثله؛ "جوزف راتسنغر". هابرماس الفيلسوف الألماني الذي ذاع صيته وملأ العالم المعاصر، فيلسوف ألماني حاضر بقوة في الفلسفة الأوروبية الحديثة، وساهم بشكل كبير في إغناء تصور الدولة الليبرالية الدستورية، إنه الشغل الشاغل لكل من له اهتمام بالشأن السياسي الأوربي من وجهة فلسفة التاريخ والفلسفة الاجتماعية. و "راتسنغر" الذي عرفه العالم كبابا للكنيسة الكاثوليكية باسم "بندكتس السادس عشر"، رجل الدين المعروف بمناداته إلى حوار الأديان. وقد كانت أقوى لحظات التاريخ الكنسي الحديث لحظة اعتزاله المقعد البابوي وتفضيله التوقف عن رعاية "الخرفان المسيحية" بعد أن تعبت قواه ولم تسمح له بمزاولة عمله. هذا ما تم تداوله في المطبخ الإعلامي، أما غير المفكر فيه في سبب هذا الاعتزال فيبدو أننا سنجد له جوابا في هذه المناظرة التي كانت بتاريخ 2012، والتي دارت رحاها بالأكاديمية الكاثوليكية لمقاطعة بايرن بألمانيا. يقول رايتسنغر:" ما يخيفنا اليوم هو ليس احتمال وقوع حرب نووية كبيرة، لكن الإرهاب المتواجد في كل مكان والذي يمكنه أن يمر للفعل في كل وقت. وأرى أن الإنسانية لم تعد في حاجة لتلك الحرب الكبيرة لكي يصبح العيش في هذا العالم غيرعدد القراء : 1 | قراء اليوم : 1