بعد أحداث 11 شتنبر التي هزت الولاياتالمتحدةالأمريكية، عاد سؤال العلاقة بين الديني والسياسي إلى الواجهة. الذين ضربوا رموز أمريكا أعلنوا انتماءهم للإسلام ،وأنهم قاموا بفعلتهم باسم الجهاد في سبيل الله في الوقت الذي أعلن جورج بوش الرئيس الأمريكي السابق عن القيام بحملة دولية لمكافحة الإرهاب باسم الصليب، وأن الرب هو الذي أوحى له بهذا العمل. جان صولي المفكر الفرنسي يعيد قراءة العلاقة بين الديني والسياسي في كتابه "الدين والسياسة : المسيحية والإسلام والديمقراطية". يستقرئ اللاهوت المسيحي كما يستقرئ علم الكلام الإسلام لفك شفرة الروابط بين الدين والسياسة، وحجم تدخل كل واحد منهما في الآخر والتداخل بين الاثنين. على امتداد هذا الشهر الفضيل نقوم بتقديم أهم فصول الكتاب المذكور إلى القارئ تاركين له حرية التعليق والاستنتاج. لقد صدر هذا الكتاب في أكتوبر 2001، لدراسة العلاقة بين الدين والسياسة، ومن دون قصد انخرط الكتاب في خضم تراجيديا أحداث 11 شتنبر التي هزت الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتي نفذها إرهابيون ينادون بإسلام راديكالي، وهي الأحداث التي أكدت أن الحداثة لم تنته بعد مع سؤال الدين، ولا مع الجدود الفاصلة حول تعبيرها السياسي المتمثل في الديمقراطية. إن المذهبين الكليانين اللذين طغيا على القرن العشرين، والمتمثلين في النازية والسوفياتية، كان ضد الدين، فيما الإسلام الراديكالي يعتقد أنه يتحرك باسم الله. إن الوعي الجماعي، فهم أن الأمر يتعلق بقطيعة، لكنها في نهاية المطاف لا تعدو ظاهرة، تنحصر فيما تمثله، إن الظاهرة تطرح بشكل عنيف مشكل مكانة الدين في المجتمع الحداثي، والذي باسم التعددية والعلمانية، يسعى إلى حصرها في مجال معزول عن الوجود. إن الطموح الكبير لهذا الكتاب، أن يبين أنه إذا كانت العقيدة المسيحية تنهل من التوجه الشخصي وترفض أي نوع من أنواع السلطة، فإن متن هذه العقيدة يمكن أن يسمح للإنسانية الديمقراطية بالتطور ولحقوق الإنسان بإيجاد مفاهيمها الأساسية. وسأذهب أبعد من ذلك، لأبين أن الأسئلة المرتبطة بالشر والطموح، المثارة من قبل فلاسفة السياسة الذين انطلقوا من الخوصصة المطلقة للدين، والذين حصلوا من تقاليد اليهو مسيحية على نور قوي جدا، وأتذكر أن إيمانويل كانط فيلسوف عصر الأنوار، هو من دفع إلى أبعد الحدود إلى التفكير في ما يمكن تسميته الشر الراديكالي. إن الهدف الأساسي من هذه الدراسة، هو أن نتمكن من جديد من إدخال المسيحية في النظرية السياسية، التي جرى تطويرها من قبل الباحثين في المجال السياسي وفلاسفة السياسة. إن ما يجب الإنكباب عليه، هو إقحام سؤال الحقيقة، في سيرورة العلوم الإنسانية، حيث ظلت محرمة منذ زمن باسم الحياذ والتعددية، وفي هذا السياق فأنا أنتمي إلى تلك الطبقة التي تعتبر أن روني جيرارد مفكر كبير، وأن التجديد المطلق للمذهب المسيحي في سياق العنف الذي يمارس باسم المقدس هو شيء أساسي. إن إقحام المذهب المسيحي كبعد داخلي في النظرية السياسية الحديثة، هو بشكل واضح الإعتراف بأن الأمر يتعلق من جهة بالمرور من النقد الديني، وكذلك الموافقة على إدماج الكنسية في المجتمعات الغربية. ولهذا السبب بالضبط لم يسمح الإسلام من الناحية الثقافية لم يمنح صفة الحداثة، وأنه سيحتاج إلى مجهود كبير لينطلق في هذا الإتجاه. في فبراير 2002، نشرت جريدة لوموند الفرنسية نص البلاغ الذي أصدره 0 مثقفا أمريكيا، حول الوضعية في بلدهم، وعدالة الحرب التي تشنها أمريكا ضد الإرهاب، لقد تحدثوا بدون أي عقد عن القانون الطبيعي للحديث عن الشروط الإنسانية، وهذا النص الموقع من قبل مثقفين مشهود لهم بالمصداقية، لم يقل أكثر مما تناولته في فقرات هذا الكتاب. ومن خلال الألم الذي تمر منه الإنسانية، فإن التفكير يتطور، ونتمنى ألا يكون للشر كلمته الأخيرة في هذا العالم. إن دراسة العلاقة بين العقيدة والسياسة، تحفها الكثير من الصعوبات، والتي يمكن أن نتحدث فيها عن إثنين، إن كل واحد منهما يغطي مجالات واسعة ومعقدة، والتي يبدو من الصعب دراسة العلاقات بينهما، وهناك العيد من الدراسات التاريخية التي تناولت الموضوع، ومع أن بعضها أكد أن كل شيء قيل في هذا الإطار، إلا أن هناك أكثر من مبرر يجعلنا نعارض هذا الطرح، ففي المجتمعات الغربية المقارنة، تأكيدات من رجل الدين، فالإسلام موجود حاليا في فرنسا ,ألمانيا وبريطانيا، والسؤال الذي يطرح هو معرفة ما إذا كان الإسلام يتوافق مع الديمقراطية، الثقافية والسياسبة. إن المذهب الكاثوليكي الذي عاد بقوة إلى الواجهة بفضل جون بول الثاني الذي يعود له الفضل الكبير في سقوط الشيوعية في أوروبا الشرقية، والذي جمع في غشت من سنة 2000 أكثر من مليون شاب في روما، بات في وضع أفضل من دي قبل، وهذه الظواهر التي وقعت في العقد الأخير من القرن الماضي، وبداية الألفية الثالثة، لا يمكن أن تمر من دون دلالات، ولكنها في نظري ليست إلا أعراض لحقيقة أعمق، ومع ذلك يبدو من الصعب، إفهام مثل هذه الطروحات للمثقفين الفرنسيين، لأسباب تاريخية. إن العلمانية التي تم إقحامها في الصراع مع الكنسية الكاثوليكية، أقصت رجال الدين من الحياة السياسية، ومنعت عددا من هؤلاء من التدريس في المدارس الإبتدائية والإعداديات والثانويات. ما يجب التأكيد عليه في هذا المجال تولد وعي لدى مدرسي الأدب والتاريخ، أن الأدب والتاريخ الغربيين لا يفهمون معنى اليهو مسيحية، ولا نفهم كيف أن علم اللاهوت الذي يدرس في الجامعات الألمانية، لا يتم الإعتراف به في فرنسا. ومن هنا يمكن الوصول إلى خلاصة، مفادها أن العلاقة بين الدين والسياسة، نادرا ما يتم التطرق إليها كبحث نظري، ونحن نتوفر على عدد مهم من الدراسات التاريخية التي تحدثت عن الصراع بين القساوسة والإمبراطور، حول الثورة الفرنسية، خلال القرن السادس عشر. وفي علم الإجتماع السياسي، فإن تأثير التغيرات الدينية، في السلوك الإنتخابي معروفة تماما. وفي الفلسفة المقارنة، من االبديهي القول إن الحداثة وضعت حدا لسيادة اللاهوت السياسي، وإذا كان هذا الأمر صحيحا إلى حد ما، عمل على الحد من تأثير المذهب المسيحي، وذلك في خضم النقاش الفلسفي. ومع ذلك هناك حدث مشجع يجعلنا لا نقف عند هذا الحد من النقاش، فبول ريكور الذي يتم الحديث عنه الآن كأشهر فيلسوف فرنسي في القرن العشرين، الكل يعرف، أنه عاش في خضم الكنسية الإصلاحية بفرنسا، والتي لعبت دورا كبيرا في تطوير تفكيره الفلسفي دون المس بالبعد الثقافي للكنسية. وفي اعتقادي أن دراسة الدين والسياسة اليوم، في إطار الديمقراطيات الغربية، يعني دراسة العلاقة بين المسيحية والإسلام في إطار الحداثة، وهذه الديانة تنتمي إلى الحياة اليومية لمجتمعاتنا. إن دراسة هذا التقرير، تعتبر بشكل واضح النقطة الأساسية في هذا البحث، فإذا كانت الحداثة المندمجة في فلسفة الأنوار، والثورات السياسية للقرن 18، تساءل بقوة، الإسلام والكاثوليكية، إلى درجة إثارة رفض العالم الحديث، من قبل البابوية في القرن 19، فيجب التأكيد في المقابل على المذهب المسيحي ليس غريبا عن فكرة الشخصية الإنسانية باعتباره حرا ومسؤولا، مما يمنع أكثر الراديكاليين للفكر العلماني بمحورة النسبية والحرية، وبعبارة أخرى هناك نقاش حاد حول مفهوم الحداثة، وكما نلاحظ، فإن الثورة الأمريكية نهلت من دون مشاكل، من إعلان حقوق الإنسان مع العودة إلى المسيحية، كما أن الثورات السياسية في أمريكا تشبعت بشكل كبير بالمذهب المسيحي، وفي نفس السياق لا يفرق الفيلسوف البرياطاني جون لوك الأب الروحي للأمة الثورية، بين المؤسسة الفلسفية والحرية السياسية، التي ترجع إلى القانون الطبيعي. وفي الأخير فإن عالم الإجتماع أليكسيس توكفيل أعلن أن الدين في شخص المسيحية، ضروري لعيش الجماعات الديمقراطية، وأن الحالة الفرنسية هي الإستثناء وليست القاعدة. إن عودة الفلسفة السياسية المرتبطة بالحركات الديمقراطية في مجتمعاتنا، وكذلك بالحرب على الكليانية، تمنح مادة آنية، للفلاسفة والباحثين في اللاهوت المسيحي الذين يوجهون تفكيرهم نحو اليهو مسيحية والتي كانت تمثل في القديم مذهبا يفرض التهود أولا قبل الدخول في الدين المسيحي. وفي الإطار الأساسي، فإن سؤال المعنى الجماعي يطرح نفسه بحدة، ونحن نعرف أن الفيلسوف كانط، عرفه بكونه ملكة الحكم، والتي تأخذ في الإعتبار طريقة تمثيل أي شخص آخر، من أجل الوصل إلى الوجود الإنساني في شكله الكلي. إن ظاهرة الكليانية، تتموقع أبعد من الحس الجماعي، فالعلوم الإنسانية وبشكل خاص العلوم السياسية لا يمكن أن تأخذ بعين الإعتبار إلى ما يحيل على العقل، ونحن نعرف التحاليل التي قام بها ريمون أرون، حول الوجود المحدد، وهو تحديد اقترضه من ماكس ويبير، وقد كان أرون يهدف إلى تبيان الرفض المعلن من قبل حنا أرندت، باستعمال مبدأ السببية، للحديث عن ظاهرة النازية. ولا بد هنا من الإعتراف أن المسار الويبري نسبة إلى ويبر، يلتقي بشكل كبير مع الكليانية الستالينية، وليس النازية. فإبادة اليهود يقول راوول هيلبيرغ، لم تكن لتقف في تسلسلها النسبي، ويمكن أن نذهب في تحليل الأسباب والنتائج، فيما يخص معاداة السامية في ألمانيا وفي باقي أوروبا، وكذلك الإجراءات الإدارية التي اتخذت في حق اليهود، ويبقى أن تسلسل الأسباب لا يصل إلى كسر أبواب غرف الغاز، وهذا الحدث، كما يقول أرنتو، لا يمكن تفسيره بما سبق. إن أكثر الظواهر السياسية التي ميزت القرن العشرين والتي تتعلق بمحرقة اليهود، حملت العلوم السياسية المقارنة أبعد مما هي عليه، ويتعلق الأمر بإدماج الوعي السياسي ومنابع الفلسفة والمذهب المسيحي، إن سؤال الشر في بعده المرعب والمميت، يقتضي الإحساس بالهول، كما أنها تحيل على الحرية الإنسانية. إن الإنسانية كما تقول لنا التوراة في الكتاب القديم كما في الكتاب الحديث تجد الشر هنا، وكما يقول المفكرون الألمان راينير وبابتيست فإن حرية الفرد هي بمعنى آخر يسبقها وجود سلبي، وبمعنى آخر، فإن دراسة الديانات, وعلاقتها بالمعرفة الإنسانية، تنتمي لتلك النظرية السياسية التي لا تقبل بأن تكون مجرد مبررات لنمادج العلوم السياسية، والحياذ الخلافي.ترجمة : ادريس عدار وعبد المجيد أشرف