عبد الله عزي مدير جريدة المسائية معدلات الجريمة سائرة في الارتفاع، لم تعد مدينة مغربية تخلو منها، جرائم تحدث وجنايات تقترف، من القتل للسطو، للاغتصاب، إلى زنا المحارم، الإعتداء على الأصول كقتل الأبناء لآبائهم وأمهاتهم، هذه البشاعة لم تكن سائدة في المجتمع المغربي بهذا الشكل وهذا الحد قبل عقد من الزمن حيث لم نكن نصادف في حياتنا اليومية طفلا في السادسة من عمره يحمل سيفا ويعترض الناس في الطريق... فما هي الشروط التي أنتجت وتتنتج مثل هذه الحالات؟ تعد الأسرة أهم وسيط من وسائط التنشئة تسهم فى تشكيل سلوك الأبناء، ومع ذلك لا يجعلنا هذا ننكر دور المناخ الاجتماعى الذى تعيش فيه هذه الأسرة سواء أكان مجتمعا محليا أومجاورة سكنية وما يتسم به من بعض الصفات والخصائص والثقافة الفرعية، وهنا نستحضر سكان المناطق العشوائية، فهذه المناطق تعتبر مناخا جيداً لتنامى البؤر الاجرامية والانحرافات بمختلف أشكالها، بما يؤثر بطريقة أو بأخرى على سكان تلك المناطق بصفة عامة والنشء بصفة خاصة، كما أن تبنى الأسر لأساليب تتواءم مع مختلف الثقافات الوافدة إلى تلك المناطق يؤدى بالبعض من الأبناء إلى الانخراط فى تلك البؤر الاجرامية كنتيجة لبعض الأساليب الخاطئة وغير السوية فى التنشئة، كفقدان الطفل للحميمية والحنان وكذا الاهتمام من طرف الوسط العائلي، وتعريضه للعنف كسبيل من سبل التربية تبعا لاعتقاده، مما ينعكس سلبا على مساره التربوي والاجتماعي، وبالتالي نكون أمام إهدار لثروة بشرية كان يجب استثمارها لتقدم وازدهار المجتمع... في السياق ذاته، يشكل قاطنو الأحياء شبه الحضرية نسبة عالية من الكثافة السكانية بالنسبة لعدد السكان، والقاسم المشترك في هذه الأحياء الشعبية هو أنها تجمع بين جدرانها فئات حالتها الاجتماعية شقية وبئيسة كما تشكل بيئتها مرتعا لنمو العناصر المتطرفة والإجرامية، وتعد هذه المناطق بالنسبة لهذه العناصر مناطق آمنة وبعيدة عن المراقبة الأمنية وحتى الشعبية. ويمكن إجمال خصوصياتها في النقط التالية: انعدام التخطيط العمراني والجمالي، والنقص الحاد في الخدمات والمرافق والطرق (المدرسة، المستشفى، الإدارة...) وهو ما يسهل نمو عوالم الانحراف والإجرام والتمرد على الأسرة وعلى السلطة وغياب الضغط الاجتماعي الرسمي وغير الرسمي ومن ثم المجتمع ككل. ويجعلها بؤرا للفساد والتعاطي للمخدرات، كما تمثل هذه المناطق مجالات لاحتضان الأعمال اللاأخلاقية والسرقة والاعتداء الجسدي واستعمال السلاح الأبيض والهراوات وفرض السيادة من خلال توزيع الدروب بين أرباب العصابات في غياب سلطة الدولة والمجتمع. كما أن "الطبيعة الهندسية" لهذه الأحياء العشوائية وضيق الأزقة والتوائها تجعل من العسير الحركة والتردد والمتابعة الأمنية، وعليه شكلت مأوى آمنا للفارين والمبحوث عنهم والخارجين عن القانون أو العناصر الخطيرة على المجتمع. في ظل هذه الظروف يصبح من السهل إغراء الشباب والشابات للانخراط في أنشطة إجرامية إما الدعارة أو الاتجار في المخدرات والسرقة والإكراه والاغتصاب. كما لا يغيب عن الذهن ونحن نرصد بعض العوامل المساهمة في ارتفاع الجريمة، الانتقال من بنية الأسرة الممتدة إلى النووية، وكيف أدى ذلك إلى اختفاء القيم السائدة والمرتبطة بها واكتساب قيم جديدة قد يكون لها تأثير على السلوك الإجرامي، لنصبح أمام فرد أكثر استقلالا وأكثر فردانية وأقل ارتباطا بالأوضاع التقليدية. ظهور قيم جديدة يطغى عليها الاغتراب والانفصام مما يحدث تنافرا وصراعا بين التصور الحضري والتصور القروي وكيف أصبحنا نتحدث عن عروبي ومديني كشكلين أو نمطين من الحياة متقابلين، وفي هذا الإطار ستبرز ظاهرة "التشرميل" والتي تعبر عن الانفصام والانفصال في ظل واقع افتراضي تحولت معه الظاهرة من التباهي بالملبس والأكسوسوارات إلى غنائم السرقات والسيوف. مشكلة حالة، إعلان عن التمرد على الدونية والتهميش والفقر، وفي الآن نفسه الإعلان عن تحدي المجتمع والأجهزة الامنية. وزارة الداخلية ولإعادة الهيبة للمؤسسة الأمنية وطمأنة المجتمع. تنظم جولات مكوكية لعدد من الولايات والأقاليم في شخص الوزير، ومساعديه. لكن السؤال الذي يظل دائما مطروحا، هل المقاربة الأمنية هي وحدها الكفيلة بمعالجة ظاهرة الإجرام؟ الجواب عن هذه الإشكالية يستدعي طرح أسئلة أخرى من قبيل: كم تشكل فئة الأحداث والقاصرين المتورطين في جرائم الجنحي والجنايات؟ ما هي طبيعة الأوساط الاجتماعية التي ينتمون إليها والظروف التي دفعتهم لولوج عالم الإجرام؟ هل تساعد مواصفات الأحياء العشوائية على معالجة ظاهرة الانحراف أمنيا واجتماعيا؟ ما هي الأساليب الخاطئة في تربية النشء على مستوى الأسرة؟ ما هو الدور الذي تلعبه المؤسسات التربوية المختصة في إعادة إدماج السجناء وما هي نسبة العود في ارتكاب الجرائم بعد العقوبة؟ ما هي مشاكل الاندماج في الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها السجناء في الحياة الاجتماعية؟ ما هو دور الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني والإعلام والمنتخبين في تحجيم الظاهرة؟ من السهل أن يعاقب المجرم، لكن من الصعب القضاء على الجريمة، ولا ينبغي تحميل الأجهزة والعناصر الأمنية فوق ما ليس من اختصاصاتها ومسؤولياتها...