نستنتج من خلال حياتنا اليومية ورصدنا لمختلف السلوكات، أن العديد من الناس نمطيو التفكير، بمعنى أنهم متطبعون بطبائع معينة، ويحاولون فرضها على بني جلدتهم باعتبارها حقائق مطلقة، وبهذا يعاد إنتاج نفس الإنسان، لا فيه من التجديد"التحديث" من شيء، ويسقط الإنسان في فخ " التقليداوية". فماذا نقصد بالإنسان النمطي؟ وماهي تأثيرات هذا الأخير على المجتمع؟ وما هي بعض سبل تجاوز هذه الظاهرة؟ النمطية ظاهرة مستفحلة في مجتمعنا، و تعني أن الإنسان يتشبع بأفكار تكون في الغالب شاذة، أي أنها غريبة عن اليومي، فيحاول هذا الأخير فرضها على محيطه إيمانا منه أنها حقيقة مطلقة وصواب لا تشوبه ريبة، ويتجلى ذلك على سبيل المثال في محاولة الإنسان أن يفرض نوعا خاصا من التعامل على الآخرين ممن هم رفقاؤه، وتوجهه نحو ممارسة السلطة عليهم، فهذه " البطولوجيا تؤثر بشكل سلبي على المجتمع، وبالتالي تجعله قابعا في غياهب "التقليداوية" التي لا تساير واقع التحديت، فيعاد إنتاج نفس الإنسان لا جديد يذكر على مستوى تركيبة أفكاره، ويكون المصير هو مجتمع البين بين أو المجتمع "البرزخي" حسب تعبير الأستاذ أحمد شراك، لا هو ينتمي إلى التقليد كليا ولا هو حداثي ، وهذه سكيزوفرينية مروعة تهدد وجودنا بشكل مستمر. هذا بالإضافة إلى أن من التأثيرات المباشرة كذلك لهذه الظاهرة المرضية نجد ترنح المجتمع المغربي، فعوض أن يلتحق بركب الدول المتقدمة يبقى حبيس حلقة مفرغة تعيد نفس الإنتاج. أستحضر مفهوم القبلية أو القبيلة التي هي جماعات بشرية، لها عادات،وتقاليد،وقيم لا زالت حاضرة بقوة في المشهد العلائقي بمجتمعنا بتشعباته الثقافية، والسياسية و الإقتصادية، ولها دور في استمرار الإنسان النمطي لأنه يخضع لها، و من سيئات هذه القيم " التقليداوية " أنها تجعل الهوة عميقة بين ما هو كائن وما يجب أن يكون. لتوضيح النقطة السابقة سأورد مثالا حيا يشهد على "تقليداوية" مجتمعنا تتجلى في فعل المشاركة في الانتخابات الذي يعد فعلا حداثيا بالدرجة الأولى، وفيه يلجأ المنتخبون إلى وسائل كلاسيكية حتى ينفذوا إلى دواخل المواطنين الأبرياء لفعل فعلاتهم ومن هذه الوسائل مثلا "العار"، الذي يوحي على أنه لا رجعة في ما سيقوله " ذابح العار"، أو غير ذلك كالاستنجاد بالأولياء لا لشيء إلا ليبين المنتخب أنه يجمعه رابط صوفي مقدس واحد مع المواطن"كبش الفداء"، وفي هذا المقام لا بد من ذكر علاقة بعض الآباء ببناتهم وأبنائهم فنلاحظ أن الآباء يفرضون على أبنائهم شروطا لا تتماشى ورغباتهم بأسلوب سلطوي صرف، وهنا يقع ما يقع فيحدث ما يسمى بصراع الأجيال. نحتاج إلى الإستنجاد بالمفكر الجزائري محمد أركون هذا الذي ربط عوامل ترنح العقل المنتمي لدائرة الإتحاد المغاربي في مشروعه الفكري حول نقد العقل الديني بثنائية الجهل المقدس والجهل المؤسس، فالقصد من الأول هو ذلك الجهل الذي يتم التسويق له في المساجد من طرف رجل الدين خدمة منه لأجندة معينة، وبهذا يظل المواطن متشبثا بدغمائية التقليد السلبي لكون التحديث مسألة كفر، والحداثيون كفارا حسب زعم هؤلاء الفقهاء، وفي ما يخص الجهل المؤسس فهو عبارة عن برامج تعليمية تحث على الطاعة ، ولا تترك للأجيال مجالا للثورة على الكلاسيكي السلبي ، وبالتالي أصبح السياج العقائدي المغلق أو السياج الدغمائي المغلق حسب أركون له تجذر شعبي . وحتى أستوفي الإجابة على الأسئلة المطروحة في استهلال المقال، سأنتقل إلى ذكر بعض سبل التدرج للحد من ظاهرة النمطية بما أنها باطولوجيا (مرضية)، ومنها التشبع بالفكر الحداثي الذي لن يضرنا في شيء، وفي هذا السياق كان "روزن" دائما يقول بأن:"ما يميز الإنسان المغربي هو قدرته على التوفيق، وقدرته على الترميم والتوليف"، فكيف لن يألف هذا النمط الفكري الحديث ؟ إضافة إلى وجوب نزول النخبة الثقافية بكل ثقلها إلى الواقع المأساوي لتقاسم مبادئها الإصلاحية المتقدمة مع شرائح واسعة من الشعب المقهورة واللاواعية ، ولتنشر الوعي الجمعي بينهم والذي يرفض كافة أشكال التمييز اللغوي والثقافي والإجتماعي... وختاما أخلص إلى أنه آن الأوان للأخذ بيد الشرائح المقهورة والتي حكم عليها من أعلى بالعادات الظلامية ، والقطع مع تغليب الإنتماء الغنوصي المقدس الذي يؤسس لثقافة الخواء، إذ لم يدعو إلى التغيير وارتكاز خطابه فقط على القدريات المصطنعة ، والجنة والنار، والتكفير العشوائي،مثلما يقول الفيلسوف نتشه : " إن الدعاة الصالحون لا يرفضون أن يسميهم الناس زنادقة لأن ذلك ما لابد أن يكون".