أستفيق من نوم عميق على نغمات منبه هاتفي،لم أدرك في البدء سبب إيقاظي،تجاهلت نداءه المحرج،احتميت بأغطيتي ثم صحبت النوم في رحلة أخرى ، لكن سرعان ما أعاد التنبيه برنين عال يرميني بالكسل والخمول،يصر على إيقاظي لا يعرف الانتظار أجد نفسي مجبرا على إجابته،أغادر الفراش وأنا مشتاق إلى دفئه،أدرك أين أنا ،أدرك لماذا المنبه، لماذا الاستيقاظ ... ،ينبعث في أعماقي إحساس جميل يسري في شراييني يمنحني الدفء يحمل على البرد الذي تكالب على أجساد نحيفة لا تملك من الدنيا إلى كد اليمين وعرق الجبين،أحرج وشل حركة دماء الكثيرين ممن يفترشون الترى،ممن يستفيقون باكرا على وقع خطى المارة في الشوارع وعلى جعجعة الأبواب الفولاذية، ممن يتخذ ون من حاويات القمامة مأوى، ممن يتسكعون وينتشرون في الأرض دون وجهة معلومة،ممن تجاوزوا أوتجاوزهم القطار وباتوا بعيدين أو مبعدين،ممن أدارت لهم الدنيا أعقابها،ممن جدوا واجتهدوا كثيرا وكان حضهم كالتي نقضت غزلها بعد قوة وكل،ممن ولد وفي فمه ملعقة ذهب ،وعلى رأسه تاج زمرد لكن أبت الأقدار إلا أن تجرده من كل شئ، ممن يبيتون الليل في أحلامهم يسبحون ضد التيار الشديد البرودة،يحملون مطرياتهم تحت سماء تذرف بردا،يهرولون مادين أيديهم في حركات مكررة للحصول على اللاشئ... أحلام تراودنا وإحساس أنهل منه حب المغامرة و المخاطرة يثير في غريزة البقاء و فضول المعرفة،إذن أنا أريد أن أعرف ،أريد أن أمر بالأماكن حيث كانت وستكون،وحيث لا أريدها أن تكون بعد أن كنت، ...حيث يكون قدري ،حيث تكون" ألسكا"،أردت أن أكون هناك وعشقت ذلك عشقي للطبيعة العذراء و للمرأة التي يتمازج في فزيولوجيتها الأبيض والأسود،عشقي لامتداد الأفق،ولانكسار أمواج البحر،عشقي للفراشات البيضاء المرقطة بالأسود،ولوقت تدافع الليل والنهار حين المساء العاجل وحين الصباح الآجل الباكر،أحببت الليل لأن فيه تنقشع كل الحقائق التي تتحلى بالأبيض نهارا لتضفي عليها الوقار وللتماهي والأبيض الموصوف بالبراء ةوالسلام ،أحببت الليل لأن في سكونه صمت رهيب ،كما أحببت الصخب لانطوائه على حنين إلى سكون عجيب ،أحببت أحيانا الماديات من المتناقضات لأن في تناقضها إحالة إلى سر وإلى خلق مريب،أحببت طائر السنونو......أحببت تألق وتكامل الأبيض والأسود ولا أعرف لماذا ...أحببت كل المخلوقات الضعيفة. أردت ان أكون هناك وأحببته،هاتفني أحد مرافقي فكنت رابعهم،أعددت عدتي إلتحقت بالكوكبة،جلست إلى جانب السائق وضعت نظارتي الشمسية حتى أعرض عن ملاسنة نور الشمس الذي أخد في التوغل وإحتواء فضاء رحب،أدغال إحتضت أصنافا من النبات،أدغال تمتد طولا وعرضا تدل على عظمة خالقها ومبدعها،أدغال تكتسي حلة بيضاء،تتدفق ماءا عذبا زلالا من السماء إلى ما لانهاية ،ترسل نسمات ريح برد قارس يلذغ عظام كل المخلوقات الحية،تهنا ونحن نطوي مسافات سائرين إلى أعلى عكس حركة الماء المتدفق في الوادي،صاحت صديقتنا" المهاجرة" مشتكية من البرد القارس نصحتها بالصبر،تابعنا التوغل وفي طريقنا تجمعات سكنية بل أكواخ تقي بني البشر نسبيا من زلات الطبيعة ومن لا توازناتها المرحلية،تحتمي ما استطاعت بسفوح الجبال وفي ذات الوقت عليها أن تتموقع أبعد ما يكون من مجرى الوادي ومن روافده المنحدرة من قمم الجبال، مساكن في حيرة من أمرها كحيرة صاحبنا آدم من أمرقاطنيها،تسائل آدم العارف بأمور الدين لا الدنيا قائلا: ما الذي يشد هؤلاء إلى هذه البقعة البعيدة الشاقة؟ أجبت آدم رغم جهلي بالجواب المقنع،وهو في الحقيقة لن يقتنع بشيء وقلت له : الناس لا يملكون حق الإختيار في كل أمورهم،ومن الناس من يملكون حق الإختيارفي بعض أمورهم،كما أن من الناس من لا يعلمون أن لهم الحق في اختيار بعض أمورهم،سكت آدم لبعض الوقت،فكر ودبروقرر ثم قال لي: لم أفهم شيئا ،تجاهلت رده لأني فضلت الإرتماء في أحضان الطبيعةو امتنعت عن أن يسترق مني النظرإلى محاسنها الساحرة الفاتنة الموخفة ، ونحن متوغلون تفاجأنا اننا نسير على ارتفاع عال يحبس الأنفاس لا إلى الأرض ننتمي ولا إلى السماء،نسلك طريقا وعرة لا تكاد تتسع لمرور عربتنا ،وكلما تصادف مرورنا بعربة أخرى آتية في الإتجاه المعاكس إلا واضطررنا للعودة حيث يسمح بالتجاوز، مهول أمر هذه الجبال،عجيب شأن هؤلاء الناس،غرباء كنا ونحن نتعمق شيئا فشيئا كلما تقدمنا في المسير أحسست بأن قافلتنا بلغت منتهى الكون، لكن الفضاء الموحش لا حدود ولا طعم ولا رائحة له... وينتمي ربما إلى اللامادة ،وبعد طول انتظار أخبرنا السائق أن المسافة التي تفصلنا عن منتهى الطريق تقدر ببضع كيلومترات فقط ، بلغنا أخيرا نهاية الطريق،دخلت حانوت" السي حسن "اشتريت بطاقة تعبئة للهاتف ،وكيسين من" الكيكس"وهو ما تبقى لد يه مما يمكن أن يأكل،أخبرته عن وجهتنا أومأ بسبابته مشيرا إلى الاتجاه الذي يجب أن نسلكه ،تخلصت من صداري الدافئ ومن أغراضي التي لا حاجة لي بها وأنا أسير على الأقدام،انطلقنا على الأقدام وكان علينا أن نرتقي إلى أعلى إلى حيث قمة الجبل،بعد أن قطعنا مسافة قصيرة تصادف مرورنا من على جسر مشيد على الوادي ومرور قطيع من الضأن طلبت من الراعي أن يسمح لي بأخد صورة تذكارية وقطيع أغنامه،راع بشوش يبتسم في وجه قدر عبوس يحمل بيد يمنى عصا يهش بها على غنمه ويتأبط بالأخرى جرابا يحوي ماءا ،سكرا،شايا،مخيطا،سكينا،علبة كبريت وخبزا،إنه قوت الراعي،قوت الفقراء والمساكين، ليس من قوتهم أطباق اللحم المشوي أو المبخر كما ليس من قوتهم ألوان الفواكه والأشربة... سلكنا الطريق المتعرجة أعرض الجميع عن الحديث إلا أنا ومهاجرة الصبورة المتحدية،ناقشنا الجيولوجيا،الأنثروبولوجيا،السياسة،التنمية،حقوق الإنسان وغير ذلك من المواضيع التي استدعاها التواجد بالمكان، كنا بين الفينة والأخرى نخشى تساقط الأحجار من علي ،لم نصادف أحياءا في طريقنا سكون موحش إلا نعيق الغربان التي تسكن مرتفعات المكان ،دخلنا الدوار ورائحة الفقروالحرمان تفوح من كل مكان ،وصوت البرد يخترق مسامعنا ،ينال من جسم الدوار المكشوف أعلى الجبل، تحلق بنا الجميع اطفالا رجالا ونساءا،ومذاق الجهل " بالدارجة المغربية ،بالقراءة والكتابة"ينجلي علىألسنة من إمتلك شجاعة الحديث إلينا،ما أن وصلنا حتى أستدعي الجميع،كان موقفا مشهودا ،أمعنوا النظر فينا ،أحسوا باختلافنا عنهم تأثرت لحالهم... أليس هناك حضارة؟، أليس في الحياة ترف؟ ،أليس على وجه البسيطة رزق وفير،أليس هناك غنى فاحش؟،لماذا لا يكون هنا؟،أهي مسألة قدر مقدر؟؟؟؟؟؟، ربما وربما لا... استقبلنا " عبد الله " كبير الدوار وولي أمور الناس هناك، دخلنا إلى كوخ بمقربة من الطريق أخرجت قلما وورقة حتى أتمكن من إحصاء ساكنة الدوار لمهمة جمعوية إجتماعية، تبادلت معهم الحديث بفضل أمازغيتي ،إكتشفت مجموعة من الحقائق التي لها دلالات عميقة ، ساكنة الدوار يتقاسمون أسماء عائلية تقاسمهم للفقر والحرمان،" تمكساوت،فتمكساوت،أمليل،فمليل...اللهم بعض الحروف التي تم اللجوء إليها للتميز والتفريق بين الناس،ونفس الشئ تم تسجيله على مستوى الأسماء الشخصية،حضور أقوى ل" حسن،لحسن،محمد...،روتين قاتل دال على محدودية الأفق ،تاريخ يعيد صياغة نفسه يوما بعد يوم ،في الدوار تكرار لكل شيء أنشطة الناس وحياتهم مقصورة بين الحقول المعلقة،نهارا والبيت ليلا،في الدوار حجرة دراسية واحدة،أستاذ واحد،مرحاض واحد، فقر واحد ،معانات واحدة ،حياة وحيدة...."ألسكا" كما أردت تسميته مثال لدوار من دواوير مغربنا العميق.... يتبع إنشاء الله.