كان يوم ثلاثاء أسود، ليس فقط بمقاييس بوش، و لكن أيضا بمقاييس السعادة التي عرفها طوال سنواته العشرين.... صادف يوم تعيينه أستاذا في جبال أزيلال يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001، يوم سقوط البرجين... أيلول الأسود كما يسميه المشارقة، و وَلوَلتُهُ و ويله الأسود كما يسميه هو ... سقطت فيه أبراج أحلامه و آماله و فرحته، و سقطت معها ورقة التوت التي كانت تستر المغرب العميق، في قصاصات الأنباء المكررة، في كتب الجغرافيا المدورة، فالرديء من الأفكار يعاد تدويره، و يُقولبُ في قوالب المناهج، و يُقولبُ معه النشء... أرض عذراء جميلة، أبية، عصية حتى على سكانها ... أطفال أبرياء تشققت خدودهم بفعل برودة الأجواء، و برودة أحاسيس المسؤولين ... البحر عندهم خيال، و السفر خيال، و الحاسوب خيال، و الحذاء الجلدي خيال، و الكوافير خيال، و القمح الطري خيال ... ظالم من يُحمّْل السكان وزر المكان، فهم أيضا شركاؤه في هم المكان، و الزمان... تتناسل الأفكار في رأسه: من يصلح قاعدة لبناء الغد؟ التاريخ أو الجغرافيا أو التربية الوطنية؟ يميل إلى أن الجغرافيا هي أصل التاريخ، و أصل التربية على المواطنة... حين يُنَمى المكان ، سيشهد التاريخ على أمجاد تتحقق فيه، و بدون تنمية سيشهد أيضا على أحقاد تربت فيه ... و التربية على المواطنة تستلزم أولا وجود وطن، بالمفهوم المكاني، و بمفاهيم الكرامة و العزة و الرفاهية... ثم تأتي التربية فيما بعد .... قضى بياض يومه ، و سواد ليله يحلل و يناقش، و يؤنس وحدة نفسه بنفسه ، و لنفسه أيضا ... ما دامت أفكاره مكررة، و مدورة...