" الحقيقة أن الحياة الخالية من التأمل حياة لا تليق بالإنسان، و لذلك فإننا نتعلم حكمة التأمل كلما اقتربنا من لهيب جمهورية العباقرة التي تركت لنا هذا الكنز الثمين ( محبة الحكمة )." إسمح لي أيها الصديق، و امنحني تأشيرة الدخول إلى جمهورية العباقرة، لأتجول بين عوالمها، و أتلذذ بأفكارها و عبقرية عباقرتها، و أستمتع بجمال محبة الحكمة، و التي " تستحق أن يذوب الإنسان المبدع في لهيب عشقها، و يتخدها سيدة جليلة جديرة بالمحبة و الإخلاص " كما يقول الحدادي. و الإنتماء إلى محبة الحكمة هو انتماء إلى معاناة الدهشة التي تصيب قدر الفيلسوف و تجعله يعيش الإضطراب و قلق الوجود، و سنجد أمام هذه الجمهورية حكيم جليل إسمه عزيز الحدادي، لننطلق معه بدهشتنا و عقلنا لتفقد هذه الجمهورية المشيدة من طرف عباقرة محبة الحكمة، و لنا الحق ان نتساءل عن طبيعة هذه الجمهورية، و من مشيدوها ؟ و ما هي القضايا التي عالجوها ؟ . إذا كان الإنسان أحد موجودات هذا العالم- يقول الحدادي- فإنه قد منح لوحده هبة الوجود باعتبارها تتأسس على فهم عمق الوجود، هكذا وجد الإنسان ضالته في الفلسفة للنفاذ إلى اعماق الوجود و الإقامة فيه، و هل هناك من روعة تضاهي روعة الإقامة في صميم الوجود و اختراق غموضه من أجل القضاء على النسيان ؟ يتساءل الحدادي. إن سؤال " ما هو الوجود؟ " حسب صاحب جمهورية العباقرة هو السؤال الفلسفي العميق الذي أدهش الفلاسفة منذ أكثر من 2600 سنة، و سيبقى دائما السؤال الذي تطرحه الفلسفة و تحار في الوصول إلى جواب عنه. فما أجمل السؤال عندما يصبح مصدر تيه فكر الفيلسوف و كأنه يسبح في نهر هيراقليط، أو يتجول في حديقة حكماء ما قبل سقراط كما عبر عن ذلك المفكر المغربي صاحب الجمهورية. و الحال أن دهشة الوجود تقود كينونة الفيلسوف إلى رحاب التأمل و طرح السؤال، و بتأمله هذا قد يصبح عرضة للضحك و الإستفزاز بالنسبة للعامة من الناس، كما وقع مع خادمة طاليس التي ضحكت عليه و سخرت منه عندما رأته يسقط في البئر نتيجة تأمله للسماء و دهشته أمام الوجود. نعم، إن الفيلسوف بالحقيقة سيكون حاله كحال من وقع وسط وحوش مفترسة همها اغتيال الأفاضل و تلطيخ شرف الفلسفة و نبلها الإنساني، كما فعلوا بالحكيم سقراط، و ابن رشد، و ابن باجة، و جاليلي... نتيجة تشبثهم بالحقيقة، و الفلسفة هي جسر للوصول إلى الحقيقة، " إذ ليست هناك حقيقة بدون فلسفة "، و أن هذه الأخيرة تموت بمجرد موت الحقيقة. لكن، ما الفائدة من وراء البحث عن أصل الوجود، و المغامرة بالحياة في سبيل الوصول إلى جواب عن هذا السؤال؟ يجيب الحدادي أنه " مهما يكن من الأمر فإن الفيلسوف يختار قدره و يحبه و لو كان حزينا، ذلك أن العشق و الإخلاص في المحبة يقتضي التضحية، و الفلسفة أشرف و أسمى عاطفة يضع الفيلسوف نفسه رهن إشارتها ". من أجل أن تكون إقامتنا ممتعة مع عباقرة الجمهورية، يجدر بنا أن نعترف بفضل حكماء ما قبل سقراط، طاليس، أنكسيمنيس، أنكسيمندريس، هيراقليطس، بارمينيدس، و أنباذوقليس...و طاليس هو أول من نجح في وضع قطيعة مع الخرافة و الإعتقاد في الأشباح و الأساطير بامتلاكه مهارة و قدرة خارقة على التمييز حسب حكيم الجمهورية، إذ قال بأن أصل الوجود هو الماء، أما وريثه أنكسيمندريس فقد جعل من الإجابة عن أصل الوجود أكثر غموضا حيث قال باللامحدد أو اللامتناهي، أي أن الوجود هو عبارة عن عوالم كثيرة لا متناهية " يعاقب بعضها بعضا على الظلم الذي يحتويه كل منها " كما يقول نيتشه. لقد كان أرسطو عاشقا للفلسفة، و يرى أن " أثمن هدية يمكن تقديمها للأصدقاء هي دعوتهم لعشق الفلسفة، و العيش في لذيذ نعيمها " ، لأنها بوابة مفتوحة على السعادة، و لهذا نجده يقول :" إن من يريد أن يكون سعيدا لابد له أن يتفلسف، أي أن يهب نفسه للفلسفة " . و حتى ديكارت نجده يحثنا على ضرورة التفلسف و يقول بأنه يجب أن نمارس الفلسفة و لو لمرة واحدة في حياتنا. لا بد و أن نعترف بأن رحلتنا مع الحدادي جد ممتعة،و أنه حاضر معنا داخل الجمهورية باستمرار، يوجهنا نحو طريق محبة الحكمة، من طاليس إلى أرسطو إلى ديكارت، و الذي يعد واحدا من أولائك الحكماء العباقرة الذين شيدوا هذه الجمهورية بطريقته الهادئة، معتمدا على العقل الخالص ( الرياضي ) في بناء منهجه العقلاني الشكي، إذ أن الذات التي تشك هي نفسها التي تعترف بوجودها كما يقول ديكارت : أنا أشك، أنا أفكر، إذن أنا موجود. حتى جاك دريدا اختار الإقامة تحت سقف محبة الحكمة داخل جمهورية العباقرة بمنهجه التفكيكي، و الذي اختار أن يجرب فعاليته في كتاب نقد ملكة الحكم لكانط، من أجل تفكيك بنيته و مقاصده و غاياته، و التفكيك حسب دريدا ليس منهجا أو مذهبا فلسفيا، و إنما هو سبيل نتعلم فيه كيف نحرض تفكيرنا على النقد و التقدم. فما أجمل أن نحرض أنفسنا على عشق الفلسفة، و الزواج بها داخل جمهورية العباقرة، بحضور الحكيم الجليل عزيز الحدادي، لكي نتربع على عرش محبة الحكمة للوصول إلى الحقيقة.