السينما عبارة عن تصوير متحرك لمجموعة من الظواهر الإنسانية انطلاقا من أحداث واقعية أو خيالية تعرض على شاشات دور السينما أو على شاشات التلفاز أو أي وسيلة من وسائل الإعلام , و يقوم بأداء أدوارها أشخاص متخصصون في الميدان السينمائي, لرصد كل حيثيات هذه الظواهر قصد الوقوف على إشكالاتها و محاولة علاجها , و لو بالتنبيه إليها أو التعريف بها. و لما كانت السينما وسيلة من وسائل التوعية عن طريق الترفيه, أدرجت في الميدان الفني و صارت تلقب بالفن السابع, كما أطلق اسم الفنان –الممثل- على كل من يلعب دورا في العمل السينمائي, إلا أن الفن بمعناه الواسع يقتضي كل التعبيرات الإنسانية عن مشاعر هذا الإنسان و كذا الإشارات التي يستقبلها عن طريق مختلف الكائنات الكونية. و حين كان لابد من ممارسة هذا العمل لما له من فوائد توعوية و تربوية و تعريفية بقضايا متعددة, كان لابد على الجهات المعنية تقنين هذا الفن قصد تخليقه بمراعاة الأبعاد الثقافية و الإيديولوجية لكل بلد على حدة, حتى لا يكون نقمة على المجتمع, و من أجل ذلك أصدر قانون رقم 430 لسنة 1955 لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية و لوحات الفانوس السحري و الأغاني و المسرحيات و المنولوجات و الأسطوانات و أشرطة التسجيل الصوتي, هذا القانون تنص مادته الأولى على فرض الرقابة على كل ما سبق ذكره آنفا من أجل حماية النظام العام و الآداب و مصالح الدولة العليا. كما نص القانون كذلك على مجموعة من الضوابط التي من المفروض أن يلتزم بها كل مخرج سينمائي قصد الحصول على ترخيص التصوير السينمائي من طرف الدولة, إلا أن إصدار هذا القانون منذ أزيد من 50 سنة خلت, جعلته يتلاشى و يتوقف تنفيذه في حق بعض الخارجين عن الإطار العام للآداب داخل المجتمع. إن من يشاهد الأعمال السينمائية المغربية اليوم يشعر بالغثيان و لا يكاد يكمل فيلما واحدا حتى تتغير ملامح محياه و تغطي تجاعيد الغضب جبينه, فيشرع في التمتمة سبا و شتما و تكفيرا, لقد تغيرت السينما المغربية و خرجت عن مسارها الفني و دخلت في دوامة الصراع بين الفن و الخلاعة, حتى رجحت كفة الخلاعة و أطاحت بالفن فعلت الخلاعة باسم الفن, و احتلت مكانة الصدارة في الميدان. إن المجتمع المغربي المحافظ قد مل و كل جراء هذه الأعمال المخلة بالآداب العامة و التي هي أقرب منها إلى الإباحية أكثر مما هي أقرب إلى الفن, مما خلق جو التنافر داخل الأسر المغربية حيث يكون سابع المستحيلات أن تجد أسرة مغربية محافظة مجتمعة لمشاهدة أحد الأفلام المغربية-المقرفة- معا, فعند دخول رب الأسرة إلى البيت مثلا تجد الأسرة بكبيرها و صغيرها تغير وجهة المشاهدة إلى إحدى القنوات الوثائقية , لتحفظ ماء الوجه أمامه و ترتاح في جلوسها أمام التلفاز دون الالتزام بأية تحفظات. الفيلم المغربي المثير للجدل داخل الأوساط المحافظة مؤخرا و المعنون ب: موشومة, الذي تظهر فيه فاطيم العياشي عارية أمام كاميرا التصوير و أمام كل من شاهد الفيلم دون أن تخجل من نفسها و دون أن تعير اهتماما للمغاربة على اختلاف أيديولوجياتهم, لم نسمع عن أية عقوبة زجرية أصدرت في حقه و لا أية تدخلات قانونية في هذا الصدد مما يؤشر على فساد الجهات المعنية و توريطها في الموضوع و الأخطر من ذلك ما صرحت به نفس الممثلة حيث قالت أنها غير نادمة على ذلك و أنها تعتبر ذلك فنا سينمائيا- و إن خل بالآداب. كما صرح مخرج الفيلم أن الممثلة (راها بنت الناس )على حد قوله, و ذلك قصد الرفع من شأنها و إطرائها أمام الرأي العام, و نحن نوافقه الرأي إن كان يعني بذلك ابنة - الناس – أي ابنة الإنسان و ليست حيوانا, هذا من باب أن تلتمس لأخيك ألف عذر, أما أن يصرف مغزى كلامه إلى ناحية العفة و الكرامة فهيهات هيهات, و إلا فما الفرق بين المرأة العفيفة, الخلوقة و بين المرأة المتبرجة الساقطة, فإن كان الفن أداة للعري و الكلام الفاحش, و تشجيع الميوعة و الخلاعة و المجون فلا مرحبا به عندنا. إن العلمانيين و أعداء الإسلام بصورة عامة قد شمروا على سواعدهم, و أخذوا معاول هدم الأخلاق و القيم, و بدأوا بالتخريب عن طريق نشر أفكارهم باستغلال الفن السابع, حتى دنسوه و جعلوه بضاعة رخيصة تفتقر إلى القيم و الأخلاق, و يتم تسويقها في مجتمع محافظ جاهل بأمور دينه و غافلا عن نوايا هؤلاء المخربين, و الغريب في الأمر أنهم يقومون بتصوير أفلامهم –الخبيثة- داخل مجتمعنا الإسلامي أمام مرأى و مسمع الجميع من سلطات و جمعيات حقوقية و كل أطياف المجتمع المغربي دون أن ينالوا أية عقوبة زجرية على الأقل, باعتبارهم أعداء الفن و القيم. إن السينما المغربية اليوم تعاني من ضعف أخلاقي أكثر من أي وقت مضى, لأن أغلب العاملين بميدان الفن السابغ غير متخصص و يفتقر إلى المهارات الضرورية لتسويق منتوج يتصف بكل معايير الجودة من جميع الجوانب, و من تم تجده يركز على إدماج لقطات مخلة بالآداب بغرض تجاري لا فني. إن الملفت للنظر في النازلة أنك تجد كل من هب و دب يشتغل في ميدان الفن معتبرا نفسه كمهني دون أن تربطه أية علاقة بالفن من قريب أو من بعيد سوى رغبته الملحة بالشهرة, و كذا وفرة أمواله التي المسؤولين حتى يجعلوه فنانا بواسطة قسرية. إن المنتوج السينمائي الذي ينتقده الجميع متخصصين كانوا أم غير متخصصين بصورة حقيقية لا التباس فيها لهو خير دليل على رداءته و عدم مهنيته لأن المنتوج الحقيقي الذي يستجيب لمعايير الجودة لا يستطيع عامة الناس من غير النقاد المتخصصين ملاحظة نواقصه حتى إن وجدت . إن استهزاء البعض ممن ينتسبون إلى الفن بعقلية الجمهور و استغلالهم للرسائل الباطنية التي يجهلها جمهور غفير من المواطنين جعل بعض الأمور المخلة بالآداب تبدو عادية بنظرة بعض الضحايا الغافلين. الفن بعيد كل البعد عن قلة الأدب و العري و الخلاعة, قريب من العفة و الكرامة, لأنه لغة المقهور و رسالة المظلوم و نصيحة الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر, و ليس أداة لنشر الرذيلة و دحض الفضيلة, و قتل الحياء ببطء أمام الجميع الغارق في دوامة السكر العلني دون إبداء أية ردود أفعال قد تساهم في حلحلة الإشكال. على المعنيين بالأمر أن يتخذوا الأمر بجدية و يواجهوا المفسدين قصد الحد من هذه الخروقات اللاأخلاقية التي ما فتئت تنخر جسد الأمة من الغيورين على دينهم و دنياهم, نسأل الله تعالى أن لا يحاسبنا بما فعل السفهاء منا. مصطفى أيتوعدي