عالم طبيعة، ومكتشف نظرية النسبية وحائز على جائزة نوبل. وُلد في ألمانيا ونشأ وتَعلَّم فيها، وعمل بعد تَخرُّجه في مكتب براءات الاختراع بمدينة برن في سويسرا وأصبح مواطناً سويسرياً. تَمكَّن أثناء هذه الفترة من إنجاز عدة أبحاث. وفي عام 1905، نشر دراسات عن: النظرية الخاصة بالنسبية وعلم البصريات، وعُيِّن أستاذاً على أثر ذلك في عدة جامعات بألمانيا. وفي عام 1920، نشر دراسته عن: النسبية العامة والنسبية الخاصة، حيث بيَّن أن مبدأ النسبية ينطبق على الحركة وشرح فكرة البُعد الرابع وانثناء الفراغ. ويُعَدُّ ألبرت أينشتاين أحد رواد الفيزياء الحديثة، فهو صاحب نظرية النسبية الخاصة التي نجحت في التوصل إلى أساس لعلاج التناقضات بين نظرية نيوتن للحركة ونظرية ماكسويل للحركة الكهرومغناطيسية. وكان من أهم نتائج النسبية الخاصة مفهوم تَداخُل الزمان والمكان وتَرادُف الطاقة والكتلة. وقد تبع ذلك بالنظرية النسبية العامة التي تُعتبَر تعميماً للنسبية الخاصة حيث تتضمن حركة الأجسام تحت تأثير الجاذبية. وبالإضافة إلى نظرية النسبية، ساهم أينشتاين في تطوير النظرية الكمِّية من خلال تفسير التأثير الكهروضوئي. وترتكز النظرية الكمية على مبدأ ازدواجية المادة، وهو أن الجسيم يأخذ أحياناً شكل الموجة وأن الموجة تأخذ أحياناً شكل الجسيم. وبعد أن فرغ من صياغة النظرية النسبية العامة، انشغل أينشتاين في مسألتين: المسألة الأولى تفنيد مبدأ اللايقين الذي يفترض استحالة دقة قياس نقطة ما وسرعة جسيم في آن واحد من حيث المبدأ (لا من حيث قصور آلات القياس)، أو بصياغة أخرى: مبدأ استحالة فصل التجربة عن المجرب. والمسألة الثانية هي وضع نظرية عامة واحدة تفسِّر أنواع القوى (التفاعلات) الأولية كافة، ولكنه لم يكن موفقاً في محاولاته هذه. وفي عام 1933، اضطر أينشتاين إلى الهجرة إلى الولاياتالمتحدة بعد أن استولى هتلر على السلطة. وأصبح أينشتاين مواطناً أمريكياً، واستمر في بحوثه العلمية. ولكنه كان قد بدأ يدرك أن العلم أصبح مثل حدِّ موسي في يد طفل في الثالثة من عمره، إذ أدَّى امتلاك وسائل الإنتاج العجيبة في تَصوُّره، إلى تزايد القلق والجوع بدلاً من الحرية. وقد لعب أينشتاين دوراً مهماً في تطوير القنبلة الذرية أثناء الحرب، ولكنه عارض استخدامها بل وطالب بتحريم القنابل الذرية والهيدروجينية. وأثناء الحقبة المكارثية (الإرهابية) طالب أينشتاين العلماء بألا يدلوا بشهادتهم أمام لجان التحقيق. وقد استمر أينشتاين في أبحاثه العلمية حتى وفاته. وموقف أينشتاين من الإله والدين يستحق بعض التأمل، وهو موقف يشبه موقف كثير من المفكرين العلمانيين الذين فقدوا الإيمان الديني، ولنبدأ بموقفه من الإنسان. لقد أدرك أينشتاين أن الإنسان كيان غريب مليء بالأسرار، فقد صرح ذات مرة أن « قانون الجاذبية غير مسئول عن الحب »، أي أن القانون الطبيعي لا يُفسِّر الوجود الإنساني، ولكنه اتجه في بعض تصريحاته إلى ما يمكن تسميته «الديانة الإنسانية» فعبَّر عن إعجابه بمقدرة الإنسان على فهم ما حوله، ورأى أن هذه المقدرة شكل من أشكال التفوق اللانهائي على الطبيعة، ومن هنا فإن الإنسان يقع عليه عبء أخلاقي، ولكن مسئوليته الأخلاقية تكون تجاه نفسه وليس تجاه أي إله. بيد أن هذه ليست نهاية القصة، إذ يستمر تأرجحه دون تَوقُّف فيصرح بأن الإله لا يلعب بالعالم، أي أن العالم يتبع نظاماً واضحاً يتجلى من خلال الإرادة الإلهية. ولكن هذا الإله يشبه من بعض النواحي إله إسبينوزا. فهو ليس إلهاً ذا إرادة يحب البشر ويعطف عليهم، يُثيب الناس ويعاقبهم، وإنما هو مبدأ آلي عام. ولكن العَالم الكبير، صاحب نظرية النسبية، يجد أن هذا الموقف لا يُعبِّر عن الحقيقة كلها، ويؤكد أن العلم الحديث ألقى بظلال من الشك على السببية الآلية التي تشكل إطار الرؤية الإسبينوزية الساذجة. ولم يكن موقف أينشتاين، في بداية حياته على الأقل، رافضاً للصهيونية. فقد نشأ وتعلَّم في ألمانيا. ولذا، فإننا نجد أنه كان يؤمن بفكرة الشعب العضوي، وبأن السمات القومية سمات بيولوجية تُوَّرث وليست سمات ثقافية مكتسبة. وقد صرح أينشتاين بأن اليهودي يظل يهودياً حتى لو تخلى عن دينه، وهذه مقولة أساسية في معاداة اليهود على أساس عرْقي. وليوضح فكرته، شبَّه أينشتاين مثل ذلك اليهودي بالحلزون الذي يظل حلزوناً حتى بعد أن يُسقط محارته. وموقفه من معاداة اليهود، في هذه المرحلة، لا يختلف كثيراً عن موقف الصهيوني، فقد كان يرى أن معاداة اليهود مسألة ستظل موجودة مادام هناك احتكاك بين اليهود والأغيار، بل وأضاف أن اليهود مدينون لأعدائهم بأنهم استمروا عرْقاً مستقلاًّ. وقد أدلى أينشتاين بتصريح ذي مضمون صهيوني عرْقي، إذ صرح (قبل ظهور النازيين) بأنه ليس مواطناً ألمانياً، ولا حتى مواطناً ألمانياً من أتباع العقيدة اليهودية، وإنما يهودي ويسعده أن يظل يهودياً. وقد عبَّر أينشتاين في عدة مناسبات عن حماسه للمشروع الصهيوني وتأييده له، بل واشترك في عدة نشاطات صهيونية. ولكن موقف أينشتاين هذا لم يكن نهائياً، وربما كان تعبيراً عن عدم نضج سياسي، إذ عَدَل عن هذه المواقف فيما بعد، فقد صرح بأن القومية مرض طفولي، وبأن الطبيعة الأصلية لليهودية تتعارض مع فكرة إنشاء دولة يهودية ذات حدود وجيش وسلطة دنيوية. وأعرب عن مخاوفه من الضرر الداخلي الذي ستتكبده اليهودية، إذا تم تنفيذ البرنامج الصهيوني، فقال: « إن اليهود الحاليين ليسوا هم اليهود الذين عاشوا في فترة الحشمونيين »، وفي هذا رَفْض للفكر الصهيوني ولفكرة التاريخ اليهودي الواحد. ثم أشار إلى أن «العودة إلى فكرة الأمة، بالمعنى السياسي لهذه الكلمة، هي تَحوُّل عن الرسالة الحقيقية للرسل والأنبياء ». ولهذا السبب، وفي العام نفسه، فسَّر انتماءاته الصهيونية وفقاً لأسس ثقافية، فصرح بأن قيمة الصهيونية بالنسبة إليه تكمن أساساً في « تأثيرها التعليمي والتوحيدي على اليهود في مختلف الدول ». وهذا تصريح ينطوي على الإيمان بضرورة الحفاظ على الجماعات اليهودية المنتشرة في أرجاء العالم وعلى تراثها، كما يشير إلى إمكانية التعايش بين اليهود وغير اليهود في كل أرجاء العالم. وفي عام 1946، مَثل أمام اللجنة الأنجلو أمريكية وأعرب عن عدم رضاه عن فكرة الدولة اليهودية، وأضاف قائلاً: « كنت ضد هذه الفكرة دائماً ». وهذه مُبالَغة من جانبه حيث إنه، كما أشرنا من قبل، أدلى بتصريحات تحمل معنى التأييد الكامل لفكرة القومية اليهودية على أساس عرْقي. والشيء الذي أزعج أينشتاين وأقلقه أكثر من غيره هو مشكلة العرب. ففي رسالة بعث بها إلى وايزمان عام 1920، حذر أينشتاين من تجاهل المشكلة العربية، ونصح الصهاينة بأن يتجنبوا «الاعتماد بدرجة كبيرة على الإنجليز »، وأن يسعوا إلى التعاون مع العرب وإلى عَقْد مواثيق شرف معهم. وقد نبه أينشتاين إلى الخطر الكامن في الهجرة الصهيونية. ولم تتضاءل جهود أينشتاين أو اهتمامه بالعرب على مر السنين. ففي خطاب بتاريخ أبريل سنة 1948، أيَّد هو والحاخام ليو بايك موقف الحاخام يهودا ماجنيس الذي كان يروج فكرة إقامة دولة مشتركة (عربية يهودية)، مضيفاً أنه كان يتحدث باسم المبادئ التي هي أهم إسهام قدَّمه الشعب اليهودي إلى البشرية. ومن المعروف أن أينشتاين رَفَض قبول منصب رئيس الدولة الصهيونية حينما عُرض عليه. وإسهامات أينشتاين في علم الطبيعة لا يمكن تفسيرها إلا باعتباره جزءاً من المنظومة العلمية الغربية. وقد يكون ليهوديته دور في تَوجُّهه نحو النسبية، ولكن المنظومة العلمية الغربية ككل تظل العنصر المحدد النهائي، إذ كان قد طُرح داخلها بضعة أسئلة تتطلب الإجابة، الأمر الذي جعل الجو مُهيَّئاً لتَغيُّر النموذج.